يُلاحظ من خلال حصاد سنة 2010 أن هناك نتائج عكسية سجلتها ظاهرة ومأساة الهجرة غير الشرعية بولاية عنابة ومفارقات غريبة للغاية، إذ يشير الواقع إلى أن الظاهرة خلال السنوات القليلة الماضية بدأت تعرف تراجعا محسوسا، لكن الغريب في الأمر هو التزايد الكبير للضحايا بسبب ظهور حراقة جدد على غرار الشيوخ، الرضع الأمهات العازبات وبعض الفتيات الحاصلات على شهادات جامعية، هؤلاء أقدموا كلهم على خوض مغامرات أو رحلات الموت عبر البحر الأبيض المتوسط متجهين نحو جزيرة سردينيا الإيطالية. القبض على 5 بارونات يهربون الحراقة في سياق موازي وبالرغم من تلقي عصابات تهريب البشر على متن قوارب الموت نحو الضفة الأخرى من حوض البحر الأبيض المتوسط، العديد من الضربات الموجعة خلال سنة 2010 تمثلت في نجاح قوات الأمن وفرق الدرك الوطني في إلقاء القبض على العديد من "البارونات" الذين يستغلون بعض الشباب البطال واليائس وإغرائه بالحرقة نحو الضفة الأخرى من الوطن الجزائري وأغلبهم يتجه نحو جزيرة "سردينيا" الإيطالية، وكعينة حية على ذلك فإن ولاية عنابة التي تعد النقطة أو المحطة الأولى التي تنطلق منها رحلات الهجرة غير الشرعية باتجاه الجزيرة المذكورة سلفا على مستوى الجهة الشرقية من الوطن، والتي شهدت خلال الثلث الأخير من العام الحالي تراجعا ملفتا للانتباه لرحلات الحرقة، بدليل تسجيل رحلة واحدة في منتصف شهر نوفمبر الماضي كانت مرة أخرى فاشلة، مقابل النجاح في إلقاء القبض على الرؤوس المدبرة والمخططة لمثل هذه الرحلات التي يحبذ بعض السكان تسميتها برحلات "الموت"، حيث تم توقيف 5 بارونات لتهريب البشر بولاية عنابة خلال النصف الثاني من سنة 2010. شيوخ ورضع ضمن قوافل الحراقة كما أن الحديث عن رحلات الهجرة غير الشرعية انطلاقا من سواحل مدينة "بونة" أخذ بعدا آخر خلال هذه السنة لأن حادثة يوم 7 أوت من سنة 2009 كانت خطيرة جدا بعد اصطدام زورق صيد تقليدي الصنع كان على متنه 24 حراقا جزائريا بالوحدة العائمة التابعة لفرق البحرية، وذلك بعد رفض الحراقة الانصياع إلى تعليمات وتوجيهات حراس السواحل، وهي الحادثة التي خلفت وفاة الشاب "ح.إكرام" البالغ من العمر 32 سنة مع تسجيل 10 جرحى في يوم يبقى استثنائيا بالنسبة لمصالح البحرية بولاية عنابة، والتي كانت قد طاردت 3 أفواج لقوافل الحراقة كانوا قد انطلقوا دفعة واحدة من شاطئ "الخروبة"، ولو أن تلك الحادثة المأساوية كانت الدافع الذي أدى إلى تشديد الرقابة على مستوى السواحل بأقصى الشمال الشرقي من الوطن، إلا أن الحصيلة التي أعدتها المجموعة الإقليمية لحراس السواحل بولاية عنابة، تشير إلى أن جحافل الحراقة سقطت تباعا في قبضة وحدات البحرية خلال سنة 2010، وذلك في ظل ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين تم إنقاذهم أو توقيفهم في عرض المياه الإقليمية إلى 618 شخصا من مختلف شرائح المجتمع، ولو أن هذه السنة كانت للطرائف بالنسبة لمغامرات "الحرقة" بدليل أن وحدات البحرية سجلت ضمن الموقوفين في عرض