عندما تشارك فريق الاستعجالات الاجتماعية للجزائر في إقناع المتشردين للذهاب إلى مركز الاستقبال والتوجيه الخاص بهم، بين أزقة وشوارع العاصمة ليلا، سوف تجد نفسك تفكر في أمرين، الأول مرتبط بحجم العاطفة والصبر التي تحتاجها هذه الفئة لمساعدتهم على كسب ثقتهم في كل مرة، لاتخاذ قرار الاستقرار والعمل وممارسة الحياة بشقيها القاسي واللين، عن طريق بث الأمل بأسلوب بيداغوجي مبني على الاتصال وإذابة جليد الوحدة التي يشعر بها المتشردون في لياليهم الطويلة. والأمر الثاني متعلق بحاجة الأطفال المتشردين إلى قانون صارم ودقيق يحميهم من عبث الأولياء ذنبهم الوحيد في حياة الشارع أن الكبار هم أصحاب القرار ويقبلون بالعيشة المرة على حسابهم، خاصة وأن العديد من الأطفال يُستعملون كطعم لاستقطاب القلوب المحسنة في جمع المال. وبخصوص الأمر الأول، أنشأت الدولة منذ 2002 هيئة اجتماعية تسمى الاستعجالات الاجتماعية تابعة لوزارة التضامن والأسرة والجالية الوطنية بالخارج، تختص باستقبال وتوجيه المتشردين، يحمل هذا الفريق المتكون من أطباء واختصاصيين نفسانيين بذور الأمل التي يحاولون زرعها في قلوب اليائسين، فلكل قلب قصة محزنة انتهت به إلى العيش في الشارع وهو الذي لم يكن يدري أنه يأتي يوم تنقلب فيه الظروف عليه. الفريق يعرف جيدا هذا الأمر وعلى أساسه يقوم، بقيادة الدكتور عزازين محمد مدير الاستعجالات الاجتماعية للجزائر بالتقرب من هؤلاء، وكانت "المساء" قد نزلت معهم لتعيش التجربة. نهج خليفة بوخالفة، شارع العقيد عميروش، بور سعيد أماكن كانت كافية للوقوف على تشكيلة متنوعة من ضحايا المجتمع من النساء والرجال والأطفال والمعاقين والفقراء والبسطاء من جميع شرائح المجتمع، كلهم أجبرتهم تجاربهم في الحياة وفشلهم في مواصلتها على الركون إلى الشارع كملاذ لهم، لا يهمهم برد الشتاء بقدر ما تهمهم راحة البال التي يبدو أن بعضهم اعتقد خطأ أنها في التشرد! وتعرف ظاهرة التشرد تزايدا ملحوظا في شوارع العاصمة، بما تحمله معها من مآس اجتماعية، مثل التسول، الإدمان والدعارة، زيادة على ظاهرة تشرد المختلين عقليا، والتي تعرف تزايدا في السنوات الأخيرة، وما يلحقها من اعتداءات جسدية قد تنتهي بالموت. يقول الدكتور عزازين أن للمركز من الإمكانيات ما يمكنه من تغيير حياة هذه الفئة، وكان سببا في إنقاذ العديد من الشباب بمساعدتهم على الحصول على العمل بأجر يصل إلى 6000 دينار شهريا وبعقد قابل للتجديد إذا التزم الجدية في العمل، والحصول أيضا على التأمين من صندوق الضمان الاجتماعي، ويضيف الدكتور أن المركز عندما يدخله متشرد يبدأ بالاستحمام، ثم تعطى له ملابس جديدة، وتغسل ملابسه القديمة، يتناول العشاء، يعرض على طبيب عام ثم طبيب الأسنان، كما يستفيد من رعاية نفسية عالية المستوى بغرض كسب ثقته قبل أن تعرض عليه الإعانة التي يحتاجها، ويكون له الحق في الضيافة لمدة يومين أو ثلاثة وهي مدة كافية لتوجيه الشخص إلى عمل أوتكوين والأكثر من ذلك تمكينه من لقاء عائلته إذا توجب الأمر. وللوصول إلى هذا يوضح الدكتور أن العمل البيداغوجي المركز هو مفتاح إقناع المتشردين لمغادرة الشارع والتمتع بدفء العائلة، وتظهر نجاعة هذا العمل عند أول ابتسامة ترتسم على محياه، وهنا يحاول النفسانيون التقرب منه أكثر لمعرفة حقيقة معاناته ومهما كانت قصته، فإن الفريق يتكفل برفع معنوياته على طول الخط. معظم المتشردين الذين تم جمعهم في هذه الجولة يكتمون الكثير من الحقائق في البداية وبعد عدة مراحل يتبدد الغموض، وفي كل مرة يروي المتشرد قصته ثم يغيرها بعد لحظات، وتجده في بعض الأحيان يغضب ويصعّد من نبرة صوته، وهوالحال الذي شاهدناه مع (ش.ب) 74 سنة الذي وافق على مرافقة الفريق بعد إقناعه بأن المكان اللائق به هو المركز حيث يعرض على الطبيب، قال في البداية انه يعيش في الشارع لأنه لا يملك بيتا، ثم قال أن له مشاكل فرضت عليه ذلك وقال أيضا أن له بنتا وحيدة يذهب إليها في فصل الصيف فقط أما في الشتاء فإنه يختبئ في أحد أركان نهج خليفة بوخالفة، واختياره جاء بدافع أن الشهيد الذي سمي النهج باسمه تربطه به صلة قرابة غير مباشرة. الليلة التي كانت فيها هذه العملية كانت ليلة الخميس إلى الجمعة حيث شاهدنا مجموعة من النساء يستعددن أمام مسجد الرحمة ليوم الجمعة من أجل التسول، حيث تكثر الصدقات، ولهذا السبب رفضت كل النساء في تلك البقعة الذهاب إلى المركز، رافضات عرض الفريق بالعمل بأجر 6000 دينار حفاظا على كرامتهن، وذلك لأن مدخولهن من التسول في اليوم الواحد يساوي الأجر المعروض، وجدير بالذكر أن هناك رجلا كان في عين المكان أراد تمويه الفريق عن عمله وتدخل بكل الطرق للحيلولة دون ذهابهن لأنه على ما يبدو يستفيد من خدماتهن، وكانت إحداهن رفضت مطالب الفريق بالذهاب إلى المركز، وطلبت مجموعة من الأدوات المدرسية لابنها الذي لم ترد إظهاره وكانت عنفته وضربته لأنه أراد النهوض من مكانه أمام مسجد الرحمة، وهنا حدثنا عضو من الفريق أن هذه السيدة يحتمل أنها خبأت ابنها من زوجها أوعائلتها لذلك فهي تصر على عدم كشف وجه ابنها حتى أن وجهها كان ملثما مثل الأخريات، كما ثارت ثائرتهن عندما حاولت كاميرا التلفزيون الجزائري تصويرهن وهو ما يرجح الفكرة.
