عبد العالي رزاقي ما يجري في أماكن العبادة من مظاهر خلال أوقات الصلاة أو أيام الجمعة، يكشف عن تصورات ومفاهيم لأشخاص موسومين ب «أئمة» أو «خطباء» يريد «الاجتهاد» خارج المؤسسات الدينية الرسمية ودخول جماعة ما يسمى ب «السلفية العلمية» بدأ يثير «الفتنة» بين المصلين خاصة، وأن البعض ممن يحسبون على السلفية راحوا يفتون لمن أسلموا من الأجانب، ممن لا يعرفون اللغة العربية بقبول «الصلاة بالوكالة»، وهو ما أكّده لي الشيخ شمس الدين. وترى أوساط دينية أن الدعاة الذين يقفون وراء هذه الفتنة ينتمون إلى «التيار الديني الوهابي» الذي يحاول تسييس الدين، والتغلغل داخل المنظومات الدينية الإسلامية في الوطن العربي والعالم الإسلامي. إذا كان الشيعة وظّفوا «ولاية الفقيه» لأغراض سياسوية، فإن بعض الجماعات الإسلامية تريد هي الأخرى توظيف «الحاكمية لله» لدعم هذا الحاكم أو ذاك، مثلما استخدم بعض الحكام العرب شعار «الحكم الراشد» لإعطائه بعدا دينيا. الحديث باسم «الرب» وإذا كان رجال الكنيسة، في فترة معينة، سمحوا لأنفسهم ب «الحديث باسم الرب» ومنحوا «صكوك الغفران» مقابل «الولاء لهم»، فإن «أئمة وفقهاء» من المذاهب الأربعة، لدى المليار ونصف المليار مسلم، سمحوا لأنفسهم بإصدار فتاوى خلال حروب الخليج وخلال الحرب الصليبية البوشية على الإسلام، لصالح هذه السلطة أو تلك، بل هناك من راح يبرّر الأعمال الإجرامية التي ارتكبت في الجزائر، مصر، السعودية، الأردن والمغرب. وقد أنجزت السينما الأمريكية والأوروبية أفلاما للإساءة إلى الإسلام والمسلمين، أو المجتمع العربي الإسلامي، وآخرها «فيلم بركات» لجميلة صحراوي، كما أنجزت بعض الأقطار العربية مسلسلات «دينية» تحت عناوين مثيرة للجدل مثل «دعاة على أبواب جهنم». وكأن من يقف وراء هذه الأعمال مجرد تاجر لبيع تذاكر الدخول إلى «الجنة أو النار»، ومن تتبع الانتقادات التي وجّهت للمسلسلات التاريخية، ممن يريدون الانتماء «لأسرة الحكام» يتبيّن له مدى المغالطات التي يراد الترويج لها باسم الدين. فهل الجهل بالدين هو الذي جعل الكثير ممن يتربّع على »عروش السلطة» يوظّف رجاله لاستمرار حكمه أم أن رجالا في الدين يمارسون «الإجتهاد» للوصول إلى السلطة؟ مازلت أذكر أن الجنرال المتقاعد خالد نزار حين أراد محاربة «التيار الإسلامي» مطلع التسعينيات، إنتقل إلى السعودية لاستيراد «أئمة»، وأذكر أن المرحوم الوزير الأول عبد الغني وجّه تعليمة إلى الولاة بفتح «الحانات» في أعالي الجبال، حتى يربط المدينة بالريف على حساب الدين الإسلامي الحنيف. ولأن هناك تسييسا للدين، فالكثير من المسلمين عندنا لا يفرّقون بين الصلاة كفرض عين أو كفاية، ولهذا تجد أن الكثير لا يشيّع موتاه من المسجد الذي يصلى فيه على الميت، وإنما يتوجّه إلى المقبرة، وحين تقام الصلاة على الميت في المقبرة تحدث «فجوة» ما بين المصلين وغير المصلين، ولو أدرك المشيّعون ل «أهاليهم» أن صلاة الجنازة فرض كفاية، لأنها من الصلوات التي لا يؤذن لها، لربما تغيّرت الكثير من المفاهيم. إن الصلاة التي توجب مشاركة المصلّي فيها تختلف من دين لآخر، بل إنها تختلف