يتداول مؤخرا على الساحة المحلية بولاية بجاية إشكالية قانونية تتمحور حول من يحمي المستهلك من جنون ارتفاع الأسعار؟ فإذا كانت الدولة وضعت أطرا قانونية وتنظيمية لحماية المستهلك من الغش والفساد والاحتكار والمضاربة، وذلك من خلال الإجراءات القانونية الجديدة التي جاء بها القانون التجاري والمدني، إلا أن القانون الخاص بحماية المستهلك لم يحدث له أي تغيير منذ أن أصدرته الدولة بتاريخ 07/02/1989، تحت رقم 89/02 والمتضمن القواعد العامة لحماية المستهلك. حيث كان مرفوقا بنصوص تنظيمية، أين لجأ المشرع الجزائري إلى وضع آليات الرقابة والوقاية وكذا الردع بهدف تحقيق حماية خاصة للمستهلك، بعد التغيير الجذري الذي شهدته المنظومة الاقتصادية التجارية الوطنية، استجابة للتطور الاقتصادي العالمي الذي نتج من جراء ظهور النظام العالمي الجديد الذي يسمى بالعولمة، ومن هذا المنطلق سارعت الدولة إلى إنشاء مؤسسات وأجهزة وطنية ومحلية لحماية المستهلك ومراقبة الرشوة والوقاية منها، وجاء المرسم التنفيذي رقم 90/39 المؤرخ في 30/10/1990 والصادر في الجريدة الرسمية العدد 05/90 ص 205، كما أن التدابير القانونية التي اتخذتها الدولة لضمان هذه الحماية تلزم قيام المنتجين الموزعين والبائعين بالتقيد بالمواصفات والمعايير المطابقة وهي إلزامية، والتي تحد من الممارسات التجارية التي تلحق الضرر بالمستهلكين وتساعد على المنافسة النزيهة والفعالة والمعاملات العقدية المنصفة، لكن ما يبقى الآن مطروحا على الساحة هو من يحمي المستهلك من جنون الأسعار؟ سؤال وجيه يفرضه الواقع اليوم، حيث أن قواعد اقتصاد السوق تشجع على تحرير الأسعار والخضوع إلى قانون الطلب والعرض، وأصبح المال هو الوسيلة الوحيدة المتداولة في السوق بين المهنيين والتجار، دون الاكتراث بمعاناة العائلات والأفراد والمستهلكين فالمعاملات التجارية الحالية التي غيرت سلوك التجار والبائعين أثرت سلبا على الجانب الاجتماعي للمواطن. هذا الأخير الذي يصطدم بواقع صعب بداية من الدخل الشهري الذي لا يلبي حاجيات عائلته، وهنا يقودنا الأمر للقول من يحمي المستهلك من غلاء الأسعار في الوقت الذي يتحجج فيه ممارسي هذا النشاط بقواعد السوق الجديدة، ويتسترون خلف اقتصاد السوق، لا يشك أحد بالمجهودات التي تقوم بها الدولة في مجال مراقبة السلع ومطابقتها للمواصفات والمعايير من خلال أعوان مديرية التجارة، لكن يبقى ملف الأسعار غير مطروح على طاولة الجهات المعنية، إلا بمنظور تدعيم الدولة للمواد الاستهلاكية الواسعة، لكن هذا الأمر لا يكفي لتحقيق الحماية التامة للمستهلك، مادام أن التجار هم من يقررون هوامش الربح ويحتكرون الأسعار في الأسواق ويبقى المستهلك دون خيار، هذا الأخير الذي يعتبره قانون 89/02 بالطرف الضعيف في العلاقة العقدية بينه وبين التاجر، فالأسعار المتداولة في السوق لا تبعث بالارتياح كونها تفوق قدرة الدخل المتوسط والمحدود ، فعلى سبيل المثال نجد أن أسعار الخضر والفواكه مرتفعة وستعرف المزيد من الارتفاع بمناسبة عيد الأضحى المبارك، فالبطاطا لا يقل ثمن الكيلوغرام الواحد منها عن 40 دينارا والطماطم ب 70 دينارا والفاصوليا الخضراء ب 120 دينارا، أما الفواكه فأدنى سعر لها لا يقل عن 100 دينار، كما أن أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء وحتى الأسماك هي بعيدة المنال بالنسبة للمواطن البسيط، فالكيلوغرام الواحد اللحوم البيضاء يتراوح ما بين 350 و450 دينارا في حين أن الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء لا يقل عن 1000 دينار، فهذه الأسعار تقريبا متفق عليها بين تجار ولاية بجاية، وهذا يعني أنه بلغة الأرقام أن عائلة ذات 5 أفراد تحتاج في المعدل إلى حوالي 35000 دينار لتلبية حاجياتها من المواد الاستهلاكية العادية دون الكماليات، أما إذا أضفنا مجموعة الفواتير الخاصة بالاستهلاك الشهري للماء والغاز والكهرباء، فالأمر سيصبح صعب الاقتناع والاستغراب. لذا فإن سكان ولاية بجاية يطالبون من الجهات الوصية القيام بدراسة اجتماعية واقتصادية معمقة، للوصول إلى معرفة الواقع الاجتماعي للعائلة الجزائرية، قصد حمايتها وتحسين إطارها المعيشي، ولا يختلف اثنان بأن الدولة بذلت مجهودات مضنية في هذا المجال، وسارعت إلى رفع مداخيل العمال بشكل غير مسبوق، لكن تبقى بعض الجوانب الثانوية لها تأثيرها السلبي على الاستقرار الاجتماعي كحماية المستهلك من جنون ارتفاع الأسعار من خلال فرض استقرار للأسعار من قبل الدولة، حتى يبقى المواطن يعيدا عن الغش والمضاربة والاحتكار وغيرها من السلوكيات التي من شأنها أن تعكر صفوة الحياة اليومية للمواطن.