حماية الأطفال المتشردين مسؤولية من؟ الأمر الثاني الذي لفت انتباهنا هو وجود العديد من النساء المتشردات ممن يحملن أولادهن في الشارع ويفضلن المبيت تحت مداخل العمارات ويرفضن الاستفادة من خدمات المركز، وحججهن في ذلك كثيرة ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الشأن فأطفالهن مهددون بخطر الشارع، وأمام هذه الظاهرة يبقى إصدار قانون خاص بالأطفال أمرا ملحا حتى يتمتع الطفل بطفولته التي من المفروض أن تكون في اللعب والدراسة والعيش في دفء أسري مثله مثل كل الأطفال الذين يعيشون تحت رعاية واهتمام عائلاتهم، ولما كانت بعض العائلات تقصر في الاهتمام بهم يضطر الأطفال لعيش حياة التشرد، وأعوان وموظفو الإسعاف الاجتماعي لا يخول لهم القانون إجبار الأمهات أوالنساء المتسولات اللائي يستعملن الأطفال في التسول، على التوجه معهم إلى مراكز الإيواء، كما لا يمكنهم أخذ الأطفال منهن. وفي هذا الشأن، أكدت وزارة التضامن والأسرة والجالية الوطنية بالخارج أنه يتم حاليا على مستوى الحكومة العمل على وضع قانون خاص بالطفل، وكانت وزارة العدل قد رسمت الإطار القانوني له وتم فحصه من قبل مجلس الوزراء الذي قرر تأجيل البت فيه، لأنه يستوجب مشاركة كل الوزارات وليس وزارة التضامن فقط التي أوكلت لها مهام الأسرة. تجب الإشارة إلى أن الجزائر تعمل بجد على حل المشكل بعد انضمامها إلى منظمة الإسعاف الاجتماعي العالمي سنة 2007، وتمس ظاهرة التشرد كل الفئات والشرائح الاجتماعية، وكانت قد تبنت الآليات السبع التي يشتغل بها الإسعاف الاجتماعي في بقية الدول، ومنها إنشاء مراكز إيواء تدعى مراكز الإيواء الاستعجالي، والتي تقوم إلى جانب إيواء المتشرد بتشخيص أمراضه وحالته النفسية ثم تقوم بصفة تلقائية بتوجيهه إلى المركز المعني. وقامت الوزارة بفتح مركز الإيواء بالناصرية ولاية بومرداس وفتح مركز آخر ببلدية حجوط ولاية تيبازة.
الاستعانة بالمشردين السابقين يستعين مركز بئر خادم للاستعجالات الاجتماعية في خرجاته الميدانية بالمتشردين السابقين لدعم فريق الدكتور عزازين، وقد لمسنا حقا السلاسة في المعاملة بين المتشردين وكيف أن كل واحد منهم يجلب الثاني وهكذا، والأكثر من ذلك قدرتهم على استمالة بعضهم إلى قبول العمل أوالتكوين المقترح من طرف المركز، أما بالنسبة للمعوقين فإنهم يوجهون إلى مركز سيدي موسى للمعاقين وكبار السن. الرقم الأخضر وضعت وزارة التضامن والأسرة والجالية الوطنية بالخارج الرقم الأخضر 1527 تحت تصرف النساء ضحايا العنف، وأشخاصا يتكفلون بأطفال يتعرضون للعنف أوالخطر وكل من يحتاج إلى معلومات وتوجيهات تساعدهم للخروج من مشاكل يعانون منها أويحتاجون إلى توجيهات قانونية، وجندت خلية قانونية تضم مستشارين متخصصين في القانون لاجتياز الصعوبات التي يمرون بها، وعلاوة عن الرقم الأخضر فإن الخلية تستقبل الأشخاص يومي الإثنين والأربعاء بمقر المركز المتواجد بمجمع ديار الرحمة ببئر خادم، كما وضعت أرقاما هاتفية لأفراد الجالية بالخارج. تمكن فريق الاستعجالات الاجتماعية للجزائر منذ بداية الشهر الجاري من استقبال 57 شخصا، من بينهم 20 امرأة،31 رجلا وطفلة واحدة لا تتجاوز 12 سنة هربت من البيت بسبب الإهمال الأسري رغم أنها من عائلة ميسورة، ومراهق واحد. أما بالنسبة لشهر جانفي المنقضي، فتم إحصاء 90 شخصا، منهم 29 امرأة، 41 رجلا، 8 أطفال، و11 مراهقا.