لكل إنسان ماض، فقبل الوصول الى مرحلة النضج لابد من المرور بجملة من التجارب لاسيما في فترة المراهقة التي تعد المغامرات العاطفية أهم عنوان لها، ويقودنا هذا الموضوع للحديث عن مدى الإيمان بالخصوصية بين الأزواج، فالأكيد أن لدى الرجل - مثل المرأة- ما يفضل أن يخفيه من أسرار قد تعبّر عنها أشياء مادية مثل الهدايا والرسائل، كما قد تكون عبارة عن ذكريات يحتفظ بها في مخيلته، فهل يتغاضى أزواج اليوم عن هذا الجانب أم أن غريزة التنقيب تحول دون ذلك؟ المساء تستقصي· البداية كانت بطرح السؤال على الأزواج، فهل يهتم الرجل بنبش ماضي الزوجة لمعرفة أدق تفاصيله؟ يقول السيد بوزيد شهرة أنور السادات، الأستاذ بجامعة الجزائر: "عندما قررت بناء حياة زوجية لم أسأل الناس لأن كلامهم لا يعكس بالضرورة الحقيقة، يكفيني أني سألت الخالق بالإستخارة، فقد تجنبت البحث عن ماضي شريكة حياتي عملا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسُؤكم) والمبدأ لديّ يقول لابد أن يبدأ المرء بمحاسبة نفسه من منطلق أن كل بني آدم خطاء، فأنا باختصار أرفض سياسة الكيل بمكيالين التي تدين المرأة دون الرجل، وأتساءل لماذا لا نحاسب الرجل في حين نحاسب المرأة التي غالبا ما يكون الرجل سببا في انحرافها؟!"
أما السيد (ق·ك)، الصحفي، فيرى أنه ليس هناك شخص ذكر أو أنثى معصوم من الخطأ أو له ماض صاف صفاء الملائكة المعصومين، لكن قد يتحمل المرء جزءا من مسؤولية كشف هذا الماضي خلال الإرتباط الأولي الذي يدلي بموجبه كل طرف بحقائق عن جزء من الماضي، ويخفي جزءا آخر، لذلك فإن الرجل الذي تعترف له الزوجة بأنها فعلت كذا وكذا يفترض أن يأخذ موقفا مسبقا من ذلك قبل عقد القران كأن ينصرف عن الزواج بها، أما أن يقوم بعض الرجال من منطلق الفضول أو غير ذلك بنبش قبور ماضي الزوجة فهذا غير منطقي لاسيما وأن ديننا الحنيف يحثّ على عدم العودة الى أغوار قد تجلب الفرقة وتخرب عش الزوجية· وبالمقابل، يحث الدين الإسلامي على ستر عورات الناس، وفي ذلك أجر عظيم· ولنتصور رجلا ستر امرأة وأخرجها من دهاليز الملاهي الليلية، هل يقوم بنبش ماضيها؟ فالقضية تتعلق بطبيعة الفلسفة التي يتبنّاها الرجل"· ويؤكد السيد ابن علي، الموظف في مؤسسة عمومية، أنه في ماعدا الإستفسار عن العائلة وبعض الجزئيات، فإنه لا يهمه معرفة ماضي الزوجة، ذلك أن اختيار شريكة الحياة تفرضه مقاييس متفق عليها كالأخلاق، المستوى الثقافي ودرجة الإنسجام في الأفكار، ويعتقد أن النبش في ا لماضي مثل البحث عما إذا كانت رفيقة الدرب قد أقامت علاقات عاطفية في الماضي، أمر لاطائل منه بل ويعبّد الطريق للشك الهدام·
