فشلت قيادات ومناضلون في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وعلى رأسهم «سعيد سعدي»، في تنظيم مسيرة انطلاقا من «ساحة الشهداء» وسط العاصمة باتجاه «ساحة الوئام»، بعد أن اجتمعت الكثير من العوامل جاء في مقدمتها التنظيم المحكم الذي فرضته قوات مكافحة الشغب زيادة على العدد القليل من الذين تجاوبوا مع دعوة «الأرسيدي»، بالإضافة إلى وقوف بعض شباب حي القصبة العتيق في وجه مناضلي هذا الحزب. لم يتمكن رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، «سعيد سعدي»، من تحقيق أي نجاح أو مكسب يُذكر في المسيرة التي حاول أن يقودها صبيحة أمس انطلاقا من «ساحة الشهداء» رفقة عدد قليل من مناضليه الذين لم يتجاوزوا ال 50 شخصا على أكثر تقدير، وبدا تأثير انسحاب عدد من الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني واضحا بعد أن عجز «الأرسيدي»، مرة أخرى، في تجنيد العاصميين إلى صفه. واللافت أن قوات مكافحة الشغب التي انتشرت منذ وقت باكر من يوم أمس على طول المساحات المفتوحة في «ساحة الشهداء»، لم تكن بنفس العدد المألوف الذي تعاملت به مع محاولتي تنظيم مسيرتي بالعاصمة خلال الأسبوعين الماضيين، وحتى أن حركة المرور لم تتأثر إطلاقا بالتجمع الذي قاده زعيم «الأرسيدي» رفقة عدد من نوابه في البرلمان، وأكثر من ذلك فإن توافد رجال الإعلام كان أكبر بكثير من المتظاهرين أنفسهم حتى صعب على مصالح الأمن التفريق بين الطرفين. وفي تلك الأجواء، وغير بعيد عن مبنيي مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني وسوق «سكوار» الموازية للأوراق النقدية التي «فتحت أبوابها» بشكل عادي، وبمقربة من «الجامع الكبير»، تجمّع حوالي 50 شخصا - في حدود الساعة العاشرة وخمس دقائق- رافعين شعارات من قبيل «الشعب يُريد إسقاط النظام» و«مسيرة سلمية» وغيرها من الهتافات التي تهاجم السلطة، كان «سعدي» في مقدّمتهم محاطا باثنين من حرسه الشخصي، وقد حاصرت قوات مكافحة الشغب هذه المجموعة ومنعتها من التقدّم أكثر حتى لا تسمح بأي تأثير على حركة السيارات. ومع مرور الوقت وجد أنصار «الأرسيدي» أنفسهم محاصرين على أطراف الطريق المقابل لشارع الرمز الثوري «شي غيفارا» قبالة «المسمكة» المحاذية لميناء العاصمة، بعد أن أحكمت مصالح الأمن انتشارها وفرضت طوقا على المتظاهرين، وفي تلك الأثناء لم يجد «سعيد سعدي» خيارا آخر لكسر الحصار سوى القفز فوق سيارة تابعة للأمن الوطني رافعا يده ملوحا بإشارة الانتصار إلى جموع المواطنين الذي جاؤوا إلى عين المكان لإشباع فضولهم أكثر من شيء آخر. وفي غمرة الشعور ب«الانتصار» الذي انتاب رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، سارع حارساه الشخصيان إلى القفز بدورهما فوق سيارة الأمن متوسلان من «سعدي» ضرورة النزول كونهما يُدركان أن تصرّفه قد يُعرضه إلى رد فعل من قوات مكافحة الشغب التي لم تتقبّل ذلك التصرّف، وهو الذي حصل فعلا لأن أحدهم لم يتوان في التقدم وتهديد رئيس «الأرسيدي» بالتدخل إن لم ينزل من فوق السيارة، ورغم تدخل الحارسين الشخصين إلا أن ذلك لم يحل دون أن يقع «الدكتور» مما تسبّب في كسر نظاراته، قبل أن يعود مجدّدا لتحية مناضليه من المكان نفسه. وفي غياب وجوه معروفة من مؤسسي التنسيقية الوطنية للديمقراطية والتغيير من أمثال «مصطفى بوشاشي» و«فوضيل بومالة» والنقابي «رشيد معلاوي» وآخرون، حضر الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، «علي يحيى عبد النور»، الذي لم يكن في الصف الأمامي مثل المعتاد، واكتفى مناضلو «الأرسيدي» بالاستعراض رغم قلة عددهم، ليفاجئهم بعض شباب حي «القصبة» برفع لافتات تنادي بحياة بوتفليقة وبشعار كبير «الجزائريون بوتفليقيون.. ولا يريدون تنسيقية الطماعين»، وكادت الأوضاع أن تتطوّر نحو الأخطر لولا تدخّل قوات الأمن التي أبعدت الطرفين عن المواجهة. واستمر الوضع على حاله وتحوّلت المسيرة إلى مجرّد تجمع محتشم لعدد محدود من الأشخاص، في حين عاد «سعيد سعدي» إلى عين المكان بعد أن تلقى فحوصا طبية بإحدى سيارات الإسعاف إثر سقطته، فيما تعرّض مصور بالمؤسسة العمومية للتلفزيون إلى اعتداء من أحد مناضلي «الأرسيدي» وسط استنكار الصحفيين الذين حضروا لتغطية المسيرة، وبقيت الأمور في إطارها الطبيعي إلى أن قرّر رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن يعود أدراجه وهو يجرّ أذيال الخيبة من جديد.