جاء إقرار الحكومة في اجتماع مجلس الوزراء أول أمس لمشروع قانون يجرم ويعاقب الهجرة غير الشرعية، ليؤكد الضرورة الملحة للمرور إلى الحلول الردعية لهذه الظاهرة الخطيرة ذات الصلة المباشرة بمختلف أوجه الإجرام الأخرى، والتي انتشرت بشكل مخيف، ولم تتمكن كل الإجراءات الوقائية المعتمدة من كبحها. فقد وافق المجلس الذي ترأس اجتماعه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الأحد على تعديل قانون العقوبات بإدخال مواد جديدة تجرم الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الوطنية، بعقوبة تصل إلى السجن لمدة ستة أشهر، بينما تجرم الأشخاص المتواطئين والضالعين في هذه الحركة غير السرية وكذا المسؤولين عن شبكات "الحرقة" بعقوبات تصل إلى حد السجن لمدة 10 سنوات، خاصة إذا كان الضحايا قصرا أو في حالة تعرض المهاجرين للمعاملة للإهانة السيئة. كما تتضاعف العقوبة وتشتد في حال ارتكاب الجريمة من قبل شخص يستغل مهنته أو يستفيد من تسهيلات وظيفته أو من قبل عصابة منظمة أو باستعمال السلاح. وينتظر أن تعمل هذه التعديلات على سد الفراغ القانوني في معالجة قضايا الهجرة السرية في بلادنا، ولا سيما منها تلك التي تتم عن طريق البحر وتتجند للتصدي لها فرق حماية السواحل وقوات البحرية الوطنية. وتسعى الحكومة من خلال سن هذه التعديلات الجديدة إلى وضع حد لظاهرة الهجرة السرية التي استفحلت بشكل مقلق في السنوات الأخيرة، ولا سيما بسواحل شرق البلاد. وفي حين يبدي العديد من الخبراء والحقوقيين قلقهم من فكرة تجريم الشباب المهاجر بطريقه غير شرعية، معتبرين هؤلاء ضحايا لليأس من جهة ولشبكات تشجع على استفحال الهجرة السرية وتستغل ذلك في الاسترزاق من جهة أخرى، يتوقع أن يراعي التشريع الجديد كل الظروف الملمة بالظاهرة، حيث يرتقب تطبيق أحكام عقابية مخففة على الجانحين غير المسبوقين، قد تشمل الحكم بالأشغال ذات النفع العام عوض الحكم بالسجن. وقد سبق لرئيس الجمهورية أن حذر من مخاطر تفاقم ظاهرة "الحراقه" والانتحاريين في أوساط الشباب بسبب اليأس من المستقبل وانعدام الآفاق، وجدد في العديد من المناسبات دعوته للشباب للانخراط في حركة التنمية بكل أبعادها والسير فيها قدما من أجل إصلاح الواقع وتجاوز النقائص. كما حث في أكتوبر 2007 الحكومة والمسؤولين التنفيذيين على ضرورة اعتماد سياسة جديدة ومنسجمة لإدماج الشباب في المجتمع، مقدرا عدد "الحراقة" المعلن عنه حينها ب2400 فرد. واعتبر الرئيس في السياق أن السياسات الموجهة للشباب والتي اعتمدتها الدولة في السابق كانت دوما تفتقر للنجاعة والانسجام بسبب غياب الآليات العملية للتشاور والتنسيق بين مختلف الهيئات المكلفة بشؤون الشباب، ما ترتب عنه انزلاق هذه الفئة في أزمة حادة، مع فقدان الثقة في مستقبلها وفي أجهزة اتخاذ القرار. واتخذت الحكومة عدة إجراءات لمكافحة ظاهرة الهجرة غير شرعية، ولا سيما على صعيد العمل الوقائي الذي يشمل مبادرات ذات طابع اجتماعي للتكفل بالشباب، غير أن هذه المبادرات والتدابير الأمنية المتخذة للتصدي للظاهرة، لم تفلح في كبح العدد المتزايد من المترشحين لركوب البحر والمخاطرة بحياتهم. وتشير الأرقام القليلة المتوفرة لدى مصالح حراسة السواحل إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين تم توقيفهم منذ سنة 2005 والى غاية سبتمبر 2007 بلغ نحو 2340 فردا، بينما تم خلال نفس الفترة انقاذ 1301 مرشح للهجرة السرية من موت محقق في البحر. وبلغ عدد المهاجرين السريين الذين تم توقيفهم منذ بداية السنة الجارية، حسب المصدر ما يقارب 400 فرد، من بينهم 200 فرد تم توقيفهم خلال الشهريين الأخيرين ( جويلية وأوت). وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن حراس السواحل تمكنوا منذ يومين فقط من انقاذ 25 مهاجرا غير شرعي بكل من عنابة وتنس، وتم في ظرف أسبوع فقط إيقاف 133 مهاجرا غير شرعي، أغلبهم بسواحل ولاية عنابة، بينما حجزت المصالح منذ بداية السنة الجارية 27 قاربا استعمل للهجرة السرية. وسجلت السنة الماضية وفاة 83 مهاجرا غير شرعي انتشلتهم قوات البحرية الوطنية وحراس السواحل، كما تم توقيف 1530 مهاجر سري، من بينهم أفراد من الشبكات المنظمة لرحلات الموت، والتي توهم الشباب اليائس بإيصاله إلى الضفة الأخرى حيث الحلم في الانتظار، وتأخذ مقابل مبالغ طائلة تصل إلى 1000 أورو عن كل فرد. وما يبرز ضرورة تجريم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، هي تلك العلاقة الوطيدة التي تجمع بين هذه الظاهرة الخطيرة بمختلف أشكال الإجرام الأخرى، حيث كشفت عدة دراسات وتحريات علاقة الظاهرة بتزوير جوازات السفر والوثائق الرسمية والعملةالنقدية والتهريب، علاوة على إقامتها لعلاقات بين مختلف الشبكات الإجرامية، على غرار استغلال الشبكات الإرهابية للظروف الصعبة التي يعاني منها العديد من المهاجرين غير الشرعيين لتجنيدهم في صفوفها. وسجلت دراسة أمنية خاصة بالدرك الوطني مؤخرا ارتفاعا في عدد القضايا المعالجة في إطار مكافحة الهجرة السرية بنسبة 300 بالمائة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية وأكثر من 660 بالمائة بالنسبة لعدد المهاجرين السريين الموقوفين، وذلك مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. كما أشارت إلى أن عدد المرشحين للهجرة السرية ارتفع بنسبة 50 بالمائة عام 2007، حيث أوقفت مصالح الدرك الوطني في إطار مكافحة الهجرة السرية 1071 شخصا من بينهم 4 نساء، أودع 625 منهم الحبس، بينما استفاد 446 آخرون من الإفراج المؤقت.وأوضحت الدراسة أن نجاح مصالح الدرك الوطني في مكافحة الظاهرة يكمن في إحباط الرحلات التي انتقل عددها من 21 محاولة تم إفشالها عام 2005 إلى 73 محاولة في 2006، ثم إلى 114 محاولة في 2007. في حين تم خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية معاينة 12 قضية أسفرت عن توقيف 100 مهاجر سري.