تواجه الحرب على الفساد، "إنسحاب" الجهات الرسمية عن مهمة تكذيب أو تأكيد الأخبار التي تنقلها الصحافة الوطنية، حول التوقيفات الأمنية والتحقيقات القضائية لعدد من المتهمين والمتورّطين في جرائم متصلة ببعض قضايا الفساد، فقضية "إمبراطور" المخدرات، المدعو أحمد زنجبيل، وبعده قضية والي الطارف، الجيلالي عرعار بدأت بخبر عن "إستسلام" الأول، و"توقيف" الثاني، وإنتهت بنبإ بقاء المتهمين "في حالة فرار" دون أن تتدخل في الوقت المناسب السلطات الرسمية، سواء الأمنية أو القضائية أو "السياسية"، لوضع النقاط على الحروف وتوضيح الخيط الأبيض من الأسود للرأي العام بعيدا عن التغليط والتضليل والتوظيف وتصفية الحسابات. ورغم أن عبد العزيز بلخادم، المسؤول التنفيذي الأول في أجهزة الدولة، أكد خلال منتدى التليفزيون، الوجود الفعلي لملفات الفساد وتورّط عدد من "المفسدين"، إلا أنه لم يذكر أيّ إسم لأيّ "مفسد إفتراضي"، وبالمقابل، فإنه لم يكذب كما لم يؤكد تورّط الأسماء الثقيلة والخفيفة لعدد من "المسؤولين" مثلما نقلته الصحافة الوطنية عن "مصادرها الخاصة"، وجاءت "إعترافات وشهادات" وزير الدولة، أبو جرة سلطاني، حيث طالب برفع الحصانة عن المتورطين في الفساد بفتح ملفات الوزراء والولاة والضباط والنواب (دون أن يذكرهم بالإسم أو المنصب)، لتؤكد حقيقة "ملفات الفساد"، وأنها ليست من وحي الصحافة التي دعاها وزير العدل، الطيب بلعيز، إلى "مساعدة" الدولة في حربها على الفساد، قبل أن يُبرز رئيس الحكومة، بأن محاربة الفساد هي "قضية الجميع". المشكل الذي طفا الآن إلى السطح، حسب إستنتاجات المراقبين، هو غياب أو إختفاء "الرسميين"، سواء بالتصريحات أو البيانات، عندما يتعلق الأمر بتأكيد أو تفنيد الأخبار المرتبطة مباشرة بالحرب على الفساد، وهو ما حصل في حالتي زنجبيل وعرعار، على سبيل المثال لا الحصر، لتتحوّل الصحافة إلى "المصدر" اليتيم الذي ينقل الأنباء للرأي العام بعيدا عن "الرسميات"، هذه الأخيرة، أضربت عن الكلام عندما كتبت الصحف عن "إستسلام" زنجبيل، وإلتزمت الصمت حين تمّ تداول خبر "تواجده في حالة فرار" (...)، وهو نفس السيناريو الحاصل مع قضية والي الطارف، الذي قيل أنه مسجون بسركاجي، ثم تمّ مسخ هذه المعلومة بمعلومة مناقضة قلبا وقالبا، مفادها "بقاءه في حالة فرار"!، والسؤال المطروح: أين الحقيقة، في الخبرين الأوّلين، أم في النبأين الثانيين؟، لكن لماذا لا تتدخل "الجهات الرسمية" لتضع حدا لكلّ الإشاعات والتأويلات والتخمينات، فتجنب الصحافة "نشر أخبار مغرضة أو لا أساس له من الصحة"، وتوفر بالتالي للمواطن حقه الدستوري في الإعلام والخدمة العمومية وتدفع كلّ جهة لتحمّل مسؤولياتها وصلاحياتها؟. التعامل "الصحيح" -حتى وإن كان ناقصا- بالنسبة لقضيتي الخليفة وعاشور عبد الرحمان (البنك الوطني الجزائري)، وعدد من قضايا الفساد التي فتحتها العدالة (فضائح البنوك)، وهي القضايا التي أعطتها السلطات العمومية الطابع "الرسمي"، من حيث الإعلان عنها، أو التحقيق فيها، أو إحالتها على القضاء والمحاكم، يكشف جدوى "الإتصال الرسمي" لتثبيت أو نفي المعلومات، ويكون من الخطإ "تجريم" الصحافة وإتهامها بنقل أخبار "مغلوطة"، بالنسبة لبعض الملفات، مادامت الجهات المعنية بالرد الرسمي والعلني على إتصالات وتساؤلات الصحافيين، تعتمد ثقافة التعتيم والتهرّب من تحمّل مسؤولياتها، إما بغلق هواتفها ومكاتبها وإما بإنشاد أغنية "ليس لي علم بالقضية" (...) !، علما أن رئيس الحكومة، كان قد أكد بأن ملفات الفساد ليست وليدة المرحلة الحالية، وأن الأمر يتعلق بإعتماد السلطات حاليا لسياسة "الشفافية" في مواجهتها لفضائح المفسدين! جمال لعلامي: [email protected]