لقد صادفت مؤخرا مقولة مثيرة للاهتمام مفادها أن "الفساد هو طريقة الطبيعة في تجديد ثقتنا بالديمقراطية". * تبدو هذه المقولة موجزة وظريفة لكنها دفعتني إلى التفكير فيما تعنيه حقا، سيما أن ظاهرة الفساد كثيرة التداول في الأوساط الإعلامية وأن القضاء عليها من أبرز مطالب الشارع العربي. إنها تعني أنه يتوجب على المسار الديمقراطي أن يسلط الضوء على الفساد وأن يقتلعه من الجذور. وتعني أنه ما من دولة بوسعها أن تتحمل العبء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يفرضه الفساد. كما تعني أنه تحت ضغط الشعوب، بات تأثير الفساد على النمو الاقتصادي وإخلاله بالاستقرار السياسي أكثر وضوحا. * لقد شهدنا هذا يحدث في بريطانيا حيث تم اتهام عدد من أعضاء البرلمان بالتلاعب بمصاريفهم وتمت إدانتهم بالسجن. كما رأيناه يدمر عالم كرة القدم لما صرفت الاتهامات بالرشوة أنظارنا عن هذه اللعبة الجميلة. كما أن الفساد يهدد ازدهار الشعوب عبر العالم ويعيق النمو ويكبت الابتكار والإبداع ويدمر روح المبادرة. لقد تضررت التجارة العالمية بشكل خاص من تأثير الرشوة والفساد. ويقدر أن الفساد يضيف ما يقارب 10 % للتكلفة الإجمالية للقيام بالأعمال على المستوى العالمي وحتى 25 % لتكلفة الصفقات الحكومية في البلدان النامية. ويمكن أن تكلف الخسائر1 ترليون دولار أمريكي سنويا وحتى 3 % من إجمالي الناتج المحلي. * إذن ما العمل؟ في المملكة المتحدة تم تبني قانون جديد لمكافحة الرشوة وبدأ العمل به في الفاتح من شهر جويلية. وقد جاء فيه نوعان جديدان من الجرائم العامة فيما يخص تقديم أو استلام الرشاوي. طبعا لقد كانت هاتان الجريمتان غير قانونيتين مسبقا، لكن الفرق الآن هو أنه يعد تقديم رجل أعمال بريطاني رشوة لموظف أجنبي لدوافع تجارية جريمة. كما يعد عجز الشركات عن منع استعمال الرشوة بالنيابة عنها جريمة أيضا. * وباتخاذها لهذا الموقف الحازم، تدعم الحكومة البريطانية المبادرة التي قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد أصدرت العديد من البلدان قوانين صارمة للقضاء على الرشوة التي تخدع الشعوب وتحصرهم في الفقر. كما أن الكثير من البلدان الأخرى أسست أنظمة وأجهزة للتحقيق والمتابعة في الاتهامات بالفساد. لكن القوانين وحدها غير كافية. فالتطبيق والتنفيذ أهم من القوانين بحد ذاتها. ويعني هذا أنه يجب تسخير الأنظمة والتكنولوجيا والقدرة القضائية اللازمة للتحقيق في القضايا ومتابعتها وجمعها ضد أولئك الذين يحشرون أيديهم في جيوب غيرهم. لا يمكن للبلدان أن تحل مشاكل الفساد بمفردها، إذ يتطلب ذلك تعاونا دوليا ومشاركة المعلومات والتكنولوجيا والأداء الأمثل. * وفي النهاية، تعني المقولة المتعلقة بالفساد والدمقراطية أن سرقة أموال الحكومة من قبل المسؤولين الفاسدين مسألة تخصنا جميعا. والمبادرة التي قامت بها المملكة المتحدة بتبنيها قانون مكافحة الرشوة هي واحدة من بين العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها من قبل الحكومات للتعامل مع هذه الظاهرة.