من بين أهم المكاسب التي تحقّقت للمصريين بعد الانتفاضة الشعبية التي هزّت أركان النظام، أنهم أحبطوا مشروع توريث الرئاسة إلى نجل الرئيس المصري الحالي، وحتى وإن لم تبلغ المعارضة التي تقودها حركة «الإخوان المسلمين» أهدافها النهائية بإسقاط النظام الحالي فإنها في نهاية الأمر تمكّنت من قطع الطريق أمام «جمال مبارك» للوصول إلى السلطة بعد أن أصبح خارج حسابات الجيش والقوى الكبرى على وجه خاص. دفعت الاحتجاجات الشعبية العارمة التي شهدتها مصر بالرئيس «محمد حسني مبارك» إلى الإسراع بالإعلان عن إجراءات استعجالية تقضي بتعيين رئيس جهاز المخابرات «عمر سليمان» في منصب نائب رئيس للجمهورية بعد فترة شغور دامت أكثر من 29 عاما، وفي نظر الكثيرين فإن هذا الإجراء يُعتبر أوّل ثمرة من ثمار مطالب التغيير التي أرادها المصريون حتى وإن كان التعيين في حدّ ذاته لا يؤشر على تغيير كبير في نظام الحكم الذي بقي على حاله خاصة وأن «سليمان» بمثابة الذراع الأيمن للرئيس الحالي. وما يُعزّر هذه المقاربة هو أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا وحتى ألمانيا، طالبت الرئيس المصري بضرورة التغيير وإحداث إصلاحات نوعية في نظام الحكم، وهي رسائل واضحة منها بأنها لن تقبل بمبدأ التوريث لنجله الأصغر «جمال حسني مبارك» أمام الاحتقان الشعبي الحاصل وتزايد الضغط الجماهيري بشكل خاص مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرّرة العام المقبل. وتزامنا مع ذلك فقد ارتفعت الكثير من الأصوات الداخلية بما فيها قيادات من الحزب الوطني الحاكم للمطالبة ب«الإصلاح السياسي» مثلما ذهب إليه رئيس جامعة الدول العربية الحالي «عمرو موسى»، وزير الخارجية السابق. وحتى إسرائيل علّقت على هذا الأمر وبات نجل «الريّس» بعيدا عن حساباتها هي الأخرى، حيث جاء على لسان الوزير السابق والنائب الحالي في «الكنيست»، «أفيشاي بروفيرمان»، قوله: «إن الرئيس مبارك في نهاية طريقه الآن»، مشيرا إلى أن أمله في توريث ابنه الأصغر جمال مبارك للحكم في مصر «ربما تبدد». فعندما تنفض قوى من حجم إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية يدها عن النوايا السياسية لحليفها التقليدي في منطقة الشرق الأوسط يعني ذلك أن مشروع توريث الحكم أصبح في حكم الماضي، خصوصا وأن مصر تشكل نقطة ارتكاز لأمن الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية في المنطقة، وبالتالي أصبح البحث عن بديل «مبارك» أولوية البيت الأبيض بما يضمن عدم المساس بمصالحها الحيوية هناك وخاصة على المستوى الأمني. واللافت أن الحراك التي دخلت فيه كل من حركة «كفاية» وجماعة الإخوان المسلمين منذ 2004 وإلى جانبهما حزب «الوفد»، لم تُحبط مساعي الحزب الوطني الحاكم في محاولة ترشيح «جمال حسني مبارك» للانتخابات الرئاسية المقبلة، وفي المقابل كانت الثورة الشعبية التي دامت بضعة أيام كافية لإجهاض هذا المشروع الذي أراد من خلاله الرئيس المصري تحويل البلاد إلى ما يُشبه المملكة وهو الذي بلغ من العمر عتيّا، وإلى وقت قريب جرى الحديث عن إمكانية الإعلان عن مرشح هذا الحزب لرئاسيات 2012 مع نهاية السداسي الأول من هذا العام، خاصة مع ظهور «جمال» إلى واجهة الأحداث بقوة في الفترة الأخيرة. وبالعودة إلى مجرى الأحداث فإن «جمال حسني مبارك» انضم إلى الحزب الوطني عام 2000، كما شهد العام 2002 صعوده القوي في سلم المسؤوليات بتوليه خطة أمين لجنة السياسات التي توكل لها «رسم السياسات» للحكومة، ومراجعة مشروعات القوانين التي ستقترحها حكومة الحزب قبل إحالتها إلى البرلمان، ثم أصبح منذ نوفمبر 2007، تاريخ المؤتمر التاسع للحزب، يشغل منصب الأمين العام المساعد وأمين السياسات. ومع صعوده السريع وظهوره القوي على الساحة السياسية، أصبح اسمه متداولا كخليفة محتمل لوالده على رأس الحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، وترى عدة شخصيات وقوى سياسية صعوده بمثابة خطوة نحو ما أسمته «التوريث»، وقد سبقت حركة «كفاية» الأحداث وأعلنت وقوفها ضد نوايا الرئيس المصري بتوريث الحكم، لكن التظاهرات الشعبية والتحرّكات التي باشرتها منذ حوالي سبعة أعوام لم تشفع لها بتحقيق تلك الأهداف. والغريب في الأمر أن الرئيس «مبارك» لم يتجرأ على الخوض في مسألة الحديث عن مساعٍ لتوريث الحكم وعن وجود طموحات سياسية لدى نجله، وتعامل مع هذا الأمر بكثير من التكتم والتحفظ في محاولة منه لجس نبض الشارع المصري، وعلى ما يبدو فإن تسارع الأحداث في الفترة الأخيرة دفعه إلى التراجع مُرغما أمام تزايد المطالب الجماهيرية التي تدعوه إلى التنحي من السلطة، وفي انتظار مزيد من المكاسب من قبيل حلّ مجلس الشعب فإنه بإمكان المصريين أن يتنفسوا لأنهم ضمنوا بأن «جمال مبارك» سوف لن يكون رئيسهم المقبل رغم قناعتهم بأن النظام لم يتغيّر ولن يتغيّر وفق ما يريدونه. زهير آيت