البحر شيخا في السبعين من العمر كان يريد الالتحاق بجزيرة "سردينيا" الإيطالية، كما أن الصغير "مهدي" الذي لم يكن يتجاوز الأربع سنوات من العمر يبقى أصغر "حراق" حيث كان برفقة أمه على متن قارب صيد تقليدي الصنع تم اعتراض مساره. وللفتيات أيضا نصيب في الحرقة فضلا عن تسجيل تزايد إقبال العنصر النسوي على مغامرات الهجرة غير الشرعية، حيث تم توقيف 23 فتاة ضمن أفواج "الحراقة" بسواحل ولاية عنابة، من بينهن أمهات، عازبات وحتى حاملات لشهادات جامعية حسبهم لم يجدوا مناصب عمل، هذا وحسب تصريحات بعض مسؤولي أمن ولاية عنابة، فإن موسم الهجرة غير الشرعية باتجاه جزيرة "سردينيا" الإيطالية كان فاشلا على جميع الأصعدة بالنسبة لمنظمي رحلات الحرقة أو ما يسمى برحلات "الموت"، حيث أن ثلاثة شبان من ولاية سكيكدة كانوا قد تسللوا خفية إلى مدخنة باخرة "هولندية" بميناء ولاية سكيكدة، لكن ولحسن الحظ أمرهم انكشف عند الوصول إلى ميناء ولاية عنابة، كما أن نوادر رحلات "الحرقة" كانت كثيرة ومتعددة هذا العام، لكن الأمور انكشفت في حادثة وقعت في عرض مياه البحر عندما رفض قائد الرحلة الانصياع إلى تعليمات حراس السواحل قبل أن يقدم مرافقوه من أبناء حييهم على الرمي بسبعة شبان آخرين كانوا معهم على متن نفس القارب في البحر والهروب، ولولا التدخل السريع لفرق البحرية لكانت عواقب الشبان السبعة وخيمة كون الحادثة وقعت في عرض المياه الإقليمية على بعد 7 أميال بحرية، بالموازاة مع ذلك فإن قضية "الحراق" الشاب "زين الدين" كانت صورة حية لواقع الحالمين بحط الرحال بجزيرة "سردينيا" الإيطالية، لأن هذا الشاب كان ضمن فوج فشل في رحلته البحرية على متن قارب صيد بعد السقوط في قبضة وحدات البحرية، لكن وعند إقدامه على طلب تعويض مبلغ ال 5 ملايين الذي كان قد دفعه كتكلفة للرحلة الفاشلة من منظم الرحلة كان عرضة لتصفية جسدية، وقد عثر عليه جثة هامدة تطفو فوق سطح البحر مع مطالبة عائلته بفتح تحقيق معمق في الحادثة وتوجيه أصابع الاتهام إلى بارونات الحرقة. القبض على 27 حراقا بشواطئ الولاية تمكّنت عناصر المجموعة الإقليمية لحرس الشواطئ بولاية عنابة من توقيف 27 حراقا، كانوا على متن قارب من صنع تقليدي على بعد 6 أميال بحرية شمالي رأس الحراسة، إلى أن توقيف هؤلاء الحراقة المنحدرين من ولاية عنابة، تم في حدود الساعة الواحدة ليلا إثر معلومات وردت إلى مصالح حرس الشواطئ، تفيد بخروج قارب من صنع تقليدي في رحلة هجرة غير شرعية نحو جزيرة "سيردينيا" الإيطالية، وعلى متنه 27 شخصا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، الأمر الذي استدعى من فرق حرس الشواطئ تكثيف عمليات مسح وتمشيط المناطق التي من المحتمل أن يكون هؤلاء الحراقة قد غادروا منها شواطئ عنابة، هذا وقد أسفرت عملية البحث لأكثر من ساعتين من طرف فرق حرس الشواطئ، عن توقيف هؤلاء الحراقة في وضعية مزرية، جراء ارتفاع الأمواج إلى علو يصل 03 أمتار، ما صعّب على عناصر حرس الشواطئ إنقاذ وإجلاء الموقوفين نحو