تتجنب المرأة الحديث عن سنها فالسؤال عنه ومحاولة معرفة كم بلغت من العمر الذي لا تريد أن يمشي به الزمن ولا أن تتحرك فيه عقارب الساعة، تعتبره تدخلا سافرا ترفضه وترفض الإجابة عنه، فالمرأة تريد أن تبقى دائما يافعة الشباب، مادام الشباب تاج الجمال الذي يبهر الرجل ويجعلها تتربع على عرش قلبه. إن كانت بعض النساء على قلتهن، يعتبرن التقدم في العمر وقارا وشهادة نضج، فإن الكثيرات يرفضن هذا «الماكر» الذي تشوه تجاعيده قسماتهن الحلوة ويفتح لهن أبواب المتحف العتيق على مصراعيها، فباعتقادهن ما عدن لا ساحرات ولا مرغوب فيهن، لتتعاظم المحنة أكثر، بعد ولوج سن اليأس الذي ينتهي معه عطاءها كأنثى ولود، فهل فعلا سن اليأس بداية النهاية للمرأة؟ وهل يمكن أن تتجاوز إحساسها بالعقم اتجاه الحياة؟
لا بنين ولا بنات..وشبح بداية النهاية فالمرأة قد تتقبل أي سؤال، حتى وإن كان يتعلق بأدق خصوصيات حياتها، إلا أن يغامر أحد بالسؤال عن سنها، فقليلات جدا من الناضجات والقانعات من لا يتحرجن من الإجابة ويتعايشن مع الواقع ومنحن، لكل فترة من العمر حقها، لكن تصر الكثيرات على أن لا تشفين غليل الفضوليين والمتلصصين، الذين ينقبون في مناطق محرمة، فبدملوماسية كبيرة جدا وبذكاء أكبر، تتهرب من الإجابة التي ترفضها حتى بينها وبين نفسها ويخدمها كثيرا ما هو متعارف عليه بين الناس بأن سؤال المرأة عن سنها سلوك شاذ غير محبب تماما، فتكتفي فقط بتذكيرك بما هو متعارف علية بابتسامة عريضة أو ضحكة كبيرة وبكل تأكيد لن تخلق الاستثناء ولن تبحث عن التميز في ما ينغص عليها راحة بالها، سلوك لا تقدم عليه فقط من تقدمت بها السنون، دون أن تؤسس أسرة تحقق بها ذاتها وتنجب أطفالا، تثبت بهم وجودها وقدرتها على حمل أقدس رسالة في الكون، بل حتى من تقدم بها السن فعلا وكونت أسرة ترفض الإفصاح عن عمرها، الذي يذهب جمالها، ما دام الشباب روح الجمال ومادام الكل يحب الشباب، عنفوان الحياة، فجاذبيتها وبريقها قد تفقدهما والأدهى أنه حتى زوجها قد يهجرها لأخرى، تصغرها سنا مادام السن لا يعيب الرجل ولن يحول بينه وبين الزواج بأخرى أصغر يجدد معها شبابه، بعد أن تتجاوز المرأة الخامسة والأربعين، تحاول أن تقنع نفسها مع الأيام الأولى، أنها لم تبلغ سن اليأس الذي تطرده حتى من تفكيرها وتنتظر عل الله يكرمها لكن يمضي شهر، شهران، ثلاثة ...ولا جديد يذكر، تزور طبيبة النساء، طلبا لتفسير وبحثا عن علاج، لتصدمها حين تؤكد لها، أن ما يحدث أمر طبيعي في سنها، ليزيد همها أكثر، فالتجاعيد لم تعد وحدها تؤرقها وتجهر بحقيقة سنها، فحتى سن اليأس، قد خط هو الآخر شهادة ميلاده، تماما مثلما خط يوما ما شهادة بلوغها، وكم يصعب على الكثيرات تقبل الأمر، خاصة مع الأشهر الأولى، التي تتأزم فيها نفسيتها، لاسيما إن لم تجد دعما من زوجها، الذي يوقد في نفسها من حيث لا يدري الشعور ببداية النهاية، فيكثف من نقده خاصة في ما يتعلق باللباس والتزين، "فمع سنك ما عادت المساحيق تفعل لك شيئا وما عاد التبرج يناسبك"، فكأنه يقول ما تقدمين عليه "ابتذال وتقليد لبناتك لا غير"، لتدخل فعلا مرحلة من اليأس، ولتأتي ردة الفعل سريعا وبالسلب عند الكثيرات، فإن رضت بعضهن بالواقع وتقبلنه وأبدين حتى احتراما لهذه السنين الطويلة، التي يؤكد فيها سن اليأس وما يحملن من تجاعيد، على ما خبرن في الحياة، لأنهن ببساطة واثقات، أن كل خط تجاعيد يحكي قصة تجربة ويروي خبرة حياة و قصة محنة، فيكفيها فخرا ما أنجبت من بنات وبنين، لكن الكثيرات ينتكسن ولا يتقبلن بتاتا الأمر الواقع ويرفضن أن يعترفن آو حتى «ينهزمن»، ليبدأن رحلة البحث عما يرفع عنهن الإحساس بالنهاية.