ويشير السيد فاروق، مهندس دولة، إلى أنه ليس من المهم أن يسرد أي طرف للآخر وقائع تجاربه العاطفية الماضية طالما أن الأساس من العلاقة الزوجية هو بناء مستقبل ثنائي ليست له علاقة بما جرى في السابق، فكشف أسرار الماضي قد لا يسفر عادة سوى عن تخريب عش الزوجية، لاسيما إذا كانت الزوجة هي التي باحت بأسرارها، فهي غالبا لا تلوم الرجل على ماضيه عكس الرجل الذي لا يتقبل وجود مغامرات عاطفية في حياة المرأة بحكم التنشئة الاجتماعية، لذا يكون من المستحسن أن يطوي كلا الطرفين ملف الماضي منذ لحظة تفكيرهما بالإرتباط الذي يقتضي التركيز على المستقبل·
وإذا كانت هذه وجهات نظر الرجال، فإن للنساء آراؤهن الخاصة·
"ريحان·أ"، شابة موظفة: "على الرجل أن يفرق بين تجارب ومشاعر الماضي وبين الواقع الذي يعيشه حاليا مع زوجته والذي يعد صفحة جديدة في الحياة، لكن وبما أن الذهنية السائدة في المجتمع توصم المرأة بالعار دائما دون الرجل، أفضل أن تبقى حياتي الماضية كتابا مغلقا، وفي نفس الوقت لا أميل الى البحث عن تفاصيل ماضي الزوج احتراما لمبدأ الخصوصية وتجنبا لزوبعة الشكوك"·
السيدة (س·م)، أم لثلاثة أبناء: "الحقيقة أنه عادة ما يكون لكلا الطرفين تجارب عاطفية مرّا بها قبل الزواج، لذا يتعين عى الزوج أن لا يفتح ملف ماضي المرأة وعلى هذه الأخيرة أن لا تفضح أسرار حياتها الماضية وأن لا تحتفظ بصندوق الذكريات، بل ينبغي أن تلقيه في البحر مع مراعاة تقديم نصيحتها للأبناء بخصوص ستر الماضي، لأن ذلك لن يسفر سوى عن شكوك تحوم حول رأس الزوج وتوتّر العلاقة بين الطرفين، حيث أن ذلك يدفع بالرجل الى تفسير كل تغيير نفسي يطرأ على المرأة بأنه حنين الى الماضي، وبالتالي خيانة فكرية فالرجل بطبيعته يغار أكثر من المرأة وردود أفعاله سريعة جدا في مثل هذه المواقف!"· وتؤكد الآنسة (وال)، الأستاذة الجامعية، أن العديد من الرجال إذا كانوا غير حريصين على كشف تفاصيل ماضي الزوجة إلا أنهم في قرارة أنفسهم على يقين بأن لها تجارب سابقة حتى وإن حاولت أن تنفي ذلك، وأنا شخصيا لا أحبّذ سرد وقائع الماضي المتعلقة بي، لكن أحاول بطريقة أو بأخرى كشف النقاب عن ماضي الرجل الذي سأرتبط به، لعلمي بأن المجتمع لا يلوم غالبا الرجل على ماضيه حتى وإن كان حافلا بالتجارب والوقائع عكس المرأة التي قد يسفر اكتشاف أبسط تفاصيل ماضيها عن طلاقها"·
وتروي لنا السيدة (ع·ز) أم فاتن، تجربتها الخاصة قائلة: "أرفض أن يكشف كلا الزوجين عن ماضيهما رفضا قاطعا، فالبعض يكشفونه على أساس أنه تجربة تؤخذ -كما يقال ولا يقاس عليها- ولكنه يطفو الى السطح مع أول خلاف بسيط، وهنا تكمن المشكلة"، وتسترسل: "عندما حصل انفصال معنوي بيني وبين زوجي كان وراءه حديث عن ماض، فرغم أنه يعيش معي جسدا وروحا ومشاعرا، لكن بمجرد أن كشف لي عن ماضيه الذي ولّى منذ سنتين شعرت أنه مايزال يحنّ الى الماضي، خاصة بعد أن أطلعني على ألبوم ذكرياته لأني أصبحت أشعر بالغيرة من ماضيه· وأنا الأخرى أخطأت ذات يوم عندما حدثته عن جزء من تجاربي الماضية، وهي غلطة مازلت أتحمّل تبعاتها الى حد الساعة، حيث يطفو الى السطح كلما حصل انفصال معنوي· إن الحقيقة التي ينبغي أن يدركها الجميع هي أن الرجل لا يقبل إطلاقا وجود ماض في حياة زوجته، لكنه بالمقابل يسمح لنفسه بأن يسرد تجاربه، وشريكي يجيبني بهذا الخصوص ببردوة مطلقة تزيدني غليانا: أنا راجل! ثم يطلق العنان لسجائره! ونصيحتي هي: أتركوا الماضي وابدأوا حياتكم معًا في اللحظة ذاتها التي اتفقتما فيها على أن تعيشا معا على الحلو والمر· ماهو رأي المتخصصين النفسانيين؟
