تحرير المنتوج الوطني وعملية تسويقه وتوفير المناخ الملائم للمؤسسات، خارطة طريقي... أكد وزير التجارة، مصطفى بن بادة، أن عملية استيراد اللحوم الطازجة من السودان لم تلغ كما يعتقد الكثيرون، وإنما هناك جوانب إجرائية ينتظر استكمالها منحنا تراخيص استثنائية للتجار المتنقلين لتسويق الخضر في رمضان لكسر الأسعار شكوى مصر من إلغاء الإعفاءات الجمركية غير مبررة، وهو إجراء قانوني يحمي الإقتصاد الوطني ولم يستبعد استيراد أول دفعة من لحوم السودان في مطلع العام القادم، وأشار إلى صلاحية اللحوم الهندية التي رخصت الدولة باستيرادها بهدف تكسير الأسعار في اجتماع لمجلس وزراء. وأضاف الوزير، في حوار خص به يومية “الفجر”، أن وزارة التجارة منحت للتجار المتنقلين تراخيص استثنائية لتسويق الخضر خلال شهر رمضان في الأحياء بهدف تقويض جشع التجار وخلق التوازن. في البداية، معالي الوزير، ونحن عشية حلول شهر رمضان، هل لكم أن تحدثونا عن الإجراءات المتخذة من طرف وزارة التجارة لقمع الغش، باعتباره هاجسا يطارد الصائمين في شهر الرحمة؟ مصطفى بن بادة: في الحقيقة، تهتم وزارة التجارة بمراقبة الممارسات التجارية، وقمع الغش، حيث يحرص أعوان الرقابة على تجنيب المواطن عملية المضاربة واحتكار المواد وتخزينها على مستوى المخازن، كما يحرصون على أن تكون الممارسات التجارية وفق السجلات التجارية وبطرق قانونية من خلال الاعتماد على الفوترة وتوفير شروط النظافة والعناية بصحة المستهلك. ولقمع جميع أشكال الغش، الذي يتفنن فيه عدد لا بأس به من التجار “عديمي الضمير”، لابد من إشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام لترسيخ بعض المفاهيم والتحسيس بالدور الفعال الذي قد يلعبه المواطن للقضاء على غش ومساومات التجار. وفيما يتعلق بالإجراءات المتخذة من طرف وزارة التجارة لمحاربة هذه الظاهرة فهي إجراءات عديدة ومختلفة تصب جميعها في خانة تعزيز الرقابة، وذلك من خلال تكثيف الفرق المتنقلة التي يبلغ عددها في الحالات العادية نحو 800 فرقة، إلا أنه قبل شهر رمضان ضاعفت الوزارة هذا الرقم ليبلغ عدد الفرق نحو 1600 فرقة، إلا أنه خلال شهر رمضان سنجد نحو 1200 فرقة مكونة من عونين عملية في مختلف الأوساط التجارية. ولتدارك النقص في عدد أعوان الرقابة، اهتدت الوزارة إلى استدعاء جميع الموظفين الذين يملكون صفة المراقب ويعملون داخل الإدارات من أجل ضمان العمل الميداني، وأعترف أنه رغم كافة الجهود إلا أن عدد الأعوان يبقى غير كاف لضمان رقابة فعالة، لذا تم تسطير برنامج توظيف فعال خلال البرنامج الخماسي لنحو 7000 عون، وسيتم توظيف 1000 عون قبل نهاية العام الجاري، في حين ستعمل الوزارة على توظيف نحو 1500 موظف سنويا ابتداء من 2011 إلى غاية 2014. ومن بين التدابير المتخذة لمكافحة الغش، بادرت الوزارة بوسائل وأجهزة جديدة تستخدم في التفتيش، حيث زودت الفرق بحقائب أجهزة للمراقبة الفورية تشمل “ترمومتر” لقياس حرارة أجهزة التبريد، وجهاز جديد تم اقتناؤه مؤخرا لاختبار صلاحية الزيوت المستخدمة على مستوى المطاعم ومحلات الوجبات السريعة بهدف حماية صحة المستهلك. إلا أن عملية الرقابة يواجهها مشكل لوجستيكي حقيقي نتيجة قلة وسائل النقل التي تضمن تنقل الأعوان. ولاستدراك الموقف، أبرمت الوزارة