سيدات غير ملزمات بواجب التحفظ يبوح أغلب المسؤولين والموظفين على اختلاف درجاتهم بأسرار العمل لزوجاتهم وينقلون لهن كل صغيرة وكبيرة عن ما يحدث داخل المكاتب وإدارة المؤسسات وقاعات الاجتماعات، ويطلعونهن على بعض المعلومات السرية، مع التأكيد عليهن بأن لا يتحدثن مع أي شخص في الموضوع، نظرا للطابع السري لهذه المعلومات أو مدى حساسيتها أو خطورتها، وأصبحت زوجات الموظفين والمسؤولين علبا سوداء لأسرار الشغل من أبسط دائرة في الدولة إلى غاية مكاتب الوزراء والحكومة والرئاسة وكل الأجهزة الحساسة. فزوجات المستشارين والمديرين والموظفين في دواوين الوزراء ومختلف المديريات سباقات لمعرفة الكثير من المعلومات البسيطة وحتى السرية، في حين يلجأ المسؤول للحديث والفضفضة بأسرار الشغل ل "خليلته" بدل زوجته خاصة إذا كان يقطن في سكنات وظيفية حيث تلتقي زوجات الموظفين ببعضهن البعض وتتشكل قناة واسعة لنقل المعلومات وكواليس المكاتب والادارات. * فالبوح بأسرار العمل للزوجة ليس جريمة أو خيانة أخلاقية حسب البعض، بل يراها علماء النفس في الجزائر أنها نتيجة حتمية لأي شخص أو موظف أو مسؤول يتولى مهاما حساسة في الدولة، ويتعرض نتيجة منصبه إلى ضغوطات في العمل، التعب أو الإرهاق فيكون الحديث عن تفاصيل العمل أو أسرار المهنة ومشاكل زملائه للزوجة بدافع التخفيف من الضغوط في ظل غياب ثقافة الاتصال والحوار داخل مؤسسات الدولة مثلا. وتخضع زوجات الموظفين في الأسلاك الحساسة إلى تحقيقات أمنية قبل الزواج، وتشمل التحقيقات كل الجوانب الأسرية ومحيطهن الاجتماعي، ويوقعن ما يشبه الاعتراف ب "الحفاظ على أسرار مهنة الزوج" مما يؤكد أن الزوجة ستكون في موقع يمكنها من الاطلاع على كل صغيرة أو كبيرة سواء بعلم الزوج أو من دون علمه، كالفضول الذي يدفعها للتفتيش في أغراضه، كالمحفظة والحاسوب إذا كانت تعرف مفتاحه السري خاصة أن أغلب الموظفين والمسؤولين في الدولة يحملون معهم ملفات العمل إلى البيت لإتمام بعض المهام. فحسب الدكتور خالد كداد، وهو مختص في علم النفس، يرى من الوارد جدا أن يبوح كل المسؤولين في الجزائر بأسرار وتفاصيل العمل لزوجاتهم، خاصة الأشخاص الذين يشغلون مناصب حساسة، ففي ظل غياب ثقافة الاتصال والحوار داخل المؤسسة لحل المشاكل بين الزملاء مثلا ومنطق "هذا يعس هذا" يجعل من كل مسؤول لا يقدم المعلومات إلى القنوات الرسمية أو تقديم تقارير للجهات المعنية بسبب الخوف من العقاب أو الانتقام أو التحويلات العشوائية يدفعه للجوء إلى القنوات غير الرسمية، وهي العائلة ومحيط الأصدقاء، لتخفيف التوتر الذي يمارسه عليه الضمير بسبب المعلومات الخطيرة التي يحملها ويعرفها، إما على مصير الأشخاص أو توازن المؤسسات، وأن الأنا الأعلى في الجهاز النفسي هو الذي يدفعه للبوح بالأسرار أو ما يعتبر "تقديم شهادات" يريح بها نفسه. تقول إحدى السيدات تعمل في قطاع الإعلام، إن زوجها وهو مسؤول بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ينقل لها كل صغيرة وكبيرة عن الاجتماعات والشجارات والتصفيات والمهمات والتحويلات وحتى الأمور الشخصية المتعلقة ببعض الأسماء والمسؤولين المعروفين، أما زوجة إطار في وزارة المالية فتقول إنها على علم بكل القرارات بما فيها الزيادات في الأجور، وتحدثنا إلى زوجة إطار في الجمارك فأكدت لنا أيضا أن زوجها يطلعها عن كل الأخبار، كتوقيف بعض المسؤولين، أو تحويلهم بسبب قضايا فساد، وتقول أيضا إن زوجها ينقل معه الكثير من الوثائق وبإمكانها الاطلاع على كل القرارات وتكاليف المهمات. سيدة أخرى متزوجة من مدير مالية سابق بمؤسسة لإنتاج المواد القطنية مطلعة على كل المعلومات بما فيها فضائح الفساد والتحقيقات الإدارية وفصل بعض المسؤولين، لأن زوجها يضعها في الصورة، وتقول إنه يخبرها بالكثير من الأسرار بدافع القلق والتوتر ومحاولة لتبرئة ذمته، ويشدد حرصه على أن لا تبوح بهذه المعلومات لأي شخص. وهناك بعض المسؤولين والإطارات بالمناصب والوظائف الحساسة لا يأتمنون زوجاتهم على المعلومات أو الأخبار ويخشون تسربها لبعض الجهات لتشكل خطرا على الاستقرار والأمن، ويقول بعض خبراء الطب النفسي إن هؤلاء الكتومين من المسؤولين ولشدة تعرضهم لضغط العمل يصابون بأعراض نفسية كالتفكير بصوت مرتفع، تكليم الذات والكوابيس والتمتمة في الأحلام. ويبقى الأخطر في الموضع أن بعض زوجات الموظفين والمسؤولين يبوحن بأسرار عمل أزواجهن في قاعات الحلاقة والنوادي الرياضية وبين بعضهن البعض بدافع التباهي أو الثرثرة، وهو ما لا يحسب حسابه الأزواج، وتنتج عن هذه التسريبات مشاكل وتعقيدات في العمل، وحساسيات وعصب ونزاعات وخصومات تؤدي الى تصفيات مهنية أو تحويلات قسرية أو عقوبات لا يمكن تصورها .