لا يأس مع سن اليأس منذ أن أخبرتها طبيبتها، أنه بعد رحيل الحيض، ما عاد بإمكانها الإنجاب وهي ليست على ما يرام، فما تحمل من سر ترفض أن تحدث به غير المرأة، التي تواسيها حينا وتصدمها حينا آخر، حتى زوجها لا تريد أن يشاركها ما تشعر، وكيف تجرأ وكل الخوف أن يجافيها وأن لا يتقبل وضعها الجديد، فسن اليأس قد طرق بابها وبعد سنوات قليلة جدا، لن تبقى كما كانت جميلة وحيوية والأدهى أن زوجها على قدر كبير من الوسامة والجاذبية، ومن المؤكد أنه سيبحث مع الأيام عن امرأة أخرى، بعد أن بدأ العد التنازلي لجمالها، فالرجل كما تؤكد وكما تعلمت من تجارب بعض صديقاتها لا يهمه ولا يبحث إلا عن الشباب والجمال وأن حيلة من يدعون الزهد وإيثار جمال الروح على الجسد لن تنطلي عليها، لذلك لن تنتظر حتى يحل بها الأسوأ، وأن ينهار جسدها وتمكن اللعين منها، خاصة وأن الطب عجز عن إيجاد دواء يجدد الشباب ويعيد نظارته، لكنه وفر ما يرممه، فعمليات التجميل تفي بالغرض، وفعلا طرقت باب التجميل وأجرت عملية شد للوجه، أعادت بها الثقة لنفسها ورغم أنها في 47 من عمرها، إلا أن مظهرها يوحي بأنها أصغر بكثير وما أبهجها أكثر أن زوجها والمحيطين بها، أكدوا لها أنها أصبحت أجمل وأكثر شبابا، ما ساعدها كثيرا على تجاوز محنتها ولملمة جراح نفسيتها. حل تلجأ إليه الكثير من النساء اللواتي يرفضن أن يستسلمن لسن اليأس الذي يسرق شبابهن ويفتح الباب على مصراعيه لتنال الشيخوخة منهن، لتكون حقنة «بوتوكس»، حقنة الرحمة التي تخفف الكثير من معاناتهن، فهن قررن رفع شعار «لا يأس مع سن اليأس».
تقليد..من السيئ إلى الأسوأ
رحلة البحث عن حل لسن اليأس الذي ترى فيه الكثيرات كابوسا لا مهرب منه، لن تتوقف عند عمليات التجميل التي استفحلت بشكل كبير عند النساء ولم تعد مقصورة فقط على الفنانات والنجمات بل نساء العامة هن الأخريات أصبحن يزاحمنهن ويغترفن من تقدم الطب وينهلن مما توصل إليه لتجاوز مشاكلهن وأزماتهن العضوية منها والنفسية، وإن كان هذا الحل مستحب وغير مستهجن عند الكثيرين، فإن بعض النساء يبالغن في تصرفاتهن لدرجة قد تهدر فيها كرامتهن وبدل البحث عما يجلب لهن نظرات الإعجاب، يقطفن نظرات كلها شك وريبة وحتى اتهام، فبعض النساء يبالغن بدرجة كبيرة في العناية بالمظهر، ويلبسن رداءا لم يتعودوا عليه وحتى طريقة التبرج تصبح أكثر من جريئة ويتهمهن الجميع بأنهن يعانين من مراهقة متأخرة، دون معرفة أو البحث عن السبب الحقيقي للتغير المفاجئ الذي طرأ عليهن وعما يبحثن من وراء لباسهن المغري الجديد، الذي ما ألفنه حتى وهن صغيرات أو تزينهن الصارخ الذي يواكب الموضة في ألوان الشعر وتسريحاته، لتبدأ الشكوك تحوم دون أن يدرك أحد، أن ما يحدث لا يعدوا بحثا عما يضمد الجراح وأن لباسها الجديد يعزيها، فهي لا تريد إلا أن تقول، أنها لا تختلف عن صغيرات السن وأنه بإمكانها أن ترتدي مثلهن، لكن المؤسف أن هذا الحل لا يأتي في الكثير من الأحيان بثماره، خاصة في مجتمع يزيد من معاناتها وبدل أن يصحح سلوكها. وضع ترى بينها وبين نفسها، أنه غير سوي، إلا أنها تزيده سوءا وتعمق الهوة أكثر بينها وبين زوجها وحتى بينها و بين محيطها، لتكون ضحية عدم تقبلها لوضعها وحتى ضحية اختياراتها الخاطئة .
