حمّل، أمس، مجموعة من المحامين النيابات العامة على مستوى مختلف المجالس القضائية عبر التراب الوطني مسؤولية تعطل تطبيق نصوص ميثاق المصالحة الوطنية كاملة، باعتبارها الجهة المخولة قانونا بتطبيقها والسهر على تنفيذ أحكامها. واتهمت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم النيابات على مستوى المجالس القضائية، بوضع العراقيل أمام الفئات المعنية بالمصالحة، واستثناء المئات من المواطنين على مستوى كل محكمة من الاستفادة بحجة "أن قضاياهم مدرجة في إطار القانون العام" ومن ثم قاموا بتجاهلها، وهي في الغالب، كما قالت بن براهم، أحكام صادرة بعد سنة 2000، أي بعد تاريخ انتهاء أجال قانون الوئام المدني الذي ألغى المحاكم الخاصة المكلفة آنذاك بقضايا الإرهاب، مما أدى إلى الحكم على هؤلاء المتورطين في القضايا الإرهابية في إطار القانون العام، رغم أنهم متهمين في قضايا إرهابية. جميلة بلقاسم وذكرت فاطمة الزهراء بن براهم التي نشطت ندوة صحفية بمجلس قضاء الجزائر العاصمة بأنها لا تتحدث باسمها الخاص وإنما تمثل "مجموعة كبيرة من المحامين باعتبارها موكلة عن عدد كبير من ملفات المصالحة الوطنية على مستوى مجلس قضاء الجزائر". وكشفت في هذا الصدد أن المحامين بصدد إعداد رسالة إلى رئيس الجمهورية لإطلاعه على المشاكل التي اصطدمت بها الفئات المعنية بنصوص المصالحة، على مستوى النيابة العامة للمحاكم، دون أن يتمكن المحامون من فعل أي شيء لهم، في وقت تقترب آجال المصالحة من الانتهاء يوم 31 أوت الجاري، الأمر الذي دفع المحامين إلى التحرك لتشكيل لجنة من أجل مرافقة ومتابعة تطبيق نصوص المصالحة. وشددت بن براهم على ضرورة تمديد آجال المصالحة الوطنية التي يفترض أن تنتهي نهاية الشهر، لأن المدة غير كافية، منبهة ومحذرة في آن واحد من "أنها الفرصة الأخيرة أمام الجزائر لمكافحة الإرهاب بواسطة قوانين جزائرية"، لأن الجزائر صادقت سنة 2004 على المعاهدة الدولية لمكافحة الإرهاب، التي تمنح صلاحية مكافحة هذه الظاهرة للخارج انطلاقا من أنها ظاهرة عابرة للقارات والدول، وهو ما يعني أن القوانين الداخلية ستسقط أمام القوانين العالمية. وفي ردها على تصريحات وزير الداخلية بخصوص عدم تمديد الآجال قالت بن براهم إن "زرهوني مجرد وزير يطبق الأوامر فقط، ورئيس الجمهورية وحده مخول باتخاذ القرار، ويجب أن يمدد الآجال لإنقاذ المصالحة الوطنية من الفشل". وأضافت أن "الرئيس لا يعلم ما يجري في المحاكم بسبب العراقيل ولو يتم إخباره بها أكيد سيقرر تمديد الآجال"، وهو تماما ما وقع - حسبها - في الوئام المدني عندما أصدر مرسوما يتضمن ثلاث مواد لتمكين أكبر عدد من التائبين من تسليم أنفسهم، ليتبين أن أكبر عدد من التائبين سلموا أنفسهم خلال الفترة التي مددت. وتساءلت في نفس السياق إذا كان التمديد يعيد السلم للجزائر، فما المانع إذن، ولماذا التردد طالما انه لا يضر الجزائر في شيء، كما أوضحت في ردها على موقف أحزاب التحالف بمعارضة تمديد أجال المصالحة، بأنه "مجرد رأي سياسي، لا يجب أن يكون مرجعا ولا يعتد به"، وتابعت "نحن نطالب بالتمديد وننصح الرئيس أن يأخذ رأينا بعين الاعتبار، لان الأمور في غاية الخطورة، فالأحزاب السياسية كما قالت ليست معنية بالاستفادة من المصالحة، بل الشعب هو الذي ينتظر السلم وهو الذي يحتاجه، ولا يجب ممارسة السياسة على حساب مصير وسلامة الشعب والأمة". وأكدت في هذا الصدد أن هناك قضايا صدرت فيها أحكام غيابية تتراوح ما بين 20 سنة والإعدام، النيابة العامة استثنتهم من المصالحة، مع العلم أن الأحكام قابلة للطعن وليست نهائية، هذه القضايا الغيابية تعتبر كأنها على مستوى التحقيق النهائي فقط، ويستفيد أصحابها من المصالحة، غير أن النواب العامون يعرقلونها. متسائلة بأي منطق تتم دراسة هذه القضايا. وأكدت بن براهم أن هناك مئات الملفات استثنيت من المصالحة، ولمّا استفسر المحامون عن الأسباب، رفضت النيابة العامة تقديم توضيحات. وتتضمن هذه الحالات المستثناة من المصالحة ثلاث فئات تشمل معظمها حالات الأوامر بالقبض وهي القضايا التي كانت في التحقيق، وينص القانون على أن أصحابها يستفيدون من انقضاء الدعوى العمومية، ولما يكون انقضاء الدعوى، فإن النيابة العامة ما عليها، إلا تنفيذ الأمر من خلال الكف عن متابعة هؤلاء، وإلغاء أوامر القبض التي كانت قد صدرت ضد المطلوبين في قضايا إرهابية، من خلال التراجع عنها، والمفروض أن النيابة العامة كما قالت هي التي تعطي هذه الأوامر، لأن توقيف المتابعة أول ضمان لكي يظهر هؤلاء الأشخاص المختفون أو الموجودين محل بحث أو متابعة. والمشكل - حسبها - هو أن الأشخاص الذين جاؤوا وقدموا أنفسهم ليستفيدوا من الدعوى وإسقاط البحث عنهم، ويتسلموا القرار بإسقاط الأمر بالقبض عليهم وانقضاء الدعوى، وجدوا أنفسهم في السجن، وهناك من جاؤوا من الخارج، لكنهم وجدوا أنفسهم في السجن وكشفت أن هناك 65 حالة - حسبها - في سجن الحراش منهم من جاء من الخارج ومنهم من كان داخل الوطن، بعضهم في التحقيق وبعضهم محكوم عليهم نهائيا تم استثناؤهم دون سبب واضح أو محدد، "نحن المحامين حاولنا الاستفسار عن وضعيتهم على مستوى النيابة العامة دون أن نتحصل على رد، لماذا لم يستفيدوا، المشكل الآن بقي لنا أقل من عشرة أيام، في وقت مازال هناك أناس كثيرين في الخارج يريدون الدخول، منهم المفقودين، ومنهم المتورطين في عمليات إرهابية داخل أو خارج الوطن. واستندت المحامية إلى قضية المدعو "بولبداوي ابراهيم" الذي عاد منذ أسبوع من ألمانيا وسلّم نفسه للاستفادة من تدابير المصالحة، لكنه فوجئ بإبلاغه أن الحكم الصادر ضده غيابيا بالإعدام، لتورطه في عملية اغتيال إرهابية، سيثبّت عليه، لأنه حكم صادر في إطار القانون العام.