في هذا الحوار، يتحدث السفير الدانماركي الجديد "المسلم" بالجزائر؛ السيد أولي فويهلرس أولسن عن تداعيات حملة الإساءة التي تعرض لها الرسول الأكرم، على بلاده، والدروس التي تم استخلاصها منها. كما يتحدث عن شخصه وقصة إسلامه التي تعود إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي. الشروق اليومي: هل لكم أن ترووا لقراء الشروق اليومي قصة دخولكم الاسلام؟ السيد أولسن: قصة دخولي في الدين الاسلامي تعود إلى سنوات الستينيات، فعندما كنت شابا زرت العديد من الدول العربية ومن بينها الجزائر. وكانت زيارتي الأولى لبلدكم في مطلع الستينيات، كما زرت دولا عربية وإسلامية أخرى، على غرار الأردن ولبنان وسوريا، إضافة إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها المكان الذي ولد فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وخلال هذه الزيارات قابلت العديد من المسلمين من مختلف المستويات، وتحدثت معهم، الأمر الذي مكنني من أخذ صورة ولو أولية حول القيم والتقاليد الاسلامية السمحة. وقد ساعدتني هذه المعلومات الأولية في دراساتي المعمقة لهذا الدين، قبل أن أقتنع به بصفة نهائية في سنة 1968، ومنذ ذلك الحين وأنا مسلم والحمد لله. كما شكلت زيارتي للمملكة العربية السعودية ونزولي بالمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة أثرا عميقا في نفسي. كيف تفسرون اختياركم شخصيا لخلافة سفير بلادكم السابق "بو إيريك فيبر" في الجزائر؟ السيد أولسن: كما قلت آنفا، لقد سبق وأن زرت الجزائر في مطلع السبعينيات، وكان لي شرف تأسيس سفارة مملكة الدانمارك بالجزائر، وكان ذلك في سنة 1974، حيث بقيت هنا لمدة سنتين. لقد كنت دوما مشدودا لهذا البلد العزيز علي. لذلك، لما عرض علي العودة مرة أخرى إلى سفارة المملكة بالجزائر، لم أتردد في قبول هذا التكليف، لاعتقادي بأنني سأقدم لبلادي خدمة إنطلاقا من معرفتي الجيدة بالجزائر. الشروق اليومي: كيف تعلقون على عودة التصرفات المسيئة للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، من خلال شريط الفيديو الذي شوهد في بعض القنوات الفضائية، حتى بعد الاستياء والتذمر الكبيرين اللذان خلفتهما الرسومات الكاريكاتورية الكارثية التي نشرتها صحيفة "يولاندس بوستن"؟ السيد أولسن: لقد كان ما نشرته الصحيفة المذكورة حادثة جسيمة حقا، لأنها طالت رمزا كبيرا من رموز الاسلام، وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وبسبب هذه الحادثة وقع المسلمون الدانماركيون في عمومهم، سواء المنحدرون من شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط أو مناطق أخرى، أو أولئك الذين أصلهم دنماركي، وقعوا تحت نارين، نار الإساءة للرسول الأكرم، ونار الإساءة أيضا لرموز مملكة الدانمارك في بعض المناطق. يجب القول إنه حصل سوء فهم متبادل سواء في الدانمارك أو في العالم الاسلامي، بسبب قلة الإطلاع على ما يجري لدى الطرف الآخر. بالنسبة للمسلمين فيبدو أنهم غير مدركين لواقع حرية التعبير في الدول الغربية، التي تكاد تكون غير محدودة، بدليل أن الرسومات الكاريكاتورية كثيرا ما تطال الرؤساء والوزراء، وحتى رموز الدين المسيحي وغيره من الأديان، فيما تبقى صلاحية مراقبة مدى مطابقة مثل هذه التصرفات للقوانين السارية، موكولة للعدالة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا لها علاقة بالتمييز العنصري ومعاداة المهاجرين. كما يجهل الكثير من الأوربيين قيمة ووزن الرموز الدينية في العالم الاسلامي. وقد سعت الحكومة الدانماركية إلى تجاوز ما خلفته حادثة الرسومات الكاريكاتورية، بالتعاون مع شخصيات إسلامية معروفة بكاريزمايتها، على غرار الدكتور عمر خالد، وطارق السويدان في الملتقى الذي نظم بالعاصمة كوبنهاغن، غير أن الصور التي حملها شريط الفيديو المذكور، أضرت بالمساعي المبذولة في هذا السياق. يجب التوضيح هنا أن الذي قام بتصوير شريط الفيديو المسيء أيضا لشخص الرسول الأكرم هم أشخاص يعملون في دار للشباب، وهم ينتمون لحزب يميني متطرف صغير يشارك في الحكومة، وهو معروف بعدائه للمهاجرين، ويكن عداوة للاسلام ومن ثم لشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره رمز الدين الاسلامي. لقد لاحظنا تعقلا واضحا في الموقف الشعبي الجزائري من هذه الرسومات الكاريكاتورية، مقارنة بما حدث في بعض دول الشرق الأوسط كسوريا ولبنان مثلا، التي كانت فيها ردود أفعال عنيفة. وأعتقد أن مثل هذه المشاكل لا تعالج بالعنف وإنما بالتفهم. يجب أن نتحدث ونسمع لبعضنا البعض، لأن بيننا الكثير من المصالح. الشروق اليومي: هل يمكن القول اليوم أن الدانمارك تجاوزت الرسومات والصور المسيئة لشخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم؟ السيد أولسن: لقد استفادت الدانمارك من دروس وعبر هذه الحادثة. وقد سبق وأن نظمنا في بلادنا هذه السنة مهرجانا على مدار شهرين كاملين تحت عنوان "صور شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، شارك فيه رسامون وكتاب كبار.. وأعتقد أن مثل هذا العمل، الذي هو في صالح الشعب الدانماركي، كان ضروريا لتجاوز ما خلفته الرسومات المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. الشروق اليومي: هل لديكم أرقاما حول نتائج مقاطعة بضائع بلادكم بسبب هذه الرسومات الكاريكاتورية؟ السيد أولسن: عندما نتحدث عن الخسائر، فلا بد من التعريج أيضا على الأرباح. لقد ربحنا الحوار والتفهم، وهذا برأيي شيء مهم. أما بالنسبة للأرقام الحقيقية المتعلقة بالخسائر التي تكبدتها الدنمارك بسبب مقاطعة بضائعها في العالمين العربي والاسلامي، فليس لدي رقم مضبوط، غير أنه يقدر ببعض المليارات. الشروق اليومي: ما تعليقكم على تصريحات البابا بنديكت السادس عشر، التي ربط فيها الاسلام بالارهاب؟ السيد أولسن: ليس لدي اي تعليق على هذه التصريحات، باعتباري لست مسيحيا. الشروق اليومي: وكمسلم؟ السيد أولسن: لا. أنا أمثل حكومة الدانمارك، ولا يمكنني التعليق. حاوره: محمد مسلم