تزايدت حدّة نُدرة بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع بشكل لافت في الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي تسبّب في ارتفاع غير مسبوق في أسعار عدد من المواد الضرورية من قبيل الحليب والفرينة وحتى الأدوية، وهو ما أرجعته مصادر مسؤولة إلى الإجراءات التي يجري التحضير لها على مُستوى الحكومة من أجل تسقيف أسعار بعض المواد التي يتزايد عليها الإقبال، وفي المُقابل تعزيز آليات الرقابة. تكرّرت ظاهرة عدم توفّر مواد استهلاكية توصف ب «الضرورية جدا» في يوميات الجزائريين، حيث لم تشفع التجارب التي مرّت بها الجزائر في السنوات القليلة الماضية في تجنّب سيناريوهات مُماثلة، والغريب في الأمر أن هذه النُدرة تكون لها تداعيات مباشرة على الأسعار وفق ما يقتضيه قانون السوق القائم على العرض والطلب، فقد عادت الظاهرة خلال هذه الأيام في ما يُشبه تماما سيناريو أزمة البطاطا التي سجّلت قبل عامين ارتفاعا قياسيا في الأسعار، حيث تجاوزت 90 دينارا للكيلوغرام الواحد. وعلى هذا الأساس فإن مشكل ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية يبقى هاجسا كبيرا يواجه المواطنين خاصة ذوي الدخل المتوسط والضعيف، باعتبار أن الزيادة لم تقتصر على فترة معينة بل بقيت تتكرر كل مرّة كان آخرها الشهر الحالي، وقد شملت الزيادات الجديدة مواد أساسية مثل الزيت والحليب، السكر، وامتدت حتى إلى المشروبات الغازية، حيث استغل التجار والمضاربون على السواء هذه الوضعية من أجل وضع تسقيف جديد للأسعار. وتزامنا مع هذه الوضعية تزايد تذمر المواطنين من الارتفاع المستمر للأسعار، فمثلا أصبح الآن سعر قارورة زيت المائدة ذات اللتر الواحد في حدود 140 دينار بعدما كان قبل أشهر قليلة لا يتجاوز 105 دينار، فيما ارتفع سعر كيس السميد ذات 10 كيلوغرامات إلى 450 دينار بعدما كان هو الآخر يُباع ب 400 دينار، كما حطّم السكر كل الأرقام حيث ارتفع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 90 دينارا إلى 110 دينار للكيلوغرام. وعند الحديث عن الفرينة فإن اللافت هو أن الندرة التي امتدت إلى هذه المادة الضرورية تخصّ الجزائر فقط وغير مربوطة إطلاقا بالسوق الدولية، فلا أسعار غبرة الحليب ولا أسعار الفرينة ارتفعت في الأسواق الدولية وهو ما يُؤكد بأن المُشكل يتعلق بالتنظيم الداخلي للسوق إلى جانب المُضاربة وكذا تعدّد الوسائط بين تاجر الجملة والمُستهلك، ومنه عدم تمكن السلطات المختصة في ضبط السوق والتحكم فيه، مثلما تأتي ندرة هذه المادة في وقت تطالب فيه الاتحادية الوطنية للخبازين بمراجعة سعر الخبز الذي حافظ على استقراره منذ 1996، وذلك إما عبر رفعه أو رفع نسبة تدعيم الدولة لهذه المادة. ويدفع هذا الواقع إلى طرح الكثير من التساؤلات بخصوص كيفية وضع إستراتيجية وطنية كفيلة بعدم تكرار ظاهرة الندرة ومعها ارتفاع الأسعار التي أصبحت موضة جزائرية، سواء تعلق الأمر بالمواد المعنية حاليا أو بمواد أخرى مُصنفة ضمن المواد الاستهلاكية الأساسية، ولذلك فإن مُراقبين يعيبون على الحكومة عدم تمكّنها من احتواء مثل هذه المشاكل في وقت قصير مثلما هو الشأن بالنسبة إلى مشكل ندرة أكياس الحليب الذي مسّ جل ولايات الوطن ودام حوالي شهر واحد دون أن يجد طريقه إلى الحلّ حتى الآن. وبموجب ذلك باتت الحكومة مُطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بالتدخّل العاجل من أجل تحديد المواد الاستهلاكية الضرورية التي ستشملها إجراءات تسقيف الأسعار، وبحسب ما علمته «الأيام» من مصادر مسؤولة فإن العمل يجري حاليا على مستوى الجهاز التنفيذي من أجل إقرار إستراتيجية جديدة لتفادي الندرة ومن ثمّ مواجهة الارتفاع المُستمرّ في الأسعار الذي يخضع غالبا إلى المزاج والمُضاربة، ومن شأن إجراء مثل تعزيز آليات المراقبة في السوق إنهاء هذه الأزمة التي أعادت إلى أذهان الجزائريين الاحتقان الذي شهدته البلاد أواخر ثمانينيات القرن الماضي.