هي مثلها مثل الظواهر التي تهل مع هلال رمضان وتنقضي بانقضائه، فتيات وسيّدات يحدثن القطيعة مع التبرج طيلة رمضان احتراما لهذا الشهر الفضيل، ورغبه في بلوغ رحماته، وتجنبا لانتقادات الصائمين، وما إن يطوي رمضان خيامه ويغادرنا، حتى "يطوين" أحجبتهن ويودعنها رفوف الخزائن، مثلما تطوى الكثير من الظواهر التي لا تطل برأسها إلا في شهر رمضان... * * حول هذا الموضوع، استطلعنا آراء بعض المتبرجات والمحجبات وحتى الرجال، فكانت آراؤهم كالتالي: * * "ألبسه بالليل وأخلعه بالنهار" * هل تلبسين الحجاب في رمضان وتخلعينه بعد العيد؟ هذا هو السؤال الذي وجهناه ل "تهاني. س" أول فتاة قابلناها ونحن بصدد كتابة هذا الموضوع، فقالت: "ليس بالضبط، أنا لا أوافق الفتاة التي تلبس الحجاب في رمضان وتخلعه بعد العيد، لأن هذا من وجهة نظري يعد رياء، ولكن لا أجد ما يمنع من أن ألبس الحجاب لأداء صلاة التراويح لأنه لا يجوز لي الصلاة بدونه، وفي الصباح أذهب إلى مقر عملي بدون حجاب" وأنهت تهاني حديثها إلينا بقولها: "لا أريد أن أتظاهر أمام الناس بالتوبة". * * الإيمان في القلب * من جهتها، لا تر لبنى التي وجدناها بمركز للانترنت وهي تنهي عملية التسجيل الجامعي، في لبس الحجاب في رمضان أي داع، طالما أنها لا تتوفر على نية ارتدائه بشكل نهائي، واعتبرت أن هذا الأمر هو من قبيل النفاق والرياء ووزرهما أكبر بكثير من ترك الحجاب في رمضان أو غيره من الشهور. "كم من فتاة ترتدي الحجاب وهي تكذب وتغتاب وتوقع بين الناس؟" تساءلت لبنى، ثم أجابت على نفسها قائلة: "الإيمان في القلب، وأي مظهر خارجي أو تصرف لا يعبّر عن حقيقة أنفسنا، ما هو إلا رياء ونفاق". * * "المهم النية الحسنة" * أما سهام، فلا تجد مانعا في ارتداء الحجاب في رمضان وخلعه بعد العيد، بما أنها تفعل ذلك بنية حسنة، فهي من جهة تبرأ ذمتها من إفساد صوم الرجال، خاصة أنها موظفة بمركز للبريد يرتاده يوميا مئات الأشخاص، ناهيك عن زملائها في العمل الذين تبرموا من وجود موظفات داخل المركز يرتدين لباسا غير محتشم في رمضان، ومن جهة أخرى، لا تتصور محدثتنا رمضان بدون حجاب وصلاة، كيف لا وهو شهر التوبة والمغفرة. وتحتفظ سهام لنفسها بالسبب الذي يجعلها متبرجة، مع أنها تدرك جيدا أن الحجاب هو رحمة للمرأة المسلمة. * * خطوة مهمة * وترى سعاد وهي متجلببة، سألنها في الموضوع، أن ارتداء المتبرجات للحجاب في رمضان، حتى وإن خلعنه بعد العيد، هو خطوة مهمة تستحق التشجيع، لأن التي تقبل على هذا الأمر -تقول سعاد- من المؤكد أنها تحمل بذرة خير داخلها، فربما استشعرت هذه المتبرجة المعاني الروحية للحجاب خلال الشهر الذي ارتدته فيه، فما إن ينقضي رمضان حتى تقرر أن تلبسه نهائيا. * * إرضاء المجتمع * أما رحمة، وهي فتاة محجبة، تنظر إلى "الحجاب الرمضاني" من زاوية المجتمع، الذي لا يستسيغ رؤية فتاة متبرجة أو "ممكيجة" خلال شهر رمضان، وعليه، تقبل عليه بعض المتبرجات رغبة في إرضاء هذا المجتمع، "ثم من هذا الذي يرغب في إفساد صومه بملاحقة متبرجة بنظراته، خاصة أن معظم الشباب يتوبون في رمضان، فأي أهمية تبقى للتبرج إذن، وقد زال السبب الذي استدعاه". * * تحايل على المجتمع * ويشاطر رياض "رحمة" الرأي في جزئه الأول، إذ يعتبر أن حجاب المتبرجات في رمضان ما هو إلا محاولة للتحايل على المجتمع، الذي تعوّد أن يرى مظاهر التوبة في شهر الصيام، من لحية وصدقة والصلاة في المسجد، "وإلا لماذا تنزع الفتاة المتبرجة الحجاب بعد رمضان إذا لم يكن هذا هو غرضها؟" يتساءل رياض. * * لا مشكلة في ذلك * أما عادل، وهو طالب