رحل الأديب الكبير نجيب محفوظ تاركا خلفه جيشا من القراء في شجن وتأثر بالغين، اسمه الكامل نجيب محفوظ عبد العزيز ابراهيم أحمد باشا، وقد حمل اسمه المزدوج (نجيب محفوظ) نسبه إلى طبيب عالمي شهير متخصص في أمراض النساء وهو الذي أشرف على ولادته، علما بأن هذا الطبيب المصري القبطي الديانة نال شهرة واسعة في بلده وفي العالم أجمع بفضل أعماله الإنسانية التي دون بعضها في مذكراته الصادرة إبان الخمسينيات عن دار المعارف بالقاهرة، وهي تحمل عنوان »حياة طبيب« وكتب مقدمتها عميد الأدب العربي طه حسين، علما أيضا بأن هذه المذكرات كتبت أصلا بالإنجليزية قبل أن يشرف على ترجمتها إلى العربية مؤلفها شخصيا وبأسلوب متفرد نادر المثال على حد تعبير طه حسين. رشيد فيلالي نجيب محفوظ.. الرجل الطيب الشهير بنظاراته القائمة وبسمته العريضة وثؤلوله الذي يشبه حبة كرز على طبق من الحلوى، رحل وهو الذي ألف ثلاثية روائية خالدة في 1363 صفحة، تضمنت سيرة ثلاثة أجيال كاملة، جيل ما قبل الثورة 1919 وجيل الثورة وما بعدها مجسدة في حياة أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة هي أسرة أحمد عبد الجواد.. وكانت هذه الثلاثية التي تعد بحق من روائع الأدب الواقعي التسجيلي المعاصر قد ترجمتها الألمانية دوريس كيلياس D.Kilias أعوام 92 - 93 - 1994 وقد أعربت هذه المترجمة عقب فراغها من نقل هذا العمل الأدبي الجليل إلى الألمانية (نقلت أيضا 9 روايات أخرى لنجيب محفوظ) بأن عبقرية الرجل جديرة بالإعجاب. وللتذكير فإن أعمال نجيب محفوظ ترجمت إلى 33 لغة عالمية، كما أن هذه الأعمال صدر حولها 90 كتابا لنقاد مصريين وعرب حسب مركز الخدمات الببليوغرافية والحساب العلمي بدار الكتب والوثائق القومية بمصر، كما صدرت أعماله الكاملة العام 2005 عن مكتبة لبنان في 4177 صفحة في 5 أجزاء ضخمة لم تتضمن جميع أعماله وكتاباته الأدبية. وإذا كان القاص الراحل يوسف إدريس قد اعتبر نيله جائزة نوبل عام 1988 مكافأة له عن دعمه لمعاهدة كامب ديفيد، إلا أن الأكيد في هذا الأمر أن نجيب ذكر في كلمته التي ألقيت لحظة تسلم ابنته للجائزة العالمية نيابة عنه باستوكهولم قوله »في الضفة وغزة أقوام ضائعون رغم أنهم يعيشون فوق أرضهم وأرض أبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، هبوا يطالبون بأول مطلب حققه الإنسان البدائي وهو أن يكون لهم موضع مناسب يعترف لهم به فكان جزاء هبتهم الباسلة النبيلة رجالا ونساء وشبابا وأطفالا تكسيرا للعظام وقتلا بالرصاص وهدما للمنازل وتعذيبا في السجون والمعتقلات«. وكما هو واضح فإن الراحل لم ينس أن يفضح من خلال هذه السطور مدى ما يعانيه الفلسطينيون على يد الكيان الصهيوني من جرائم همجية سافلة. من جهة أخرى نذكر أن نجيب محفوظ الذي نال جائزة نوبل عن رواية »أولاد حارتنا« كان قد تعرض بسببها إلى إصدار فتوى من الشيخ عمر عبد الرحمان أهدر فيها دمه، مع الإشارة إلى أن هذه الرواية صدرت بعد خمسين سنة من المنع مؤخرا وكتب مقدمتها شيخ أزهري وقال عنها نجيب محفوظ في حوار مطول معه نشر بدير شبيغل الألمانية (فيفري 2006) أنها أنصفته.. رحمه الله.