تقول الأستاذة الجامعية نبيلة خلال، المتخصصة في علم النفس: "صحيح أن الرجل يمتاز بغيرة مفرطة قد تثير نار الخلافات بينه وبين الزوجة في حال اكتشاف ماضيها، لكن هذه الغيرة مبنية داخل البيئة الإجتماعية، وفي هذا الإطار أثبتت الدراسات أن البنت تتعرض للضرب أكثر من الذكر في العديد من المجتمعات العربية، وأن الأهل يتعاملون معها بحذر أكثر وكأنها قنبلة موقوتة، وهو الحذر الذي يبدأ منذ الحمل، حيث يعتبر الأولياء ولادتها مسؤولية كبيرة رغم أن الإنحراف في وسط الذكور أكثر من ذلك المسجل في وسط الإناث، وهذه الذهنية تقيّد الأنثى أكثر من الذكر الذي تقابل معظم سلوكاته بعبارة أنت راجل في المجتمع العربي، ما يعني أن أساليب المعاملة الوالدية هي التي تبني شخصية كلا الجنسين، ومن هنا يتضح لماذا يحاسب الرجل الزوجة على ماضيها في الوقت الذي يعتبر حياته الماضية بمثابة اللاحدث"·
وفي إطار نفس الموضوع، يرى السيد إلياس بغيجة، الأستاذ المتخصص في علم النفس الإجتماعي بجامعة الجزائر، أن هناك ثلاثة اتجاهات يتبناها الرجال بهذا الخصوص، فالإتجاه الأول يخص الرجل الذي يرى أن كل امرأة مرت بتجربة عاطفية، أمر عادي باعتبار أنه هو الآخر عاش تجارب عاطفية في الماضي، فالمهم بالنسبة له أن يجد المرأة التي تجذبه وتحرك مشاعره· أما الإتجاه الثاني فيتعلق بالرجل الذي يرفض شريكته في حال إذا ما وصلته أخبار عن علاقات جنسية حتى وإن لم تسفر عن فقدانها للعذرية، في حين يرتبط الإتجاه الثالث بالرجل الذي ينفي قطعا وجود أي علاقة اجتماعية أو جنسية مع الطرف الآخر، فهذا النوع من الرجال يبحث عن المرأة المثالية التي لم تمارس أي شكل من أشكال العلاقات العاطفية أو حتى مجرد الإرتباطات النفسية، فالأمر يتعلق هنا برجل مثالي يتصور أن الطرف الآخر لم تكن لديه أي عاطفة من قبل وأنه أول من حرّك مشاعر شريكته وكأنها وجدت لأجله منذ أن خلقت·
وقد تعبّر هذه الحالة عن اضطراب في الشخصية إذا اتخذت العلاقة الزوجية شكلا من أشكال العدوان والعنف، بحيث تنتج عن هذه الحالة المرضية وساوس قهرية تدفع بالرجل إلى الشك في كل تصرفاتها"· ويضيف الأستاذ أن هناك أشخاصا مثقفين عاشوا في الدول الغربية وأقاموا علاقات عاطفية، إلا أنهميرفضون فكرة أن تكون لدى زوجاتهم علاقات عاطفية في الماضي، وهذا الأمر تفسّره المعايير والميكانيزمات السائدة في البيئة الإجتماعية، ذلك لأن الذاكرة الإجتماعية للأفراد تلعب دورا مهما· فرغم الإنفتاح الإجتماعي والثقافي إلا أن هناك عملية ضبط اجتماعية تسمح للمعايير الاجتماعية المكتسبة في ظل المجتمع التقليدي بالسريان. * نوارة/أ