عندما تبدأ (السنة) تلفظ أنفاسها الأخيرة تظهر قراءات المستقبل في عدد من دول العالم الغربي وفي شرق آسيا وتجد الصحف متسعا للعب بأعصاب الشعوب والقادة والدول عبر تنجيمات تتحدث عن الزلازل والاضطرابات والاغتيالات وقطف الرقاب في حصاد التكهنات. وتبرز في عالمنا العربي لبنان بمدرسة تنجيمها الشهيرة، مع عائلة الألوسي والطاهرة الجديدة ميشال حايك وأيضا مع تنجيمات التونسي المشهور الشارني، بينما تعود فرنسا في آخر كل موسم إلى الأسطورة (نوسترا داموس) الذي توفي منذ أزيد عن أربعة قرون، ومازالت فرنسا تصر على تسميته بنبي المنجمين وتصر على أن كل ما قاله مازال يتحقق إلى حد الآن. التنجيمات حاليا هي حرب نفسية تعلنها بعض الجهات، وجس نبض الشعوب وتسلية إعلامية وهي في كل الأحوال ابتعاد عن العلم وعن الدين الإسلامي شعاره قوله تعالى في سورة الأنعام: »وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو«. فرنسا... مملكة التنجيم عرف التنجيم منذ بداية الخليقة، ومارسه الفراعنة والإغريق وأصبح مهنة الصينيين، ولكن أشهر المنجمين على الإطلاق هو الأسطورة الفرنسية Notradamus نوستراداموس الذي ولد عام 1503 وتوفي عام 1566. وتطبع فرنسا سنويا كتبا عن (أسطورتها التنجيمية) وتحاول أن تزن تكهناتها على واقعنا الحالي والمستقبلي، وتقول إنه تكهن باستعمار فرنسا للجزائر والخروج منها بعد قرن وثلث قرن!!.. كتبه تسمى حاليا (إنجيل) المنجمين واسم المنجم الحقيقي هو ميشال... يقولون إن شارل الرابع جعله منجم البلاط، وذاع صيته عندما تكهن بمقتل هنري الثاني وهو ما حدث عام 1559 كما تحدث عن مقتل إليزابيت تيدور عام 1603 (أي بعد موته ب37 سنة)، كما تكهن بأحداث العنف في لندن التي حدثت عام 1666 أي بعد قرن عن رحيله... وفي كتبه حديث عن طاغية يؤدي إلى حروب كونيه اسمه هسلر (المقصود هتلر)، وقيل إنه تحدث عن دولة عظيمة يسقط برجاها العاليان مع بداية القرن الجديد.. ومعظم الصحف الفرنسية ستعلن تنجيماتها في الأيام القليلة القادمة وستلقى هذه التنجيمات مقروئية عالية. الشيخ الطاهر توفي عام 1935 وتحدث عن بومدين والشاذلي! بعضهم يعتبره حكيما... وآخرون وليّا صالحا... والغالبية منجما... هو لا يمتلك كتبا ولكن الناس تحفظ كلامه عن ظهر قلب ومازال البعض يتبرك بقبره في منطقة (الغراب) بنواحي قسنطينة. ولد الشيخ الطاهر بن الموفق بمنطقة بن زياد التابعة لقسنطينة في شهر مارس عام 1872 وهو من عائلة (صنهاجية تركية) عريقة بقسنطينة وتوفي في ماي 1935 عن عمر يناهز 63 سنة بمزرعته الكائنة بالغراب مكان مدفنه وتزوج من أربع نساء أنجب منهن ثلاثة ذكور، توفي آخرهم عام 2001 وهو الشيخ الخوجة عن عمر يناهز 82 سنة إثر إصابته بمرض السل، كما أنجب سبع بنات مازالت إحداهن على قيد الحياة تعيش حاليا في فرنسا (الحاجة هجيرة 88 سنة). من أشهر تكهنات الشيخ الطاهر قوله »الجزائر يحكموها ثلاثة رياس أحمد مسجون والهواري مقتول وبن جديد يشتتكم مثل الفول!