بعيدا عنهم..أوقدي شموعك
هل يمكن أن تقنع المرأة، زوجها أو المجتمع بما ترفض أن تقتنع به هي أصلا؟ وهل يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟ بهاذين السؤالين بدأت السيدة فتحية، الأخصائية النفسية بالحديث عن واحدة من أهم المشاكل النفسية التي تعاني منها بعض النساء اللواتي يرفضن فكرة التقدم في السن وأن يتحولن إلى أشجار لا تثمر، بعد أن هجرهن ربيع العمر خاصة وأن ثقافة الكثيرين، لا سيما من الرجال لا زلوا ينظرون إلى المرأة نظرة خاصة، لكن رفضها للواقع لن يغير من الواقع شيئا، فصيرورة الحياة تقتضي ما نعيشه ولا بدا أن تتعايش مع كل مراحل العمر وأن تكون ذكية وتحول سن اليأس إلى نعمة لا نقمة وأن تستثمر في مزاياه، بعد أن أصبحت مدرسة من الخبرات والتجارب وأن جمال ليس وحده ما يحبب زوجها فيها، فسن اليأس بعيدا كل المزايدات، تاج النضوج وقبل أن تتصالح مع الناس وتقنعهم أن نجمها لم يأفل، يجب أن تتصالح مع نفسها وتقنعها أنها ما زالت جذابة ومحبوبة ومرغوب فيها، حتى لا تتحول حياتها إلى جحيم يحرق أقرب الناس إليها، خاصة زوجها، ولا إشكال أبدا إن بحثت عما يزيد جمالها ويوقد جاذبيتها، كعمليات التجميل التي تراها الكثيرات مسألة قناعات، لكن دون مغالاة ودون أن تكلف نفسها حتى لا تجد نفسها في مشاكل أخرى، كما تؤكد على أهمية دور الزوج في تجاوز ما تعيشه من تحول وما يمكن أن يخلفه وقع الخبر عليها أول مرة، فهو شريكها ونصفها الآخر وأكثر المعنيين بهذا التحول، أيضا تبقى استشارة الطبيب النفسي ضرورية، لتجاوز مخلفات الواقع الجديد أكثر من مهمة، فلا بد أن تتسلح بالإرادة وأن يبدأ الحل من داخلها وأن توقد بنفسها شموعها، دون أن تنتظر أن يوقدها الآخرون . فالكثيرات ينجحن في تجاوز عقبة سن اليأس، إذ ما أفرغنه من محتواه وقتلن شعور اليأس الذي قد يتسلل إلى قلوبهن ويدمر معنوياتهن ويدمر حتى محيطهن، فقبل البحث عن النجاح والتألق عند الآخرين، يجب البحث عن النجاح والتألق بالداخل والذي لا يأتي إلا بالتصالح مع النفس ونفض غبار الإهمال عن جمال الروح، الذي لا يضاهيه أي جمال، فوحده ينيرها ويجعلها أكثر إشعاعا وتألقا، فلكل سن جاذبيته ولكل مرحلة عمرية سرها ويستحيل أن تنتظر من غيرها ما ترفض أن تتقبله هي نفسها، فجمال الروح يصنع العجب ويقتل كل الأحاسيس الرهيبة التي تعكر مزاج حواء ويحرمها ذوق الأنوثة.