اتفاقا مع السلطات المحلية لتوفير وسائل النقل ليلا ونهارا، لأن الجديد هذه السنة هو تعزيز فرق الرقابة خلال الفترة المسائية، وهو ما لم يكن موجودا في السنوات الماضية، لأن النشاط التجاري ينتعش خاصة في الفترة المسائية طوال شهر رمضان، لاسيما وأن الشهر الفضيل تزامن وموسم الاصطياف، ما يوحي أن الإقبال على المحلات ليلا سيكون قياسيا بالمقارنة مع باقي السنوات. كل سنة تتظاهر تحركات المجتمع المدني، بمن فيهم اتحاد التجار والفلاحين، وزارة التجارة، وزارة الفلاحة، وتتعدد المراسيم والمناشير للتحكم في أسعار المواد الغذائية، إلا أن فعالية هذه الأخيرة تبقى محدودة، بالنظر إلى الارتفاع الجنوني الذي تعرفه الأسعار في كل شهر رمضان، فما هي الآليات المعتمدة من طرف وزارة التجارة لضبط الأسعار؟ رغم اختلاف القوانين والمراسيم الهادفة إلى ضبط الأسعار، لم يتم إلى حد الساعة اعتماد قانون لتسقيف الأسعار، لأنه في الأسواق تبقى السلع خاضعة لقانون العرض والطلب، وحتى في قانون المنافسة الذي نوقش في البرلمان مؤخرا تم الإبقاء على هذا المبدأ الذي يجب أن يحترم الأسس القانونية ويكون مبنيا على الشفافية والنزاهة. ولكسر المضاربة خوّل قانون المنافسة - الذي ينتظر صدور نصوصه التنظيمية في الجريدة الرسمية - للدولة حق التدخل لضبط الأسعار في حالة تجاوز المضاربة حدود المعقول وتسببت في ارتفاع جنوني للأسعار، والتدخل في هذه الحالة يكون على أساس التنسيق بين القطاعات المعنية وليس وزارة التجارة فحسب، وعلى رأسها الغرف المهنية التابعة لوزارة الفلاحة، وكذا الاتحاد العام للتجار والحرفيين، بحيث يتم تحديد أسعار المنتجات الفلاحية سنويا من خلال الإطلاع على تكلفة الانتاج بداية بسعر البذور، الأسمدة وغيرها، ثم تضاف إليها قيمة هامش الربح محدد من طرف الدولة. وبخصوص ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية خلال شهر رمضان، لا يجب تغييب دور المستهلك في ذلك بسبب نسبة الاستهلاك التي تكون قياسية خلال شهر الصيام، بحيث نجد المستهلكين على استعداد لاقتناء مختلف المنتجات بغض النظر عن أسعارها، ما يتيح فرصة حقيقية للتجار لرفع الأسعار، ولضمان تموين السوق بالمواد الغذائية اللازمة، عقدت لقاء في 22 جويلية الماضي مع الممونين بالمواد الأساسية غير الفلاحية، سواء المنتجين المحليين أو المستوردين، للتأكد من وفرة المنتجات. بالنظر إلى الجدل الكبير الذي أثير بشأن “اللحوم الهندية” وتوافق ذبحها مع الشريعة الإسلامية، هل فكرتم في إطلاق حملة تحسيسية مع المصالح المعنية لحث المواطنين على اقتنائها؟ إطلاق الحملات التحسيسية لتسويق سلعة معينة لا يندرج ضمن صلاحيات وزارة التجارة لأنها ستتحول إلى حملة إشهارية، ومسألة اللحوم الهندية تعد من اختصاص وزارة الفلاحة، وقد أكدت هذه الأخيرة أن وفد البياطرة المبعوث إلى الهند، تأكد من سلامة اللحوم الصحية وعملية الذبح التي توافق الشريعة الإسلامية، وهو نفس ما ذهب اليه مدير شركة تحويل وتعليب اللحوم المسؤولة عن الصفقة، كما أظهرت التحاليل المخبرية التي أجراها خبراء معهد باستور خلو هذه اللحوم من أي بكتيريا ولا تشكل أي خطر صحي، ولا يجب أن ننسى أن الهند تحصي أكثر من 320 مليون مسلم وبطبيعة الحال فهم يقتنون لحوما مذبوحة وفق الشرع. ما هو تفسيركم لتحول الجزائر من عملية استيراد لحم العجل من السودان إلى استيراد لحوم الأبقار من الهند، رغم أن السودان بلد إسلامي لا يطرح مشكلة الذبح، فضلا عن تكلفة النقل المنخفضة عن تكلفة النقل بين الهند والجزائر، خاصة وأن دول الخليج، سوريا ولبنان تستورد بصفة منتظمة لحوم السودان؟ صفقة استيراد اللحوم من الهند تقع على عاتق وزارة الفلاحة، إلا أن هناك تداخلا في القضية من حيث الأسعار، وحسب المعلومات التي بحوزتي فإن مسألة استيراد اللحوم من السودان لا تزال مطروحة ولم يتم إلغاؤها، كما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام، والعائق الوحيد الذي يواجه الصفقة هو عائق إجرائي يرتبط بانعدام اتفاقية صحية بين الجزائر والسودان، وهو ما يتطلب تبادل وفود بيطرية وورشات عمل متبادلة للوقوف على طريقة التربية والذبح إلى غاية طريقة التعليب والتصدير، وبمجرد الانتهاء من هذه الإجراءات ستستورد الجزائر اللحم السوداني مع مطلع 2011. وبخصوص دول الخليج وباقي الدول العربية التي تستورد اللحوم الطازجة والمجمدة من السودان، فهي بادرت قبل مباشرة عملية الاستيراد أولا ببعث استثمارات في مجال تربية الأغنام، لذا فهي تعرف جيدا طبيعة اللحوم السودانية، أما الجزائر فلا تملك إلى حد الساعة استثمارات في هذا القطاع الحيوي بالدولة الشقيقة، باستثناء وعود أحد الخواص، الذي أكد نيته في الاستثمار في مجال تربية المواشس بالسودان في مطلع العام المقبل. هاجس جنون أسعار اللحوم البيضاء يطرح كل مرة هو أيضا، وعلى الجدل الذي أثاره استيراد اللحوم الحمراء، فإن عملية توفير اللحوم البيضاء المجمدة بسعر 250 دج للكيلوغرام الواحد خلال شهر الصيام لكسر ارتفاع الأسعار اعتبرت غير موضوعية، ألا ترون سيدي الوزير أن هذا السعر مرتفع مقارنة مع معدل أسعار السوق والقدرة الشرائية للمواطنين؟ السعر الذي تم تحديده للحوم البيضاء المجمدة، يراعي سعر الشراء، تكاليف التخزين وهامش الربح، وهو ما يجعله سعرا معقولا جدا مقارنة بسعر اللحوم البيضاء الطازجة التي قد تتجاوز خلال شهر رمضان 300 دج للكيلوغرام الواحد. بما أننا نتحدث عن الترتيبات التي اتخذتها وزارة التجارة قبيل شهر رمضان، يفرض الحديث عن التجارة الموازية التي تنتشر بشكل رهيب خلال هذه الفترة من السنة نفسه، هل لكم سيدي الوزير إبراز الآليات المتخذة على مستوى وزارتكم لمكافحة هذه الظاهرة؟ لمكافحة التجارة الفوضوية، وجهت تعليمة إلى السادة الولاة لمحاربة كافة أشكالها، وتبقى مهمة القضاء عليها من صلاحيات السلطات المحلية التي تملك القوة العمومية، كما شددنا على المسؤولين المحليين على عدم منح التراخيص للنشطات الظرفية كبيع “الحلويات الشرقية” خلال شهر رمضان، حيث قررت الوزارة تضييق الخناق على التجار الموسميين، إذ لا يمكن لأي تاجر الحصول على ترخيص من طرف البلدية دون امتلاك سجل تجاري ومحل مما يضمن صحة المستهلك. إلا أن الوزارة رخصت استثناء تجارة الخضر في الأحياء من طرف التجار المتنقلين لكسر الأسعار والقضاء على جشع التجار الذين لا يراعون القدرة الشرائية للمستهلك. احتجت مصر مؤخرا على تراجع الجزائر عن قرارها بخصوص إلغاء إعفاء نحو 2000 سلعة عربية من الرسوم الجمركية، في إطار المنطقة العربية للتبادل الحر، وذهبت إلى حد إيداع شكوى بجامعة الدول العربية، للضغط الجزائر، ما هو تعليقكم على الموقف المصري؟ يرخص ميثاق المنطقة العربية للتبادل الحر لأية دولة عضو اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الاقتصاد الوطني، فالجزائر بقرارها إعفاء بعض السلع العربية من إلغاء الرسوم الجمركية لم تخرج عما هو متفق عليه في بنود اتفاقية الانضمام، وعقب احتجاج بعض الدول، بما فيها مصر، أوضحت الجزائر أن الإجراء المتخذ يهدف إلى حماية بعض المؤسسات التي واجهت خطر الإفلاس، خاصة وأن الجزائر خرجت لتوها من محنة سياسية، اجتماعية واقتصادية دامت لأكثر من 10 سنوات، ولا تزال صناعاتها ناشئة، فلا بد من إعطاء فرصة للصناعيين الجزائريين لبناء قاعدة صلبة قادرة على المنافسة العالمية والعربية، وقد تفهمت الدول العربية أن القرار جاء نتيجة لرغبة الحكومة في الحفاظ على مناصب الشغل وإنقاذ الصناعات المهددة بالزوال بالشكل الذي يخدم الاقتصاد الوطني. تعيش الجزائر مرحلة من البحبوحة المالية واستقرار في الموازنات ونمو اقتصادي، في الوقت الذي تعاني كبريات الاقتصادات العالمية من آثار الأزمة المالية العالمية، ورغم موضع القوة هذا الذي تعيشه الجزائر، إلا أنها لم تتمكن إلى حد الآن من الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، كيف تفسرون ذلك وأنتم المسؤول الأول عن قطاع التجارة في الجزائر؟ الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة يأتي كخلاصة لمسار من المفاوضات، والجزائر أكدت رغبتها في الانضمام وأجابت عن الأسئلة ال96 المقدمة من طرف الاتحاد الأوروبي، إلا أن الاختلاف بشأن بعض القضايا حال دون إمكانية التوقيع على اتفاقية الانضمام، ولعل من أهم المشاكل التي تواجه الجزائر في هذا الإطار هو تمسك دول الاتحاد الأوروبي بأكبر تخفيض للرسومات الجمركية، وهذا ما ترفضه الجزائر، لأن إلغاء الرسوم الجمركية أو تخفيضها يعني اكتساح المنتجات الأوروبية للسوق الوطنية، ما سيؤثر على المنتوج المحلي. في الأخير سيدي الوزير، نود أن تحدثنا عن الأفكار والرؤى الجديدة التي جئتم بها إلى وزارة التجارة، المعروفة بمشاكلها وارتباطها المباشر بالمواطن، خلافا لوزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعة التقليدية التي تتعامل مع مهنيين وإدارات عمومية ومؤسسات خاصة؟ في الواقع، انتقلت من قطاع اقتصادي يعتني بشؤون المؤسسة الصغيرة والمتوسطة، وأدرك جيدا ما هي احتياجات المؤسسات، لأنه لنجاح أية مؤسسة لابد من توفير مناخ ملائم سواء على الصعيد المالي، الإداري، أو حتى الصعيد العلمي والتكنولوجي من خلال توفير الجامعات ومراكز البحث، كما تعد المنافسة حركية وديناميكية حقيقية لأي منافسة مما يدفعها للإبداع والجودة بشرط أن تكون منافسة شريفة مبنية على أسس إنتاجية وتسويقية، وقطاع التجارة له دور أساسي في إرساء هذه القواعد لتهيئة محيط ملائم لنشاط المؤسسة. ولعل أهم فكرة أريد تكريسها بحكم أني أرأس قطاع التجارة، هي تحرير المنتوج الوطني وتسهيل عملية تسويقه من خلال تفضيله على المنتوج الأجنبي وإعطائه الفرصة لاكتساح الأسواق الداخلية والعالمية، وتوفير المناخ الملائم للمؤسسات، وخاصة حمايتها من غزو المنتجات المقلدة التي تأتينا من الخارج، ولا نعلم مكوناتها أو تكلفتها الحقيقية.