من منطلق أن السياحة تعد عاملا مهما في تنشيط الاقتصاد الوطني وإحدى الموارد الهامة التي يعتمد عليها لجلب العملة الصعبة، علاوة على أنها وسيلة اتصال وتواصل يمكن أن نجعل منها نافذة نطل من خلالها على العالم الخارجي، تسعى الدولة الجزائرية بكل ما أتيحت لها من فرص إلى توفير ما يحتاجه القطاع من مرافق لتغطية النقائص المسجلة، وذلك بإنجاز عدة منشآت وهياكل سياحية ضخمة، وهو ما يكفل بالضرورة النهوض بواقع القطاع إلى حال أفضل، ويساهم في تقوية وتعزيز الاقتصاد الوطني علة وجه العموم. عاصمة الأوراس.. متحف على الهواء الطلق ومن شأن هذه الجهود أن تزيد في توسعة مجال الانفتاح على الثقافات الأخرى، إلى جانب أن ذلك يسمح باقتحام السوق الدولية والتعامل مع السياحة العالمية، وتبعا لذلك تعمل ولاية باتنة على ضبط إستراتجية محددة المعالم للنهوض بواقع القطاع إلى ما يحقق الفائدة التي يرجى منها الكثير، لاسيما أن الولاية تزخر بموروث حضاري وثقافي وكذا تاريخي عريق ميزته في تنوعه، ومنها ما يعود إلى عهود ما قبل التاريخ نسبة إلى مختلف الحضارات المتعاقبة كحضارات الفينيقيين، الرومان والنوميديين، ومن أشهر معالمها التاريخية ومدنها الأثرية "لمباز"، "تيمقاد"، "زانة البيضاء"، "شرفات غوفي"، "توبنة"، "ضريح إمدغاسن" وكذا المدينة القديمة "أمدوكال"، فضلا عن بقية المواقع السياحية الساحرة والمناظر الطبيعية الخلابة التي تشتهر بها هذه الولاية اليت تعرف بلقب "عاصمة الأوراس"، ولعل هذا الزخم هو ما مكنها من أن تصبح وكأنها متحف مفتوح على الهواء الطلق، هذا دون أن ننسى جمال وروعة منتوجات الصناعات التقليدية التي تصنعها أنامل تعكف على المحافظة على الموروث الثقافي للمنطقة، ومن شأن هذه المنتجات أن تساهم هي الأخرى وبشكل إيجابي في التعريف بالسياحة الوطنية المحلية والترويج لها، وبين أهداف هذه الإستراتجية المتبعة لتنمية وتطوير قطاع السياحة، هو العمل على دعم وتشجيع الاستثمار وتأهيل النشاطات السياحة وتطويرها وكذا ترقيتها ودعمها، بالإضافة إلى عصرنة منظومة التكوين في المجال السياحي والفندقي دون أن ننسى إدخال الاحترافية في قطاع السياحة لاسيما تحديدا داخل النشاط الاتصالي الإعلامي مع العمل على تكييفها دوريا مع متطلبات الراهن. "تيمقاد"، "لومبازيس" و"زانة البيضاء" تاريخ يحكي الكثير من الحضارات يتمتع إقليم ولاية باتنة بمؤهلات سياحية ثرية ومتنوعة تؤهلها لأن تصبح قطبا سياحيا بامتياز، حيث يجد السائح خيارات واسعة لتلبية مختلف رغباته الاستجمامية، الاستكشافية والخدماتية، وتمكنه من الاستمتاع بجمال طبيعتها الخلابة ومواقعها الأثرية التاريخية الرائعةالتي تغريه في كل مرة بالعودة إليها، وللسائح أيضا فرص مواتية لاقتناء ما قد يروقه من المنتجات الحرفية التقليدية التي يريد أن يبتاعها كتذكار من ولاية سياحية كان قد حالفه الحظ يوما بزيارتها، وإلى جانب ذلك تزخر ولاية باتنة بثروة حيوانية ونباتية هائلة عبر كامل ترابها، فالغطاء الغابي مثلا يغطي جزءًا هاما منها ويصل إلى نحو 84017 هكتارا، وكلها تكسو مناطق جبلية ذات تضاريس صعبة متكونة من الصنوبر الحلبي، الأرز الأطلسي والبلوط الأخضر، ولقد نتج عن هذا التنوع في الغطاء النباتي تنوع في عدد الحيوانات ومن بينها الطيور