اقترب رمضان و لا حديث بين الجزائريّين فيه سوى عن المائدة و الإفطار و السّهرة، أمّا قبل رمضان فيُخيّم جوٌّ من التّوجّس على الطبقتين المُعوزّة و المتوسّطة، مصدرهُ الخوف من ارتفاع أسعار الخضر و اللحوم و الموادّ الضروريّة التي يحتاجها كل بيت لتحضير طبق "شُربة" بسيط، يُذهب عن الصّائم جوع يومه! فلقد عهد الجزائريّون أن يرفع غالبيّة التّجار أسعار سلعهم قُبيل الشّهر الفضيل، لأنّ هؤلاء التّجّار يعلمون يقينا بأنّه لا مفرّ للمواطن منهم إلاّ إليهم، من أجل ذلك يظلّ الخوف و التّوجّس سيّدا الموقف بمجرّد رحيل النّصف الأوّل من شعبان، بينما يضلّ الرّبح السّريع هو الهدف. حمزة هدنه بأنانيّتهم و انتهازيّتهم و حبّهم المال حبّا جمّا، حوّل كثير من التّجّار في الجزائر كلّها، رمضان و الأيّام التي تسبقه إلى لحظات يغشاها الخوف و القلق و التّردّد و الاكتئاب. انتهازُهم فرصة اقتراب رمضان ،و رمضان نفسه، لرفع الأسعار بُغية تحقيق أرباح كثيرة، جعل النّاس يستعْدُونهم و يكرهونهم بل و يحقدون عليهم، لأنّهم يرون في هذا السلوك غدرا و عدم مراعاة لظروف النّاس و دوْسا على قداسة و مكانة شهر الخير، و حتّى و إن لم ترتفع الأسعار فإنّ مُجرّد الشّعور بالخوف يُعتبر سيّئة من السيّئات الكثيرة التي درج التُّجّار على اقترافها كل عام في حق النّاس و الدّين. "الفريك" من 1400 دينار إلى 1900 دينار بدت عليه علامات الحيرة و الاستنكار و هو يُحدّثنا عن ارتفاع أسعار بعض الموادّ الضرورية قُبيل دخول رمضان، قال عمّي مُحمّد "يا لطيف، لقد قفز ثمن الفريك إلى ألف و تسعمائة دينار أمس فقط بعد أن كان لا يتجاوز الأربعة عشر ألف دينار!" عمّي محمّد صاحب مطعم ، و هو رجل عليم بأسعار الخُضر كُلّها و كلّ ما يلزم من ضروريّات لطهْيِ أيّ طبق، لا يُمكنه أن يُخطئ في معرفة تحوّلات السّوق و ما يحدث فيه من اهتزازات. يقول سمير الذي يتردّد كثيرا على الأسواق بأنّ "نظريّة" استعداء التّجار ليست مُسلّمة لدى الشّعب الجزائري منذ القِدم، و لكنّها فكرة ترسّخت في الأذهان بفعل ممارسات الكثيرين من التّجار، الذين يهرعون إلى رفع أسعار أغلب السلع سواء كانت خضرا أو فواكه أو بقولا، و يضيف سمير "إنّهم يُسارعون إلى هذا السّلوك قُبيل رمضان و أثناءه- و هم يعلمون لماذا يقومون بذلك- و لكن بمجرد أن ينتهي رمضان حتّى يعودوا إلى أسعارهم القديمة!" ..المُهمّ أنْ نصوم في هناء بعيدا عن أجواء الخوف، يُصرّ الجزائريّون على أن يصوموا في هناء و صفاء، فلم يعودوا يأبهون بالأسعار لأنّهم على علم بأنّها ستصل عنان السّماء كلّ رمضان، يقول عمّي محمّد صاحب المطعم بأنّ ما بات يهمّ النّاس الآن هو الإفطار على مائدة عليها شيء من "الشّربة" و الخبز و انتهى الأمر، أمّا الحديث عن اللحم و الفواكه الكثيرة، فلم يعد من الأمور الضّروريّة اليوم، و حتّى ذلك الحين، رمضانكم كريم.