الوقائع الكاملة للفصل في قضية القذافي ضد "الشروق" بمحكمة حسين داي وسط حشد من المواطنين الذين تجمعوا داخل قاعة الجلسات وخارجها، وأمام مقر محكمة حسين داي لترقب حكم المحكمة ضد "الشروق اليومي"، وبحضور عدد هائل من المحامين، مثل أمس السيد علي فضيل، المدير العام مسؤول النشر لجريدة "الشروق اليومي"، والصحفية نائلة بن رحال، المتابعين قضائيا من طرف الرئيس الليبي معمر القذافي بتهمة القذف أمام محكمة حسين داي بالجزائر العاصمة، حيث استغرقت المحاكمة أكثر من خمس ساعات، بعد أن تم التعجيل بها وتأجيل كل القضايا التي كانت مجدولة قبلها، حيث كانت قضية "الشروق" مجدولة في المرتبة رقم 80، جميلة بلقاسم وأصبحت بعد إعادة جدولتها رقم 14، لأسباب مجهولة، لتمر ضمن القضايا الأولى، وقد طرح إشكال حول بعض الإجراءات في التكليف المباشر من طرف دفاع الجريدة المتكون من الأستاذ خالد برغل والأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم التي تطوعت ل"الدفاع عن جريدة جزائرية"، إضافة لسوء توجيه الدعوى وخرق المادة 45 من القانون 07 -90. وأكد دفاع الزعيم الليبي معمر القذافي المتشكل من المحامية الجزائرية "منى عميمور" إبنة وزير الإعلام الأسبق، والمحامي الجزائري كذلك علاق دحمان، بأن القذافي يطلب تعويضا قدره 50 مليون دينار من الجريدة (5 ملايير سنتيم)، ويتعهد بتوزيعه على الجمعيات الخيرية الجزائرية التي تتكفل بالفقراء واليتامى في الجزائر، وهو الأمر الذي أثار تحفظ كل المواطنين الذين حضروا الجلسة من منطلق أن التصدق على الشعب الجزائري بهذا الأسلوب يعتبر إهانة له، وهو ما تطرقت له المحامية بن براهم في مرافعتها، كما طالب القذافي أيضا أن تعتذر له جريدة "الشروق اليومي" في عشر جرائد وطنية، وهو ما ألح عليه دفاع القذافي الذي أكد على حق التأسيس كطرف مدني ضد "الشروق اليومي"، مستندا إلى أن عبارات القذف واضحة في المقالين المنشورين. وبناء على ذلك، التمست النيابة العامة تسليط أقصى عقوبة سجن على المدير العام مسؤول الجريدة والصحفية، مع تعليق الجريدة ثلاثة أشهر وفرض غرامة عليها قدرها 50 مليون دينار، بينما كان المواطنون الحاضرون في القاعة يرددون بين الحين والآخر عبارت تضامنية مثل "تحيا الجزائر"، "أرض المليون ونصف مليون شهيد"، خاصة وان المحاكمة تزامنت مع ذكرى أول نوفمبر. ورفض رئيس الجلسة طلبات الدفاع المتعلقة برفض القضية شكلا، لأنها تتضمن خروقا قانونية من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، كما رفض طلب تأجيلها، واقترح تدارك النقائص والثغرات القانونية بعد رفع الجلسة لمدة ساعة، ليركز في استجوابه للمتابعين على "موقفهما من التهم المنسوبة إليهما"، وهنا صرح السيد "علي فضيل" المدير العام مسؤول النشر أنه ما كان ليوافق على نشر الموضوع لو لمس فيه قذفا وإساءة لأبسط مواطن، لأن "الشروق اليومي" ملتزمة باحترام والحفاظ على ثقة قرائها، لكنه يرى "أن القضية وطنية وما كان يمكن التزام الصمت إزاء القضية"، بينما صرحت الصحفية "نائلة برحال" المتابعة في القضية أثناء الجلسة بأن تناولها لهذا الموضوع جاء من منطلق دفاعها عن قضية وطنية، وصرحت أنها ترددت كثيرا قبل تحرير المقالين المنشورين لتقدير خطورة الوقائع التي تمس بالوحدة الوطنية "لكني قررت ذلك من باب الواجب المهني وتنوير الرأي العام وما قمت به كان نقلا لحقائق وشهادات موثقة دون اللجوء للقذف أو التجريح حرصا مني على احترام أخلاقيات المهنة وكذا مصلحة الجزائر وما قمت به كان رفع الستار عن القضية التي سبق طرحها إعلاميا بقوة"، وأضافت "لست نادمة، بل أشعر بالفخر عندما أشار إلي القاضي بأخذ راحة لشعوري بالتعب والتوتر". من جهته، أكد المحامي خالد برغل في مرافعته عن مدير جريدة "الشروق اليومي" والصحفية بأن المقالين المنشورين حول قبائل التوراق في الصحراء الجزائرية والزعيم الليبي لا يتضمنان كلمة واحدة تحمل معنى القذف أو التجريح، لا صراحة ولا تلميحا، ولا توجد فيهما عبارة واحدة تمس بشرف القائد الليبي معمر القذافي أو تسيء له، أو لشعبه، وعليه قال المحامي بأن أركان القذف غير متوفرة، لأن الصحفية