شهر رمضان في بسكرة اليوم لا يختلف كثيرا عليه في السابق، إذ أن العائلات البسكرية ما زالت على سابق عهدها تستعد لاستقبال هذا الشهر الكريم أياما قبل حلوله وذلك باقتناء الأواني الجديدة والتي ترى أنها إما ضرورية على مائدة الإفطار، أو لتحضير مختلف الأطباق. كما تحرص العائلات على اختيار التوابل الجيدة كل نوع على حدة، ثم يذهب بهذه التوابل إلى الطاحونة حيث يتم طحنها حسب مزاج كل شخص. وما زالت الطاحونات تنتشر في الشوارع القديمة لمدينة بسكرة، ولها من الخبرة والكفاءة ما يجعلها توفر للعائلات توابل ذات نوعية رفيعة، هذا وتقوم أغلب العائلات بتنظيف البيوت أو طلائها إذا تطلب الأمر، كما يتم توفير ما يلزم من خضر وفواكه ولحوم أياما قبل حلول أول يوم من أيام رمضان. هذا من ناحية الاستعداد أما عن أيام رمضان، فطيلة اليوم ينصرف كل إلى عمله، إلى أن يحل المساء فتجد النساء وقد شرعن في تحضير ما لذ وطاب من أطباق أما الرجال والشباب فيتوجهون إلى السوق لشراء ما يكمل مائدة رمضان من أنواع الخبز والزلابية دون أن ننسى أشهى طبق وهو (الدوبارة) التي يتم شراؤها من محلات معدة خصيصا لتحضير هذا الطبق، ليأتي آذان المغرب معلنا انتهاء مرحلة الصوم، فتلتف العائلة حول المائدة لتناول وجبة كاملة ومتنوعة. وبعدها مباشرة يتم إحضار صينية القهوة وقد زينت بأنواع من الحلويات كالهريسة أو الشامية لينصرف بعد ذلك الرجال والشباب إلى بيوت الله شاكرين ذاكرين، تاركين المجال للنساء لترتيب البيت والتسامر فيما بينهم. وبعد انقضاء صلاة التراويح نجد الرجال يتوجهون إلى المقاهي أو الساحات لتجاذب أطراف الحديث أو قضاء وقت في لعب (الدومينو) ليعودوا بعد ذلك لبيوتهم مستغلين ما تبقى من سهرة لمشاهدة برامج التلفزيون. هذه إذن يوميات العائلة البسكرية، إن في الماضي أو اليوم ولا نجد الاختلاف إلا في مائدة رمضان التي أصبحت اليوم تنوء بما تحمله من أطباق أو طريقة سهر العائلات، فسهرات زمان تختلف عن سهرات اليوم. الدوبارة والجاري والمسقية أطباق رمضان المفضلة لا شك أن كل منطقة من مناطق الجزائر تشتهر بطبق أو اثنين يحبذ تحضيره في شهر رمضان. ومدينة بسكرة تشتهر بعدة أطباق لا تكاد تخلو مائدة منها خلال كامل أيام شهر رمضان المبارك، ومن بين هذه الأطباق الدوبارة والتي تعدت شهرتها حدود الجزائر، وتعد بطريقين إما بالفول أو الحمص حيث يتم إعداد الحمص مثلا، ثم يضاف له خليط من الطماطم والفلفل والكسبرة وزيت الزيتون ومجموعة خاصة من التوابل دون طهيه من جديد ثم يقدم، أما الجاري فهو شربة الفريك عند أهل العاصمة ومن جاورهم، وهو كما لا يخفى على أحد مرق يضاف له حب الفريك المدشش، هذا وتفضل الكثير من العائلات البسكرية عدم خلو المائدة من طبق المسقية وهي عبارة عن رقاق مقطع إلى قطع صغيرة يتم غمره بمرق (الفريك) أو (المرمز) وللتوضيح فإن الفريك هو حب القمح قبل نضجه