إلى أين؟ إلى أي مستوى ستصل الواردات الجزائرية؟ هل يوجد في البلاد من سيفكر يوما في التحكم في هذا الملف؟ يفرض هذا السؤال نفسه بعد نشر آخر الإحصائيات عن الواردات الجزائرية، حيث تشير الأرقام المتعلقة بالثمانية أشهر الأولى من السنة الحالية إلى أن الواردات الجزائرية من السلع ستتجاوز السقف الرمزي المتمثل في خمسين مليار دولار. ويشكل هذا الرقم خطوة جديدة تؤكد أنه أصبح من المستحيل التحكم في الارتفاع المتواصل للواردات. * وتشير إحصائيات الجمارك الجزائرية إلى أن الواردات تجاوزت 31 مليار دولار خلال ثمانية أشهر، أي أنها تقترب من معدل أربعة ملايير دولار شهريا. ومن المنتظر أن يرتفع هذا المعدل خلال الأربعة أشهر الأخيرة من هذه السنة، مما سيبعث رقم الواردات إلى مستوى قياسي لم تعرفه الجزائر في تاريخها. * ونذكر أن الواردات تجاوزت قليلا 50 مليار دولار السنة الماضية لأول مرة في تاريخ البلاد، لكن الأمر كان يتعلق بالسلع والخدمات. أما هذه السنة، فإن السلع وحدها حققت هذا المبلغ. ويقول خبير اقتصادي إن المجموع سيتجاوز هذه السنة من 60 مليار دولار، لما تضاف كل الخدمات، خاصة منها أرباح الشركات الأجنبية العاملة بالجزائر، وعلى رأسها الشركات البترولية. * أما الصادرات، المتشكلة من المحروقات بنسبة 97 بالمائة، فإنها وفرت 47 مليار دولار منذ بداية السنة، أي بمعدل ستة ملايير شهريا. ورغم المستوى المقبول لأسعار المحروقات، فإن فائض البلاد من العملة الصعبة لن يتجاوز عشرة ملايير دولار إلا بقليل هذه السنة، نظرا للمستوى العالي للواردات. * وتؤكد هذه الأرقام أن الاقتصاد الجزائري غرق في دائرة أصبح عاجزا عن الخروج منها. وتتميز هذه الدائرة بالارتفاع المتواصل للصادرات بحوالي عشرة ملايير دولار سنويا، دون أن تتمكن الحكومة من تغيير المعطيات التي من الممكن أن تغير هذه النزعة. ومع ارتفاع الواردات، لا تحصل البلاد إلا على فائض قليل من العملة الصعبة رغم السعر المعقول للمحروقات. أما مخزون البلاد من العملة الصعبة، فإنه لا يرتفع إلى بوتيرة ضعيفة سنويا. * ويبقى الاقتصاد كله مرتبطا بعوامل لا تتحكم فيها الجزائر، سواء تعلق الأمر بسعر المحروقات أو بقيمة الواردات. ولما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، ارتفعت معها فاتورة الواردات دون أن تستطيع الحكومة أن تؤثر على أي شيء. وحاولت الحكومة أن تؤثر على واردات البلاد من السيارات، ففرضت ضريبة جديدة ومنعت القروض الموجهة لهذا الغرض، لكن المحاولة بقيت دون جدوى، ولن تؤثر إطلاقا. * إضافة إلى ذلك، فقد عرفت فاتورة الواردات من المواد الغذائية ارتفاعا غير مسبوق حيث كادت أن تتضاعف من سنة إلى أخرى. أما فاتورة السكر ومشتقاته، فقد ارتفعت أربع مرات، مما يثير فرحة بعض المستوردين... وتؤكد هذه الظاهرة أن كلام الحكومة عن تحسن الوضع في الميدان الغذائي لا يشكل إلا نسيجا من الخرافات، خاصة أن توزيع الأموال على فئات اجتماعية كثيرة أدى إلى ارتفاع ملحوظ في الاستهلاك. * ورغم ارتفاع الواردات، فإنها لا تؤثر على الإنتاج الوطني بصفة ملحوظة. وحاولت الحكومة أن تشجع الاستثمار في قطاع الإنتاج، فأدخلت تسهيلات كثيرة، لكن هذه الإجراءات لم تفلح لأن الحكومة أعطت في نفس الوقت تسهيلات أكبر للاستيراد. ولا يوجد أي مؤشر يوحي أن الوضع سيتغير في ميدان ما. * لكن يجب أن نقنع بالقليل، لأن الجزائر لا تستطيع أن تكسب كل شيء. وعليها أن تختار: إما أن تكسب أناسا مثل عبد الحميد تمار، وإما أن تكسب مصانع للسيارات، لكن لا يمكنها أن تكسب الاثنين. ولحد الساعة، يبدو أن الجزائر اختارت السيد تمار وأمثاله..