اليابسة، بالإضافة إلى محاولة بعض الحراقة رمي أنفسهم في البحر ورفضهم العودة إلى الشاطئ، حيث حاول أحدهم إضرام النار في جسده، بعدما قام بسكب كمية من الوقود على جسده، ما سبب له حروقا بسيطة على مستوى القدم، ما استدعى نقله من طرف وحدة الحماية المدنية إلى المستشفى لتلقي العلاج. كما قدمت الإسعافات الأولية لجميع الموقوفين على مستوى مركز فرقة حرس الشواطئ بالميناء التجاري من أجل التأكد من سلامتهم، وقد استرجعت مصالح حرس الشواطئ أثناء تفتيش القارب كميات معتبرة من المواد الغذائية ودلاء معبأة بالوقود، ومن جهتها قامت فرق حرس الشواطئ بتحرير محاضر مخالفات جزائية ضد الموقوفين في انتظار إحالتهم في الساعات القادمة على وكيل الجمهورية لدى محكمة عنابة للفصل في وضعيتهم. 500 عائلة ما تزال تبحث عن أبنائها الحراقة من جهة أخرى فقد نجحت الفرق الأمنية في توقيف 5 أشخاص يعتبرون من الرؤوس المدبرة لرحلات الهجرة غير الشرعية وهي العملية التي انعكست بصورة مباشرة على سفريات الحرقة بسواحل عنابة والتي تراجعت كثيرا بعدما كانت الأشهر التسعة الأولى قد عرفت توافدا قياسيا فاق كل التوقعات، لتكون سنة 2010 سنة المفارقات في مغامرات "الحرقة" بتسجيل حصيلة قياسية من الموقوفين وكذا توقيف أكبر وأصغر حراق منذ بداية السنة ويتعلق الأمر بالرضيع "مهدي" الذي لا يتجاوز عمره الأربع سنوات والشيخ الذي تجاوز سن السبعين سنة محاولا بذلك الحرقة نحو الضفة الأخرى، إضافة إلى الحوادث المأساوية التي شهدتها الرحلات الفاشلة مع تلقي جحافل الحراقة لضربات موجعة من وحدات حراس السواحل بولاية عنابة، وتبقى مأساة الحراقة المفقودين منذ عام 2007، على فترات متقطعة بسواحل عنابة، قضية معقدة تحتاج إلى حل عاجل من السلطات الجزائرية، التي وجب عليها التدخل في هذه الأزمة وإنهاء مأساة نحو 500 عائلة، عبر عدة ولايات بشرق البلاد ووسطها، يتجرعون الآلام والمآسي بسبب فقدان أبنائهم، وعدم معرفة إن كانوا أحياء أم أموات، ويدعو هؤلاء ممثلي وزارة الخارجية ووزارة التضامن الوطني، إلى التدخل العاجل في هذه القضية، والعمل على إنهائها فورا من خلال فتح مكاتب عبر القنصليات للقيام بتحاليل ال "أ.د.أ.ن.أ"، والعمل على معرفة جثث مرمية بإيطاليا وأخرى مدفونة بتونس. مع الإشارة إلى أنه وبالرغم من التراجع المسجل في نسبة الحراقة القاصدين "إيطاليا" شرقا و"إسبانيا" غربا، خلال عام 2010، إلا أن ذلك لا يعني أن ظاهرة الحرقة قد اختفت، بل يعني أن التعزيزات الأمنية داخل البحر تزايدت، ومن ثم أصبحت فرص نجاح رحلات الحرقة نسبية، مما جعل الكثير من الجامعيين والفقراء والبطالين، يحجمون عن الهجرة غير الشرعية، لأنهم غير مستعدين لخسارة ما بين 5 إلى 10 مليون سنتيم، في رحلات تكون إلى أبعد مقياس فاشلة، ويتحين المئات من الشباب فرصا سانحة، خاصة في الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية، للقيام برحلات حرقة نحو الضفة الأخرى، تأخذهم من جحيم البطالة إلى جنة الفردوس كما يتوهمون.