إلزام المتعاملين بإلغاء الشروط المفروضة على تجار الجملة تعديلات اتفاق الشراكة مع أوروبا لا صلة لها بارتفاع الأسعار اندلعت احتجاجات وأعمال شغب شنها بعض المواطنين واتسعت رقعتها لا سيما بالأحياء الشعبية عبر عدة مدن خلال الأيام الأربعة المنصرمة، بعد تسجيل ارتفاع جنوني في أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية كالحليب، الزيت والسكر وغيرها من المواد التي قفزت أسعارها لتصل إلى مستويات قياسية بزيادة وصلت بالنسبة لبعض المنتجات إلى 50 بالمائة في فترة وجيزة، وتسببت أعمال الشغب التي شهدتها مناطق عديدة من البلاد في خسائر فادحة يتقاسمها التجار وشركة التأمينات، عقب قيام بعض المحتجين بعمليات نهب وتكسير وحرق للمحلات، البنوك، البلديات، الشركات والمرافق العمومية. شهدت معظم أحياء العاصمة، أعمال شغب واقتحامات واعتداءات على بعض الفضاءات التجارية والإدارية وحرق العجلات المطاطية وقطع الطرقات وتكسير الممتلكات العامة والخاصة، لاسيما بأحياء باب الوادي، الحراش، باش جراح، بئر خادم، عين النعجة، الشراقة، القبة، عين البنيان، العناصر وديار الشمس والعافية وبلديات أخرى، وصفت بأنها الأعنف خلال ال 23 سنة المنصرمة ولم يسبق أن عاشتها شوارع البلاد منذ أحداث 5 أكتوبر 1988. وأمام هذا الوضع، سارعت الحكومة ممثلة في وزارة التجارة في عقد اجتماع طارئ مع محولي ومستوردي مادتي السكر والزيت أول أمس الخميس في محاولة منها لإيجاد حلول سريعة لتسقيف الأسعار وإعادتها للوضع الطبيعي الذي كانت عليه سابقا، وقد أوضح وزير التجارة «مصطفى بن بادة» على هامش الاجتماع، أن مصالحه قد بدأت في التحكم في أزمة الارتفاع المفاجئ في أسعار بعض المواد الواسعة الاستهلاك، مضيفا أن بوادر انفراج هذه الأزمة ستظهر ابتداء من الأسبوع المقبل بعد استكمال الجهاز التنظيمي الذي سيكون موضوع دراسة أولية من طرف مجلس وزاري مشترك سيعقد اليوم، من أجل بحث كيفية تحديد هوامش الربح بالنسبة للمواد الاستهلاكية الأساسية بما فيها السكر والزيت تنفيذا للإرادة السياسية الرامية إلى دعم القدرة الشرائية للفئات ذات الدخل الضعيف. وسيعمل المجلس على دراسة أولية للنصوص القانونية وسيتم اتخاذ إجراءات مؤقتة ومكملة حتى يتسنى للحكومة التدخل سواء بتحديد الأسعار أو تسقيفها أو بمطابقتها، كما سيعمل المجلس الوزاري المشترك على اتخاذ إجراءات عقابية للمتعاملين المتسببين في ارتفاع الأسعار، مؤكدا على أنهم بصدد استكمال آلية تحدد هوامش الربح بالنسبة للمواد الأساسية. الحكومة تؤكد عودة الأسعار إلى سقفها بداية الأسبوع المقبل وقال «بن بادة» أن وزارة التجارة بدأت في التحكم في هذه الأزمة التي من المحتمل أن تنفرج بداية من الأسبوع المقبل، حيث تم الاتفاق مع هؤلاء المتعاملين على العمل من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة، مشيرا إلى أنهم وافقوا على إلغاء الشروط الجديدة التي فرضت على تجار الجملة منذ بداية السنة، والتي أدت إلى حدوث ارتباك في التزود بالمواد الاستهلاكية وبالتالي الارتفاع المفاجئ لأسعارها يضاف إليها عامل زيادة الارتفاع بالأسواق والبورصات العالمية. وتتمثل أهم الشروط الجديدة التي حددتها الحكومة في إلزامهم بدفع ملفات شراء بشروط جديدة خاصة وأن الكثير من هؤلاء التجار ينشطون بطرق غير قانونية، كما أن التجار مدعوون للتزود بمادتي السكر والزيت من طرف المعامل والمستوردين بصفة عادية وبالتالي تزويد كل نقاط البيع وفقا للأسعار المتفق عليها سابقا، وأكد «بن بادة» أن مشكل الوفرة لا يطرح نفسه أبدا بالسوق بل على العكس من ذلك، فإن الكميات المتواجدة بالسوق جد كافية، فقد تعهد كل المتعاملين المشاركين في اللقاء، بالمساهمة في ضبط الجهاز التنظيمي