« ويرى أحفاد الشيخ أن التشتت معناه التعددية الحزبية التي انطلقت في عهد الشاذلي. كما تحدث عن مقتل بوضياف قبل حدوثه بحوالي سبعين سنة عندما قال: »يجيكم رايس من الغرب غايس، ما يطولش وتقتلوه«... ويعيث الشيخ الطاهر تنجيما في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فيحذر الفلاحين من الثورة الزراعية بقوله »أشفاو على الرسيم نتاعكم يجي نهار ويديوهالكم«، ويتهكم على الحكام والزعماء عندما يقول بكلام كله سوقي وإباحي »البلاد يحكموها... يعطيو الحق للنسوان ويبخلو الشبان«. كما كان يقبل الحمار من فمه أمام الناس وهو يقول: »راي جايا دولتك ونعودو نحلفو براسك«. كما قام مرة بترييش دجاجة وهي حية ويقول: »أسكتي يا الجاجة يجي وقت وتعودي تقضي الحاجة« والمقصود الرشوة. وعندما سألوه عن مستقبل فرنسا في الجزائر قال عام 1930 »سبع سنين كفاح وسبع سنين نكاح وسبعة بوبليك ما هي ليا ما هي ليك«، كما قال: »جايكم وقت يجيوكم المسكحين ما يبقالكم لا حياء ولا دين« و»جايكم وقت ما يبقالكم لا شاش ولا بريمة، تمشو في الزقاق تلقاو غير عايشة وصالحة وحليمة، يعودو نساكم وبناتكم مشتحين، مالكم ما يكفيكم والعذاب ما يخطيكم والطحين عامي عينيكم«. هل كان صديق أم عدو ابن باديس؟ عاش الشيخ الطاهر في نفس زمن الشيخ بن باديس وفي نفس المدينة... أحفاد الشيخ الطاهر يقولون إنهما كانا صديقين والتاريخ لا يشهد على ذلك، خاصة أنه كان »مرابطا« وابن باديس حارب المرابطين بقوة، حيث كان الشيخ الطاهر يلقى زيارات العائلات الفرنسية لمعرفة »المستقبل!«... وبعد وفاته كانت الوفود القسنطينية العائدة من الحج تحكي أساطير وخرافات عن مشاهدتها للشيخ الطاهر في البقاع المقدسة!! وهو الذي لم يحج في حياته، وكلما حاربه رجال جمعية العلماء مثل بن ميهوب وبن مهنة إلا ويرد عليهم »سيأتي يوما تكتبون حكمي وأقوالي«. أحفاده يقولون إنه لم يكتب أبدا (حرزا) كان يمارس الرقية ويتحدث كلاما كثيرا عن المستقبل، ويروي أنه مر أمام مسجد كان به الشيخ بن باديس وراح يصيح »كاش مسلمين هنا؟« فغضب المصلون منه فقال »أنا لا أقصد الأجساد وإنما أقصد القلوب«. كما قال عن الجزائر عامة »يردوها قهاوي ويقواو الجوامع والقلوب فارغة من الإيمان، يدخل فارغ ويخرج فارغ«. وقال أيضا »يقواو عليكم الحجاج وتعودو تاكلو غير الجاج ويعود ما يتعرفش الغاني من المحتاج«. هذا قليل من كثير من كلام الشيخ الطاهر الذي لا يمكننا ذكر معظمه لأنه إباحي ومتشائم جدا. تبدأ بأحمد وتنتهي بأحمد والرئيس السابع يأتي بالحلول خلال تسخين طبول انتخابات عام 1999 التي شارك فيها سبعة مترشحين، أطل من التلفزيون الجزائري المثقف أمير خان وقرأ على مسامع المشاهدين تنجيم الشيخ الطاهر الشهير جدا: »الجزائر يحكمها سبع رياس... الأول بهلول والثاني رامول والثالث يسمع ويقول والرابع يموت مقتول والخامس دايرين بيه العجول والسادس يجيب الهول والسابع يجيب الحلول«... وهو أشهر تكهنات الشيخ التي ترددت منذ استقلال الجزائر بالتواتر والمقولة بلغ سنها الآن سبعين سنة، فهل أتى السابع بالحلول؟! وهل يمكن أن نصدق المنجم بكذبه بدلا عن تكذيبه ولو صدق. ومن أشهر ما قال أيضا: "الجزائر تبدأ بأحمد وتنتهي بأحمد". وإذا كان بعض مصدقي »الدروشة« وحتى الساسة ينظرون إلى أحمد هو الرئيس المقبل »أحمد طالب الإبراهيمي أو أحمد أويحي أو غيرهما«... فإن ما يخشاه هؤلاء أن تنتهي الجزائر بأحمد!!؟ أما أشهر تنجيماته التي يكررها أهل الشرق وقسنطينة بالخصوص فهي عن الحالة البائسة التي بلغتها عاصمة الشرق من تدهور عمراني واجتماعي وأخلاقي مثل قوله عن أشهر كازينو في إفريقيا الذي تم تهديمه في السبعينيات من القرن الماضي عندما قال عنه: »شفناك فرجة يجي نهار تصبح مرجة« وهو حاليا »مرجة« بعد أن كان كازينو غنّى فيه عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وزارته فيروز ووديع الصافي... وقال عن وسط المدينة المعروف بباب الواد »يتنقب عليكم باب الواد وتولي جوجتكم بنت بن لباد« في إشارة حسب أنصار الشيخ إلى الأنفاق الأرضية والقاضية بن لباد التي تواجدت في محكمة المدينة. كما خاطب تمثال الجنرال في ذات المنطقة »يخدمولك زرداب تحت نوض أهرب« في إشارة إلى تدمير التمثال وإنجاز أنفاق أرضية. كما قال: »يوم يتحلْ بئر الغدر ما يبقى لا حياء ولا قدر وتروح قسنطينة للهاوية« في إ شارة إلى النزوح الريفي. وقال عن البرابول »يجي نهار تعود كل دار بشيطان«. وقال عن أحداث العالم: »الإنجليز يموت محروق في بلاده وفرنسا لا هدرة عليها والمريكان يقعد دولة صغيرة لا من يسال عليها«. وقال عن الثورة الجزائرية قبل 25 سنة عن قيامها: »الثورة يجيبوها المصلحين، فرنسا تروح ويجيوكم عوام سخونين«. ويتكهن بنهاية الكفر على يد الكفر »يديرو في البحر قنطرة ويديرو في السما سلوم، يا الرجال اللي ذلت.. تخلى الروم بالروم«. وعن التحرشات المغربية قال: »المروك كي يكحال ويسواد يجيب محان قوية«... وعندما قرب أجل الشيخ الطاهر بن موفق كان بصدد بناء فيلا فاخرة ويطالب بسرعة البناء، فلما طلب منه إبنه الخوجة الدقة في البناء قال له: »كي نموت يروح الرزق« وقال لأحد عمال البناء »أنا نبني فيها وهي رايحة للنار، ويديوها بدينار... يا خضار يا خمّار يا قمّار واللي يديها يموت بالنار«. ويقال إن العزبة الفاخرة بيعت بأبخس الأثمان لخضار تم اغتياله رميا بالرصاص أثناء الثورة التحريرية. لماذا يصدقون أكاذيب المنجمين؟ ما بين الشيخ الطاهر والشيخ بن باديس مسافات ومع ذلك يحفظ عامة الناس خزعبلات »الطاهر« وينسون أقوال »ابن باديس« ولا يعلمون حتى مكان دفن شيخ العلماء ابن باديس ويتبركون بقبر الشيخ الطاهر، مع أن الحديث القدسي يقول: »لا يأتي إبن آدم النذر بشيء لم أكن قدّرته، ولكن يلقيه النذر إلى قدر وقد قدرته، أستخرج به من البخيل فيؤتيني عليه ما لم يؤتني عليه من قبل«. وقال الإمام الشافعي: »النذر لغير الله باطل« ويعتبره معظم العلماء شركا بالله »قل إن صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين«. أما عن التنجيم فهو حرام بإجماع كل المذاهب وكل العلماء، فخاطب القرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: »قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب«. كما يقول تعالى: »قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيّان يبعثون«. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: »من أتى كاهنا أو عرّافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد«. ويقول في حديث صحيح: »من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما«. كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: »إياكم وتعلم النجوم... إلا ما يهتدى به في برّ أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار«. لا يوجد من العلماء من يعتبر التنجيم علما، خاصة علم الفلك الغيبي... ولا يوجد من الفقهاء من يبيح التنجيم، لأجل ذلك تبقى التنجيمات مجرد خزعبلات ولعبا بالأعصاب يشترك في نسجها الدجالون ورجال المخابرات... وحتى الساسة. ناصر