تنقلت إلى عين المكان وعاينت الأحداث بنفسها ومن مصدرها واستجوبت المواطنين الأصليين للمنطقة ونقلت تصريحاتهم، وهنا ركز المحامي على أن سكان المنطقة أدرى بشعابها، ولو كانت تصريحاتهم التي نقلتها الصحفية عنهم غير مؤسسة لكانواعلى الأقل كذبوها بأنفسهم، أو لجأوا للعدالة، مضيفا "المقال لم يأت من فراغ ولكن استنادا لوثائق مؤكدة"، وفي هذا الصدد استشهد المحامي خالد برغل بأحد المواقع الإلكترونية التي يطلعنا فيها معمر القذافي في الأنترنت على "ميثاق الرابطة الوطنية والإجتماعية لقبائل الصحراء"، ويتحدث فيه عن مشروعه المتعلق بتوحيد نشاط قبائل الصحراء، وهو مشروع لا يخفيه القائد معمر القذافي، بل جهر به في العديد من المناسبات، ومازال يجهر به وكل السلطات العسكرية والسياسية والمدنية للبلدين على علم بهذا المشروع، حسب ما أوضحه دفاع الجريدة الذي حرص على التوضيح بأن "إثارة هذه القضية من طرف جريدة "الشروق اليومي" لن يمس بالأمن بين البلدين، بل ربما هو الذي سيعيد الأمور السياسية والديبلوماسية بين البلدين إلى مجراها، وسينبه أصحاب القرار لهذا المشكل، لأنه أمر مصيري ولا يجب السكوت عنه"، وخلاصة القول حسبه هو أن "الصحفية دافعت عن وحدة بلدها وذلك من حقها كمواطنة جزائرية قبل أن يكون من واجبها كصحفية". وأكد الدفاع بأن "الشروق اليومي" ليست هي التي جاءت بهذا المشروع، بل هو مشروع القذافي نفسه، والكل يعلم ذلك وحتى القذافي نفسه لا ينكر هذا، ويستند المحامي في كلامه إلى أحد الخطابات المشهورة للزعيم معمر القذافي، وهو خطاب ألقاه في ذكرى المولد النبوي الشريف قال فيه "نحن سكان الصحراء... سنتحول إلى قوة رهيبة نشعل بها الصحراء كلها، نحن سكان الصحراء... عشنا أحرارا ونريد أن نكون أحرارا... سوف ننجد بعضنا البعض وندافع عن بعضنا البعض"، ومن ثم فإن ما سردته الجريدة كما قال ما هو إلا تقص للحقائق واستجوابات لأشخاص من المنطقة، وتساءل محامي" الشروق" في هذا الصدد لماذا لم يلجأ القائد الليبي إلى تكذيب ما نشرته الجريدة من خلال عقد ندوة صحفية أو عن طريق إحدى الجرائد الليبية الناطقة باسم النظام الليبي؟ لماذا اختار الذهاب إلى العدالة؟ "هذا شرف للقضاء الجزائري، إنه أول رئيس دولة عربية يرفع قضية لدى العدالة الجزائرية، وهذا يعتبر سابقة، وشرف كبير للجزائر وللعدالة الجزائرية، وهو ربما يريد أن يمرر رسالة ما من خلال لجوئه للعدالة الجزائرية" قال المحامي برغل، قبل أن يضيف "لا توجد أي قرينة أو دليل قاطع بأن الصحفية كانت لها نية أو قصد قذف الرئيس الزعيم الليبي المحترم أو الإساءة إليه، بل على العكس الشروق اليومي كانت رائدة في تناول هذا الموضوع دون سوء نية"، واعتبر الدفاع أن التماس النيابة العامة المتعلق بتسليط عقوبة أقصاها 5 سنوات سجن على الصحفية ومدير الجريدة، مع توقيف الجريدة ثلاثة أشهر وفرض غرامة عليها قدرها 5 ملايير سنتيم قاس جدا، لأن الجريدة أثارت مشكلا حقيقيا يعترف به الزعيم الليبي وكل السلطات السياسية والعسكرية والمدنية للبلدين، خاصة إذا علمنا أن القذافي يعتبر الأب الروحي بالنسبة للعرب، وهو معروف بمواقفه في المحافل الدولية، ولابد أن نعرف كيف نتعامل مع مواقفه هذه مثلما تعرف كل الدول كيف تتعامل مع مواقفه. أما الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم التي تطوعت للدفاع عن جريدة وطنية، فقد تساءلت في مرافعتها عن سبب عدم تحرك الدولة الجزائرية في هذه القضية إذا كان يتعلق بأمنها، بالرغم من أنها أولى بهذه القضية من الدولة الليبية على خلفية أن مشكلا كهذا يمس بأمن ووحدة الشعب الجزائري واستقرار الدولة الجزائرية بالدرجة الأولى قبل أن يمس بليبيا، ومن هذا المنطلق يطرح السؤال لماذا لم تتحرك الدولة الجزائرية ضد الشروق في حين تحرك القذافي. كما استندت فاطمة الزهراء بن براهم إلى حق الصحفية ككل الصحفيين في التعليق على الوقائع التي تنشرها من منطلق التحليل، إذ لا يجوز نشر الوقائع جافة دون معالجة موضوعية من شأنها تنوير الرأي العام. وقد خرجت الصحفية ومسؤول النشر من بوابة المحكمة تحت تصفيقات تضامنية للمواطنين المتجمعين حول المحكمة.