تماما والمرمز هو حب الشعير قبل أن ينضج كذلك ولهذا الطبق مكانة خاصة عند البساكرة سواء في رمضان أو في غيره. ليل بسكرة في رمضان كنهارها قد لا تختلف بسكرة عن باقي ولايات الجزائر في سهر ليالي رمضان، بل إن كل العائلات الجزائرية تكاد تنتهج أسلوبا واحدا في السهر حيث أن النسوة يتنقلن إلى بعضهن البعض لقضاء جلسات حميمية حول مائدة الشاي يتجاذبن فيها أطراف الحديث حول ماض جميل وحاضر فيه ما يقال وما أكثر حديثهن حيث يلتقين. أما الرجال وكما هو معلوم فبعد أداء صلاة التراويح يتجه كل واحد إلى مجموعة من الأصدقاء وفاء لموعد قد ضرب نهارا ليتم الالتقاء إما في مقهى معين أو مكان عام، وقد يطول السمر إلى ساعات متأخرة من الليل دون أن يشعر أحد. هذا في الأيام الأولى أما في الأيام الأخيرة، فيختلف الوضع إذ نجد أن الجميع يكثف من تجواله وهذا ليلا بين المحلات، بغرض شراء ما يلزم من ألبسة ومقتنيات لاستقبال عيد الفطر، وبهذا فإن بسكرة تعج بالحركة ليلا كما لو كنت في النهار. الأسواق والمحلات خلال رمضان عرفت بسكرة في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في عدد المحلات، والتي أصبحت تختص في مجال محدد دون الخلط بين مجالات عدة كما كان في السابق، هذا بالإضافة إلى الأسواق الأسبوعية فضلا عن الأسواق القارة، كسوقي البخاري وزقاق بن رمضان وسوق الدلالة، وأمام كل هذه الوفرة من المنتجات يجد المواطن البسكري نفسه حرا في الوجهة التي يقصدها، فهناك من يقصد الأسعار الزهيدة، وغيره يتجه نحو ما هو مستورد وهكذا فإن لكل وجهته، وما يميز هذه السنة هو اقتران رمضان بالدخول المدرسي. لهذا كثفت العائلات البسكرية من نشاطها خلال الأيام الأخيرة من شعبان، فمن اقتناء مستلزمات المطبخ والطبخ إلى كسوة الأطفال استقبالا للدخول المدرسي. من أجل ذلك وفرت المحلات والاسواق على حد سواء كما هائلا من المنتجات، سواء ما يخص المطبخ من مواد غذائية وخضر وفواكه ولحوم أو ما يخص الأطفال من ألبسة وأدوات مدرسية والملاحظ هذه السنة أن أسعار الألبسة تبقى معقولة إلى حد ما أما بالنسبة للخضر فقد ارتفعت أسعارها نسبيا أسبوعا قبل حلول شهر رمضان وذلك مقارنة بالأيام الفارطة وهذا الواقع يفرض نفسه كل سنة وقد أصبح عرفا أو عادة تحير الزبون وإن اختلفت الأسباب. رمضان فرصة للإكثار من العبادات تشهد مساجد بسكرة قفزة نوعية في مجال إحياء شهر رمضان المعظم، فكل المساجد تزين وتنظف أياما قبل رمضان كما تعد العدة للاحتفاء بهذا الشهر خير احتفاء، حيث نجد أن الأئمة يحضرون برنامجا ثريا يشمل دروسا يوميا وهذا بعد صلاة العصر وقبيل صلاة العشاء تتطرق في مجملها إلى السيرة النبوية العطرة، وتفسير القرآن الكريم، ومواعظ وحكم تغذي العقل والروح، أما عن صلاة التراويح فيختار لها مرتلون أكفاء يجعلون كلام الله يلج قلوب المؤمنين ليشفيها من الأمراض والأدران التي قد تعلق بها.