داخل الدين الواحد، ليس في مضمونها، وإنما في طريقة أدائها وتوقيتها، باختلاف المذاهب والطوائف الدينية. ففي المسيحية يقوم الأب بالصلاة بينما يكتفي المصلّون بالحضور، لكن الصلاة في الإسلام تلزم كل فرد على أ دائها بفرده، سواء أكان الإمام حاضرا أو غائبا، سواء تعلّق الأمر بالشيعة أو السنة. الخطاب السياسي والخطاب الديني! وإذا كانت سلطة الإمام لدى أهل السنة أو فقهائها أو علمائها مستمدّة من «المنصب» أو "الراتب الشهري" الذي تدفعه مؤسسات الدولة، وأحيانا للتبرعات التي يجمعها المسلمون ل «إمامهم» أو «خطيبهم»، فإنها لدى الشيعة مستمدّة من «المرجعية الدينية». ولعل هذا ما جعل أمريكا، قبل احتلالها للعراق، تقنع السيستاني بإصدار فتوى تسمح بدخولها، وهو ما اعترفت به كونداليزا رايس، وكل رئيس حكومة عراقية مجبر على أخذ موافقة المرجعية الشيعية لترشّحه لرئاسة الحكومة أو استقالته منها. والسلطة لدى المرجعيات الشيعية مستمدة من سلطة التصرف في المال، إلى جانب المرتبة العلمية والفقهية التي أخذها من مرجعيات «قُمْ» بطهران أو مرجعيات النجف بالعراق. وأول من أدخل «الحجاب» إلى الجامعة الجزائرية بقسنطينة هم جماعة الشيخ عبد الله جاب الله، وأول من حارب مساجد الدولة هم «جماعة عباسي مدني» حيث روّجوا لمقولة «الصلاة المستحبة تكون في المساجد الخاصة»، وهو ما دفع بالتيار الشيوعي إلى التمسّك بالصلاة في المساجد العامة، كرد فعل على «التيار الإسلامي الجديد». ما يثير الاستغراب، في الظواهر الجديدة، في المساجد و»المصلّيات» هو التلاعب بالوقت، ولا أدري إذا كان هولاء المتلاعبون ب (الوقت) هم من المذهب العلوي، وهي فئة تزعم أنه لا يوجد وقت للصلاة، وأنه لا يمكن تحديد مكان معين للصلاة، إذ بإمكان المسلم أداء الصلاة في أي وقت يشاء وفي أي مكان يشاء، سواء كان راكبا أو ماشيا أو جالسا أو واقفا. وإذا تأملنا الخطاب الديني في الإسلام، نجد أنه كان في عهد الرسول محمد (صلعم) موعظة، ولم يكن للمساجد أوقات تفتح فيها أبوابها أو تغلق فيها أبوابها، بل كانت فضاء مفتوحا على مدار اليوم، وقد تنبّه الرسول (ص) إلى خطورة استغلال المساجد لأغراض أخرى، فقام بهدم مسجد »ضرار»، لأن اليهود وظّفوه ل «الفتنة». والمسجد، في الجزائر، منبر سياسي، بالرغم من أنه لم يقم بهذا الدور السياسي خلال الحقبة الاستعمارية (1830 - 1962). وعلاقة السياسة بالمسجد تعود إلى العهد الأموي، حيث انتشرت «الدعوة والدعاء» للخليفة معاوية، فالمصلون يدعون له بالخلود، والخطيب يشتم أعداءه، ولأن أعداءه من أهل البيت فكانت المساجد تستخدم اسم «أبو تراب» لشتم أتباع علي بن أبي طالب. وأصل القصة أن الرسول مرّ بعلي بن أبي طالب وهو نائم تحت شجرة، ووجهه مغفّر بالتراب فقال له: «إنهض يا أبا تراب». فحول هذه العبارة «رجال أمية» إلى شتيمة لجماعة، علي ابن أبي طالب. والسرقة في المساجد لم تدخل إلى الجزائر إلا في عهد التعددية، بدأت بسرقة الأحذية وانتهت بالسجاد والثرية. ومن المفارقات العجيبة أن المصلي الجزائري يضع حذاءه أمامه أو بجانبه، في كيس بلاستيكي خوفا من سرقته. وإذا كان السارق تجرّأ على السرقة في بيت الله، لأنه تعوّد على ذلك، فهل يعقل أن يفكر المصلي في أن يسرق داخل بيت الله؟ وما الفرق بين تفكير السارق والمسروق؟ تحضرني قصة سرقة حذاء بمسجد المدية، حيث كنا على مائدة الغذاء ببيت الشاعر على بن حجر (أحد أمراء المنطقة)، وحين سمعنا الأذان قام أحد الصحفيين بدعوتنا إلى الصلاة معه في المسجد، فذهب الجميع وبقيت وحدي، وحين عادوا طلب مني الصحفي أن أنقله بسيارتي إلى بائع أحذية، لشراء حذاء فاستغربت كيف لا يسرق حذاء الأمير علي بن حجر، ويسرق حذاء صحفي، فرد على على: «لن يجدوا من يلبسه لأنه يتجاوز ال 44». وإذا كان المسيحيون في الجزائر حاولوا ربط «المسجد بالكنيسة» في كتاباتهم، فإن بعض الصحف الجزائرية حاولت «ربط الحذاء العسكري بالمآذن والمساجد»، فقد قامت إحدى الصحف بلعبة «تكبير المئذنة أو تصغيرها» مقابل حذاء عسكري، بحيث كانت تأخذ لقطة لحذاء عسكري بتكبير لقطته إذا «انتصر على الإسلاميين» أو تصغير اللقطة إذا ما وقعت مجازر أو اغتيالات. فالجهة التي تنتصر كما ترى الجريدة، هي التي تكبّر رموزها، وهي إساءة للمؤسسة العسكرية وللمؤسسة الدينية. غرائب وعجائب مساجد الجزائر؟ من المفارقات العجيبة أن الرواتب الهزيلة لعمال المنظومة التربوية، والإشراف لوزارة الشؤون الدينية على الكنائس تثير الكثير من التساؤلات، أولها أن الوزارة ليست لها سلطة على الشؤون الدينية المسيحية، وثانيها أنها لم تحسّن أجور موظفيها مما جعل الكثير منهم يدعّم راتبه ب «قراءة الفاتحة» في الخطبة أو الزواج. ربما يأتي يوم ويكتب الشاعر أحمد فؤاد نجم بأن زواجه بالممثلة صونيا كان بقراءة الفاتحة، وأن الإمام الذي قرأ الفاتحة حين رأى نوعية جمهور الحاضرين من الكتاب والشخصيات الوطنية، طلب مضاعفة ما اتفقت معه وهو (500 دينار). ومن القصص الأكثر غرابة أن المرحوم مولود قاسم استدعى أحد الأئمة وسأله عن سبب إقبال الشبان على مساجد لتيار إسلامي معاد للسلطة، فقال له: »ضعوا امرأة في مكان ستتغير الكفة». وحين توفي أحد «شيوخ الشيوعية» رفض أحد شيوخ المساجد إقامة الصلاة عليه، في المسجد الذي يؤمّ المسلمين فيه. أما الغرائب الراهنة فقد حدثت في أحد مساجد سكيكدة، حيث قام إمام بفصل المصلين عن بعضهم «عبر سلسلة» تذكرنا بالعهود الوسطى في الغرب. لا أحد يبرّر منطق وزارة الشؤون الدينية بغلق المساجد ما بين الصلوات الخمس. ولا أحد يبرّر عدم اكتمال المساجد التي بنيت منذ أكثر من 20 سنة خلت، ولا أحد يبرّر استمرار إقامة المساجد وسط العمارات الضخمة أو المكتظة بالسكان ووضع مكبرات الصوت فيها. إن الكثير من المساجد تفتقد إلى النظافة والمرافق العمومية، وحتى إلى المياه الصالحة للوضوء، ولهذا فإن «الوضع القائم» و»المزري» لبعض أماكن العبادة سمح لمن يصطاد في الماء العكر باستخدام «العاطفة الدينية». ولا أستطيع أن أستوعب فتوى ل «الصلاة بالوكالة» لمن أسلم حديثا، وليس هناك «حملة تنظيف بالوكالة»، لأماكن العبادة ومحيطاتها، ولا أفهم كيف يسرق المسلم في مسجد أو تحوّل أرصفة المساجد إلى «تجارة رابحة»، ولا ينصح الأئمة الناس باحترام الطرقات والأماكن العمومية.