يجر شهر رمضان الكريم معه جملة من التغييرات في حياة الكثير من الناس، الذين يجدون في هذا الشهر المبارك فرصة لاكتساب عادات جديدة لاعتبارات تختلف من شخص لآخر. وتمس هذه التغيرات حسب الاستطلاع الذي قمنا به مناح عديدة منها اللباس والأكل وعادات النوم، إضافة إلى مشاهدة التلفزيون. ''أشياء كثيرة تتغير في يومياتي خلال رمضان، وأنا أتحدث إليك أكتشفها من جديد''، هكذا كان حديث هبة معنا ردا عن سؤالنا حول التغيرات الطارئة على حياتها في رمضان. وجاء هذا التعقيب، وهي تعد جملة التغيرات اليومية التي اعتبرتها مثيرة للإهتمام، من باب أنها لم تكن واعية جدا بها، وكأنها تحدث بصفة أوتوماتيكية. وأول مايمسه التغيير، لباسها الذي تقول أنه يصبح أقل جلبا للإنتباه ''في رمضان أفضل أن أرتدي أشياء بسيطة وأبتعد عن الفساتين والتنورات وكذا عن الألوان الجذابة، لاأحب أن أجلب الانتباه، لأنني أعتبر أن ذلك غير لائق في هذا الشهر، وطبعا أتخلى تماما عن الماكياج...فللشهر حرمته التي يجب أن نحترمها''. هبة التي تحب المطالعة كثيرا، لاتتخلى عن هوايتها في رمضان، لكنها تكيفها مع متطلبات الشهر الفضيل، وتوضح قائلة:''أحب كثيرا القراءة ولكن أجد أنه من غير اللائق مطالعة كتب فيها مواضيع لاتليق بقدسية رمضان وبواجبات الصيام، لذا أتجنب قراءة بعض الكتب أي أقوم بعملية تصفية حسب المواضيع المطروحة فيها...كما أن الشهر فرصة لي لممارسة العبادات بشكل أفضل لاسيما قراءة القران الكريم''. ولاتنسى الإشارة إلى بعض التغيرات في الأكل وفي قيامها بشغل البيت، لاسيما الطبخ الذي تقول أنها تمارسه ''كل سنة مرة''، لكن تفعل ذلك بكل سعادة. مثلها، أكدت الكثيرات ممن تحدثنا إليهن حول الموضوع أن أهم تغير في يوميات رمضان هو إعدادهن لوجبة الفطور على عكس العادة، إذ لايمثل المطبخ بالنسبة لهن في العادة أكثر من ''منطقة عبور''. وعكس ما كنا نعتقد، فإن أغلب من تحدثنا إليهن من الجنس اللطيف أشرن إلى عدم إحداث تغييرات في طريقة لباسهن، معتبرات أنه لاداع لذلك، ولايرين أن طريقة لباسهن لها أي تأثير على الصيام بحد ذاته، بالمقابل، أكدن تخليهن التام أو الجزئي عن الماكياج. وتبين هذه الآراء الاختلاف الحاصل في المجتمع بين جيل وآخر، وهو مالمحت إليه السيدة زبيدة حين استغربت من الهيئة التي تظهر بها بعض الفتيات في شهر الصيام، مشيرة إلى أن العادة جرت على أن تحدث تعديلات في لباسها ليتلاءم وخصوصيات رمضان، لكن الآن لم يعد الأمر يهم الكثيرات من الجيل الجديد اللواتي لايُعرن أدنى اهتمام لهذا الجان''. ليس هو حال منى التي وجدناها في إحدى قاعات الحلاقة، والتي أفصحت لنا بأنها تعمد إلى ارتداء وشاح على رأسها رغم أنها غير محجبة، معتبرة أنه من غير اللائق أن تبدو في رمضان بنفس المظهر، وهي بذلك تحاول أن تتقرب أكثر من المعاني السامية لرمضان، لاسيما وأنها تستغل الشهر كله للزيادة في العبادات كالصلاة وقراءة القرآن الكريم والكتب الدينية. هذا الجانب التعبدي نجده كثيرا عند الرجال الذين يفضل أغلبهم هذا الشهر لأداء مختلف الواجبات الدينية، من بين هؤلاء عبد القادر، وهو سائق طاكسي اعترف بأنه يغير الكثير من سلوكياته في رمضان، ضاربا المثال باستماعه حصريا لاذاعة القرآن الكريم أثناء أداء عمله، واكتفائه بالأخبار فقط في القنوات الأخرى. يقول ''أحاول في رمضان أن أطبق واجباتي الدينية أكثر وأرى أنه من اللائق أكثر أن أستمع إلى إذاعة القرآن الكريم بما تذيعه من برامج وأناشيد دينية وتلاوات من القرآن الكريم...كما أني أعترف بأن ذلك يساعدني أكثر على تحمل يوم عمل في رمضان حتى لا أقلق كثيرا، لاسيما مع حالة الطرقات التي أصبحت هاجسا بالنسبة لنا في الافطار، فمابالك برمضان''. وإذا كان عبد القادر يختار قناته الاذاعية، فإن يحيى يقول أنه يختار بعناية القنوات التلفزية التي يشاهدها في رمضان، وهو لذلك يلغي كل القنوات الأجنبية، لاسيما الفرنسية التي ينسى وجودها تماما في رمضان، فضلا عن القناة الوطنية التي يعود لمشاهدتها لاسيما بعد الافطار، فإنه، وعلى غير العادة، يشاهد بعض القنوات العربية، بل ويتابع بعض المسلسلات الاجتماعية والتاريخية التي لايتصور مشاهدتها خارج إطار رمضان. تغير آخر يعيشه محدّثنا في هذه الفترة يظهر في اهتمامه بالطبخ وبالوصفات، إذ يقول لنا ضاحكا ''نظل أنا وزملائي في العمل نتحدث طيلة الوقت عن الأكل وعن الوصفات المختلفة، ولاحظت أننا أكثر حديثا عن المطبخ من زميلاتنا في المؤسسة''. وتتجاوز اهتمامات يحيى بالمطبخ حدود العمل لتصل إلى البيت، حيث يجد نفسه داخل المطبخ دون وعي، ليلاقي معارضة من إخواته اللواتي يطلبن منه عدم ''التدخل فيما لايعنيه''. وتغير عادات النوم من أكثر الأشياء الملموسة في رمضان لدى الأغلبية، ويزداد الأمر في السنوات الأخيرة بسبب حلول رمضان في فصل الصيف.إذ يعد السهر سمة مشتركة لجميع من تحدثنا معهم في الموضوع، وهو مايقلب نظام النوم رأسا على عقب. ولايختلف في هذا الأمر العاملون عن غير العاملين، فالجميع في السهر سواسية، والبعض يجد في النوم بعد الفجر أفضل نظام متبع خلال رمضان، نظرا لقصر مدة الليل. وبالنسبة للويزة، فإن التغيير في رمضان يعني صعوبة التكيف مع تداعيات مرضها المزمن. فهي مصابة بالسكري ولاتؤدي فريضة الصيام ''للأسف'' كما تقول، وذلك منذ سنوات، ولأنها عاملة في مؤسسة وطنية، فإنها تجد صعوبة كبيرة في التكيف مع شهر الصيام، لأنها مضطرة لتناول وجبة خفيفة وقت الغداء، وهي طبعا لاتستطيع أن تفعل ذلك أمام الزملاء.لذا يعد حلول شهر الصيام مدعاة لانشغالها الكبير الذي يمتد كذلك إلى خوفها من هبوط مفاجئ في نسبة السكر، مما قد يضطرها إلى تناول شيء ما.