جامعي، فلا يرى أي مشكلة في ارتداء المرأة الحجاب في رمضان وخلعه بعد العيد، وهذا ما كانت تفعله أخواته الثلاث الموظفات بمؤسسة تربوية لسنتين متتاليتين في رمضان، أما هذا العام -يقول عادل- فقررن أن لا يخلعنه نهائيا حتى بعد انقضاء رمضان، لأنهن اقتنعن أن المرأة المسلمة لا يناسبها إلا الحجاب. * * توبة لا بد أن تدوم * ينظر الكثير من الدعاة إلى الحجاب الرمضاني على أنه توبة مؤقتة، مرتبطة بشهر التقوى الذي ما إن ينقضي حتى تحدث القطيعة مرة أخرى مع هذه التوبة، وهو أمر مرفوض شرعا وحتى اجتماعيا طالما أن المجتمع يرفض مظاهر التوبة الموسمية التي ترتبط بمناسبة معينة، وعليه ينصح الدعاة هؤلاء الفتيات بأن يجعلن من رمضان محطة لتوبة دائمة، حتى لا يعد هناك حجاب رمضاني وصلاة رمضانية ولحية رمضانية. * * * بين سلمان وأبي الدرداء * * كتب سَلْمان الفارسيّ إلى أبي الدّرداء: أما بعد فإنك لن تنال ما تُريد إلا بترْكِ ما تشتهي ولن تنال ما تأمُل إلا بالصَّبر على ما تَكْره. فَلْيكُن كلامُك ذِكْرًا وصَمْتك فِكْرا ونظرك عِبَرا فإنّ الدُّنيا تتقلب وبهجتها تتغيَّر فلا تغترّ بها وليكن بيتُك المسجدَ والسلام. فأجابه أبو الدَّرداء: سلامٌ عليك أما بعد فإنِّي أُوصيك بتَقْوَى اللّه وأن تأخذ من صِحَّتِك لِسَقَمِك ومن شبابك لهِرَمك ومن فراغك لِشُغلك ومن حياتك لموْتك ومن جَفائك لمودَّتك واذكر حياةً لا موتَ فيها في إحدى المنزلتين: إما في الجنة وإما في النار فإنك لا تَدْري إلى أيهما تَصير. * * السري السقطي * هو أبو الحسن سري بن المغلس السقطي خال الجنيد وأستاذه. وكان تلميذ معروف الكرخي، كان أوحد زمانه في الورع وأحوال السنة وعلوم التوحيد. قال عنه الجنيد: ما رأيت أعبدَ من السري: أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعًا إلا في علة الموت. ويحكى عن السريِّ أنه قال: منذ ثلاثين سنة أنا في الاستغفار من قولي: الحمد لله مرّة. قيل: وكيف ذلك فقال: وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل فقال لي: نجا حانوتك. فقلت: الحمد لله. فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت حيث أردت لنفسي خيرًا مما حصل للمسلمين!!. ويحكى عنه أيضا أنه قال: أنا أنظر في أنفي في اليوم كذا وكذا مرَّة مخافة أن يكون قد اسودَّ خوفاً من الله أن يسوِّد صورتي لِما أتعاطاه. ومن أقواله: أشتهي أن أموت ببلد غير بغداد فقيل له: ولم ذلك فقال: أخاف ألا يقبلني قبري فأفتضح. ومات رحمه الله سنة: سبع وخمسين ومائتين. * * قصة رجل يأتي المقابر * عن أنس بن منصور قال: كان رجل يختلف إلى الجنائز فيشهد الصلاة عليها، فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال: آنس الله وحشتكم، ورحم غربتكم، وتجاوز عن سيئاتكم، وقبل حسناتكم، ولا يزيد على هؤلاء الكلمات، قال ذلك الرجل: فأمسيت ذات ليلة، ولم آت المقابر فأدعو كما كنت أدعو، فبينا أنا نائم إذا أنا بخلق كثير قد جاؤوني فقلت: من أنتم؟ وما حاجتكم؟ قالوا: نحن أهل المقابر، إنك كنت عودتنا منك هدية. فقلت: وما هي؟ قالوا: الدعوات التي كنت تدعو بها. قلت: فإني أعود لذلك، فما تركتها بعد. * * * رابعة العدوية تأتيه في المنام * * قال بشار بن غالب: رأيت رابعة في منامي، وكنت كثير الدعاء لها، فقالت لي: يا بشار؛ هداياك تأتينا على أطباق من نور، مخمرة بمناديل الحرير. قلت: وكيف ذلك؟ قالت: هكذا دعاء الأحياء إذا دعوا للموتى واستجيب لهم، جعل ذلك الدعاء على أطباق النور، وخمر بمناديل الحرير، ثم أتي به إلى الذي دعي له من الموتى، فقيل له: هذه هدية فلان إليك. *