الذي توشك الحكومة على الانتهاء من تنظيمه في أجل أقصاه الأسبوع المقبل. من جهة أخرى، أعلنت وزارة التجارة في بيانها عن اتخاذ إجراء طارئ تمثل في إلزام المنتجين والمستوردين لمادتي الزيت والسكر بإلغاء كل الشروط التي فرضوها على تجار الجملة والتي أدت إلى ارتفاع أسعار هاتين المادتين خلال الأيام الأخيرة، مرجعة أسباب ارتفاع هاتين المادتين إلى قيام بعض التجار بممارسات غير شرعية قصد تحقيق أرباح كبيرة لا سيما من خلال بيع المخزونات القديمة بأسعار مرتفعة جدا وغير مبررة لا سيما بعد أن فرض المنتجون شروطا جديدة على تجار الجملة لحملهم على الامتثال للقوانين السارية المفعول. الحكومة ترافق المتعاملين الاقتصاديين لضمان التموين العادي للسوق وأكد نص البيان أن السلطات العمومية سترافق المتعاملين الاقتصاديين والتجار لتحقيق التموين العادي للسوق الوطنية بهاتين المادتين التي عرفت أسعارهما ارتفاعا محسوسا منذ بداية هذا الشهر بالرغم من توفرهما بكميات كافية، على أن يقوم هؤلاء المتعاملين بتطبيق حلول عاجلة في الأيام القريبة على معالجة هذه الوضعية بما يحفظ القدرة الشرائية للمواطن، كما تم في سياق متصل، تنصيب فوج عمل مشترك قصد تمكين المنتجين من المساهمة في وضع الآليات التنظيمية والنصوص التطبيقية لقانون المنافسة والممارسات التجارية الجديدة المتعلقة بتحديد هوامش الربح للمواد الأساسية الواسعة الاستهلاك. من جهة أخرى، كشفت مصادر مسؤولة بوزارة التجارة في اتصال مع «الأيام» أن إلغاء الأسواق الفوضوية كانت نتيجة حتمية لاندلاع أعمال الشغب والعنف التي شهدتها البلاد في الأيام القليلة الماضية، مؤكدة أن التعديلات المدرجة على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ليس له أي صلة بالموضوع. وقالت مصادر «الأيام» أن وزارة التجارة كانت تنتظر مثل هذه النتيجة ولكن بصفة أقل حدة، بعد أن شرعت مصالح الأمن بطلب من الحكومة في حملة القضاء على الأسواق الفوضوية، حيث أن هذه الإجراءات جاءت في وقت غير مناسب اتسم بارتفاع الأسعار في الأسواق والبورصات العالمية وأدت تداعياتها لتسجيل نسب قياسية في الأسعار بالسوق الجزائرية وضعف قدرة المواطنين في اقتناء المواد الاستهلاكية الأساسية. وأكد المسؤول ذاته أن التعديلات التي قررت الحكومة إجراءها على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ليست لها أي صلة بالتهاب قيمة السلع في السوق الداخلي، باعتبار أن هذه التغييرات جاءت لتشجع المستثمرين والصناعيين والمنتجين الوطنيين على تطوير نشاطهم وفرض تواجدهم بالأسواق المحلية. تجدد الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة رغم دعوات التهدئة هذا وسادت حالة الاستقرار من جديد صباح أمس الجمعة بالعاصمة بعد 4 أيام من العنف والدمار والصدامات العنيفة لاسيما تلك التي وقعت يوم الخميس في المدن الكبرى احتجاجا على غلاء المعيشة، وقد قامت مصالح الشرطة بتطويق المساجد المتواجدة بالأحياء الحساسة التي انفجرت بها الأزمة كباب الوادي، القبة، بلكور، ساحة الشهداء لاسيما قبل صلاة الجمعة بعد رواج أخبار تدعو لتجديد أعمال العنف يوم العطلة الأسبوعية، إلا أن هذه الوضعية لم تدم إلا ساعات فقط، حيث عادت الاحتجاجات في بعض المدن مباشرة عقب صلاة الجمعة لاسيما بالأحياء الشعبية للعاصمة بالرغم من الدعوات التي وجهها الأئمة إلى المواطنين بالتعقل والتخلي عن أسلوب العنف الذي نهى عنه الدين الإسلامي، إلى جانب التحلي بالصبر واستعمال أساليب سلمية والتحاور بشكل حضاري دون إلحاق الأذى بممتلكات الغير. وفي سياق متصل، دعت فرنسا أمس مواطنيها المقيمين في الجزائر أو المسافرين إليها إلى توخي الحذر من احتمال وقوع اضطرابات في كبريات المدن الجزائرية.