بعد ثلاثة أسابيع من التطورات والإشاعات المجنونة، ومن خلال معايشة يومية لقصة ثعبان المحمدية "العملاق"، اتصلنا بمصالح الحماية المدنية لمعرفة حجم الحقيقة من الخيال في حكاية تعدت الحدود الجغرافية للجزائر وحطت في كل البلاد التي يتواجد فيها جزائريون، سؤال الجميع فيها واحد: هل من أحد رأى الثعبان حقيقة؟ وبهذا السؤال بالتحديد توجهنا أمس، إلى مصالح الحماية المدنية، رغم أننا كنا أول من حصل على تصريح من المدير العام للحماية المدنية العقيد مصطفى الهبيري يوم بدء العملية ومن موقع الحدث بحي 618 مسكن، بأن الحماية المدنية تحركت على أساس بلاغ بوجود ثعبان "عملاق" بقبو العمارة رقم 11، بل أنه أكد ومن اللحظة الأولى نوع الثعبان الذي أثار الرعب بين سكان الحي، لكن وبعد أيام من نهاية "العملية الثقيلة" واكتفاء الحماية المدنية بمناوبة تعاين حال القبو وما إذا ظهر جديد عن الثعبان، أصبح من الضروري إعادة طرح السؤال الأصلي من جديد وهو: هل تأكدت الحماية المدنية فعلا من وجود الثعبان بعد البلاغ؟ والإجابة التي تلقيناها أمس، من المكلف بالإعلام على مستوى المديرية العامة للحماية المدنية السيد مشقان تصب تماما في اتجاه الاقتناع الذي وصل إليه عدد كبير من الجمهور ومعه سكان الحي المذكور وهو "لم ير أحد الثعبان حقيقة بما فيهم أعوان الحماية المدنية الذين أكدوا أن كاميراتهم الحرارية أكدت وجوده بالقبو". إذن الإشكالية الأولى التي حلت في الموضوع باعتراف جهة رسمية والمتمثلة في الحماية المدنية هي أنه لا توجد شهادة واحدة تثبت رؤية الثعبان حقيقة، بما فيهم من ادعوا التقاط صور له. لكن هذه الشهادة الرسمية جاءت مناقضة تماما لما صرح به الطبيب البيطري حفاصي، وهو للعلم رجل أصبحت شهرته من شهرة الثعبان، حيث صرح بأنه تمكن من التقاط صور للثعبان منذ أول يوم للعملية، بل وتمكن حتى من العثور على "قطع من جلد الثعبان" وقد أخذها لنفسه، بصفته خبيرا من الوكالة الوطنية للطبيعة بحديقة التجارب بالحامة، وقد شرح لنا بالتفصيل هو ومساعده موسى مترور الكيفية التي اقتنعا من خلالها، وبالدليل القاطع، بوجود الثعبان الذي يكون، حسب طرحهما، أكبر من الثعبان "بيتون سيبا" الذي قيل عنه منذ الأول. ويكون الثعبان، حسب السيد حفاصي، قد تواجد فعلا بقبو العمارة لفترة طويلة وقد عاش في ظروف مناسبة له، فيها المياه والرطوبة والغذاء الكافي (اللحم الطري للقوارض)، وقد أكد رؤيته بأم عينيه وبعدسة آلة تصويره الرقمية، وأنه متأكد ألف بالمائة بتواجد الحيوان الزاحف في القبو قبل أن تقلقه "الحماية المدنية" بضجيج آلاتها ومولدات الكهرباء والحركة في القبو، وأكثر من ذلك إفراغ القبو من الماء، مما جعل المحيط غير مناسب لعيش مثل هذا الزاحف. وفي تناقض مع القاعدة القائلة بضرورة العمل بالتنسيق مع الحماية المدنية، بصفتها المشرفة على عملية البحث عن الثعبان، قام البيطري، من باب مسؤوليته في الحفاظ على كل نوع حيواني أو ظاهرة من هذا النوع، لتقييدها ضمن متحف الطبيعة فيما بعد، بالتصرف بمفرده دون التنسيق مع الحماية المدنية، وعند طرحنا لهذا السؤال على مصالح الهبيري رد علينا ممثلها "هنا يطرح السؤال لماذا لم يخبرنا هذا البيطري بعثوره على قطع من جلد الأفعى؟"، معتبرا أن كل ما صرح به هذا السيد ما هو إلا مجرد افتراضات وتخمينات لحالة لم تثبت شهادة على وجودها حقيقة. أما سكان الحي، فقد انقسمت قناعاتهم بين القسم الأكبر المعتقد بأن هذه مجرد قصة وهمية أخذت أكثر من حقها من الإشاعات والخيال وكثير من الأكاذيب، وبين قسم أصغر يظن أن الخطر لازال قائما ما دامت الحماية المدنية قد أكدت في أول الأمر أنها رأت الثعبان ثم تخلت عن عملها دون العثور على الثعبان، رغم أن فرق المداومة تتداول يوميا على الحي المذكور، "في رسالة لتطمين السكان بعدم وجود خطر على السكان"، حسب الحماية المدنية. وبين مؤكد ونافي لحقيقة وجود الثعبان، ألفت خيالات المواطنين أغرب وأعجب الصور للقصة وفي بعض الأحيان أطرفها مثل الذين أصبحوا يتساءلون عن سر بقاء السكان في مساكنهم بالحي، رغم وجود الثعبان إلى جانبهم، أو مثل من يبحثون عن شراء شقق بالحي، لأنها أصبحت بخسة الثمن (50 مليون سنتيم)، دون الحديث عن "الضحايا" الذين نسبوا للثعبان من عجوز إلى شرطي إلى التلاميذ، بل هناك من حلف بأغلظ الأيمان بأن معلوماته مؤكدة من مصادر رسمية وموثوقة بأن حجم الثعبان يساوى حجم عدة عجلات لحافلة كبيرة وغيرها من القصص كثير. أما من أرادوا إضافة بهارات سياسية للموضوع، فيجزمون بأن "الدولة" اختلقت هذه القصة لتلهي العامة عن أمور سياسية أخطر، وإلا لماذا سخرت كل تلك الوسائل البشرية والمادية للعملية دون أن تعثر على الثعبان؟ مثل أولئك يسأل آخرون عن سر استشارة "سيرك الفلوريليجيو" في القضية مع أنهم لا يمثلون طرفا، بل أن السيرك المذكور حزم أمتعته وذهب إلى بلاده وظل مديره بالجزائر "للمساومة" على رأس "الحنش". غنية قمراوي: [email protected]