أنا لا أفتح التلفزيون ،لم أعد أحتمل رؤية الجثث المحروقة و المبتورة والعائمة في دمائها وهي تحدق في وجهي...صار نبضي يتسارع ،و أسناني تصطك،و أصابعي ترتجف و الرغبة في الغثيان تخنقني...... و كل المهدئات التي إبتلعتها لم تعد تنفعني...و هذه الأخرى التي تنام على سريري ليست أنا.....إنها فقط تشبهني ...وجهها يحمل تعابير وجهي حين يخذلني النوم،فأهرع لقراءة برجي ..... فقد تقول النجوم ما لم تقله شاشات التلفزيون! لكن يبدو أن واحة النوم لن تمرح في صحراء كفي هذه الليلة أيضا..و أنني أتعلق بحبال الإنتظارالذائبة ! و أتعمد أن أدع هذه التي تشبهني تأخذ مكاني تتدثر بلحافي الأزرق بينما أتجول أنا في غرف الشقة .......بعد أن أنرت المصابيح ،و قطعت جرس باب المدخل الرئيسي،ثم نويت إنهاء ما بدأته منذ الصباح......حين قطعت هاتفي النقال ،لأعيد ترتيب الأشياء التي يزعجني تبعثرها ..... ومنذ نذرت العزلة ونويت التفرغ لكتابة أوراقي و الإعتذار عن دعوة الأصدقاء و الأقرباء القلائل الذين ما زالوا يرغبون في دعوتي أو تجاهلي بعد أن غيرت رقم هاتفي دون أن أعلمهم .ثم إمتنعت عن الخروج من شقتي لمدة مفتوحة...... أختبئ من نظرات الفرنسيين التي تحولت من الفضول إلى الشفقة و العزاء نحو هذه الشعوب العربية الثائرة والمهددة بالقتل و التنكيل في ربوعها و بيد حكامها ...... و من وجه جارتي اليهودية التي لا ترد أبدا على تحيتي والتي إكتشفت أنها مثلي جزائرية المولد! في حين يتمسح بي كلبها في المصعد. بادرت بإخراج كيس القمامة.. وحين إلتقيت بجارتي اليهودية لم أرد على تحيتها لكنني إبتسمت لكلبها.... ثم دخلت شقتي...فتحت حاسوبي أتفقد بريدي الإلكتروني ،أستفسر عن درجة الحرارة الخارجية...سأتفاءل أكثر و لن ألفق لنفسي ما لم أقترف زيادة في تأنيبها و ظلمها ...سأحاول أن ألتقط أناشيد الحرية التي تحفظها هذه الأرواح المزهقة والمحلقة حولي تحرضني على الثورة..... فقد إقتنعت أخيرا أنني أمقتها هذه التي تتوسد مخدتي و ترتدي ثوب نومي و تغفو ....فيعود نبضي يتسارع،و أسناني تصطك،و أصابعي ترتجف وصراخ الجثث الموزعة على الخارطة العربية يملأ حلقي غثيانا ........فأتقيأ هذه التفاصيل التي لم أشأ إهمالها بحجة أنها تعنيني وحدي .