بعد تكذيب النيابة العامة لدى مجلس قضاء العاصمة، لم يبق لرئيس حركة مجتمع السلم، وزير الدولة، أبو جرة سلطاني، إلا أن يقدم "قائمته" التي تضمّ المفسدين الواجب رفع الحصانة عنهم، وإما إلتزام الصمت إلى الأبد، وجاء بيان النيابة العامة، لينقل "الإتهامات" إلى سلطاني، الذي دعا قبل أيام إلى فتح ملفات النواب والولاة والضباط والوزراء في سياق محاربة الفساد، وقد أصبح وزير الدولة الآن، في موقع "المدافع" بعدما إختار لنفسه خندق "المهاجم"، وهو "متهم" ضمنيا من طرف العدالة، "بترويج إشاعات" لا أساس لها من الصحة، إلى أن يثبت العكس. البيان الصحفي الذي وقعه، أول أمس، النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، كذب مباشرة "إدعاءات" أبو جرة سلطاني، التي قال فيها الأربعاء الماضي، "نحن في إتصال مع الجهات القضائية"(..)، وأدرجت العدالة ما نشرته بعض الصحف الوطنية حول تصريحات رئيس حركة حمس، في خانة "الإشاعات"، وهو ما يعتبر ردا واضحا ومباشرا على الخرجات الأخيرة لسلطاني، ودعوة ضمنية "لكشف المستور" بالأدلة الملموسة والإبتعاد عن لغة الإيحاء وحديث المقاهي و"راديو طروطوار"، الذي لا يمكن الأخذ به في القضايا المصيرية، فهل سيستجيب أبو جرة للجهات القضائية وفقا لما تقتضيه القوانين المعمول بها، أم أنه سيمسك لسانه نهائيا، بعدما أشيع أنه غيّر رقم هاتفه هربا من مطاردة الصحافة وتجنبا لوجع الدماغ؟. سلطاني الذي دشن "حملته" بتحميل ما أسماه "مافيا المال"، مسؤولية التفجيرات الإرهابية التي إستهدفت في وقت سابق بعض مناطق الوطن، إختار بعدها "التصعيد" بدل "التهدئة" في ظل إنتقادات وجّهها ضدّه بعض شركائه في التحالف الرئاسي وخارجه، فدعا إلى رفع الحصانة عن المتورطين في الفساد، من خلال فتح ملفات الولاة والنواب والضباط والوزراء، ووصل بعدها إلى الحديث عن "قائمة" بإسم المفسدين، ثم قال "نحن في إتصال مع الجهات القضائية"، وقد تأكد أول أمس رسميا، من خلال بيان النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، بأن وزير الدولة في حكومة عبد العزيز بلخادم، لا "يملك إلا الكلام"، وإلا ما الذي يمنعه من نشر الغسيل وكشف "الحقيقة" وفضح المتورطين في الفساد؟، وأين هذه القائمة التي تضمّ أسماء المفسدين؟، ولماذا يتطاول رئيس حمس على العدالة، ويدّعي بأنه "في إتصال معها"؟، أم أن سلطاني لا يقصد بالجهات القضائية التي قال بأنه في إتصال معها، مجلس قضاء العاصمة؟، وفي هذه الحالة، بمن إتصل الرجل إذن ، هل يكون قد إتصل بوزير العدل، بإعتباره المسؤول الأول عن جهاز القضاء، أم إتصل برئيس الجمهورية بصفته القاضي الأول في البلاد؟، لكن إذا حدث شيء من كل ذلك، كيف بالنيابة العامة لمجلس قضاء العاصمة، تكذب "الإشاعات" المنقولة إعلاميا عن "إدعاءات" أبو جرة؟. بالعودة إلى البيان، الأول من نوعه، بخصوص تأكيد أو تكذيب الأخبار المتعلقة بمحاربة الفساد-(الشروق اليومي كتبت موضوع بهذا الصدد الثلاثاء الماضي)- يمكن القول حسب ما يسجله مراقبون، بأن العدالة وضعت سلطاني في زاوية حادة، خاصة وأنها كذبت بصريح العبارة، ماورد على لسانه وإن كانت لم تذكره بالإسم أو المنصب، ويُستنتج من مضمون البيان، بأن العدالة لم تتحرك لأن صاحب "الإشاعات" لم يتصل بها، ولم يخطرها، كما لم يسلّمها أيّ ملف متعلق "بمزاعمه"، ويرد البيان من ناحية أخرى، على بعض التحليلات السياسية والقانونية، التي تساءلت عن "عدم تحرّك" الجهاز القضائي إستنادا لما قاله أبو جرة، حيث أبرز البيان، بأن النيابة العامة "قائمة بواجبها في مكافحة الجريمة طبقا للقوانين السارية ولن يثنيها أحد عن المتابعة الجزائية ضد أي كان". وتبعا لهذا التطور المثير، ترى أوساط مراقبة، بأن سلطاني مطالب بواحدة من أربع إختيارات أحلاها مرّ: فإمّا تقديم الملفات للعدالة من باب إخطارها "بجرائم الفساد التي يعرفها"، ويكون ذلك تثبيتا لإتهاماته ودفاعا عن نفسه بعدما كذبه القضاء، وإمّا أنه لحسابات معينة يختار الإمتناع، فيصبح من الوارد أن تقاضيه العدالة بتهمة "التستر على المفسدين" وعدم "الإبلاغ عن الفساد"، وكذا الترويج لإشاعات مغرضة، والإدعاء الباطل في حقّ الجهاز القضائي، وإمّا أن أبا جرة مطالب بالإعتذار "للمفسدين الإفتراضيين" وكذا الرأي العام، والإعتراف بأن "إدعاءاته" ماهي سوى حملة إنتخابية وعمل سياسي وحزبي، وعندها لا يُستبعد أن يرفع ضدّه "المتضرّرون" دعوى قضائية "لردّ الإعتبار"(..)، وإمّا أن سلطاني يتحمّل النتيجة سياسيا فيقدّم إستقالته من منصبه كوزير دولة، كذبته العدالة بعدما طالب بفتح ملفات زملائه الوزراء ورفع الحصانة عن المتورطين في الفساد !. جمال لعلامي: [email protected]