المائية، الحباري، اللقلق، الحجل، السمان والأرنب البري، ناهيك عن شموخ جبالها التي تعانق بقممها العالية عنان السماء، وإلى جانب كل هذا، تزخر الولاية بالعديد من المواقع الأثرية والتاريخية الجميلة والرائعة وأشهرها على الإطلاق المدينة الأثرية "تيمقاد" التي صنفتها منظمة اليونسكو في ديسمبر 1982 من بين المواقع التاريخية ذات التصنيف العالمي، ومنطقة "زانة البيضاء" وهي المدينة الرومانية التي صنفت ضمن التراث الوطني المحفوظ سنة 1961، و"لومبازيس" التي اعتبرت عاصمة عسكرية لإفريقيا الرومانية آنذاك، بالإضافة إلى "طوبنة" التي تعد تحفة أثرية فريدة من نوعها. تصنيف المواقع الهامة سياحيا حماية لتاريخ إنسان الأمس ويعود أصل الموقع السالفة الذكر وأخرى لم يرد اسمها في هذه الوقفة إلى الحجارة الضخمة التي شيدت بها المدن الرومانية، يضاف إلى ذلك "ضريح إمدغاسن" الذي يقع ببلدية "بومية"، وهو يعتبر من بين أقدم المعالم التاريخية التي تشتهر بها الجزائر عموما، وقد تم تشيدها في القرن الثالث قبل الميلاد، ويعرف بضريح "ملوك النوميديين" تحيط به مجموعة من القبور البربرية، وقد تم تصنيفه من التراث الوطني المحفوظ سنة 1967، ويبلغ طول ارتفاعه حوالي 20 مترا فيما يصل قطره إلى 50مترا، هذا وتعتبر "شرفات غوفي" من بين أهم المناطق السياحية التي تشتهر بها ولاية باتنة، وتقع بين جبل "خدو" و"الجبل الأزرق"، يمتد بهما "الواد الأبيض" المحفوف بأشجار النخيل، وتعتبر "غوفي" ذاكرة الأوراس المحفوظة عبر شرفاتها وقراها البربرية العتيقة، كما أنها تتزاوج في الطبيعة التلية والطبيعة الصحراوية في آن واحد، ولقد صنفت "شرفات غوفي" كمعلم سياحي بقرار ولائي تحت رقم 2005/787 بتاريخ 3 جويلية 2005، وذلك من طرف مصالح البيئة بالولاية، حيث بات يمنع القيام بأي نشاط كالصيد، الرعي أو إقامة بناءات فوضوية أو القيام بأي نشاط يخل بالتوازن الايكولوجي خاصة مشاريع التهيئة دون الحصول المسبق على رخصة من طرف السيد والي الولاية، كما تم تصنيف هذه المنطقة الساحرة الجذابة كموقع ثقافي سنة 1930. الصناعات اليدوية التقليدية.. الوجه الآخر للأصالة تجدر الإشارة إلى أنه وعلاوة على كون الولاية تتميز بتراث مادي فهي أيضا تتميز بتراث لا مادي، ويتمثل في الطبوع الفلكلورية التي لا تزال تسجل حضورها وتؤكد الأدوار التي تلعبها في ذات القطاع، بالإضافة إلى الصناعات التقليدية التي تتميز بجمالها الناجم عن الإتقان الذي يؤخذ بعين الاعتبار من بداية العمل إلى غاية وضع اللمسات الأخيرة على المنتوج، وما يشجع على ذلك وفرة المواد الأولية المستعملة من صوف، وبر، خشب، طين، فضة والحلفاء، وتنفرد تحفها الفنية بلمسات توحي بعراقة الثقافة الأوراسية المستمدة من عبق الماضي، وذلك بالنظر إلى الألوان المعتمدة كأساسيات في التزيين من خطوط وأشكال ورموز بربرية عميقة، هذا بغض النظر عن الألعاب التقليدية الشعبية والمعتقدات والعادات الشعبية المتأصلة داخل الأسرة الواحدة، كما لا تزال ولاية باتنة تحتفظ بكنوز أدبية، فكرية واجتماعية جد عريقة، فحتى الطبخ التقليدي المحلي حاضر على الدوام ليسجل مشاركته الهادفة إلى النهوض بواقع القطاع السياحي إلى ما يعود بالفائدة، فهو في الأصل من بين روافد التقاليد العريقة بالمنطقة، وأمام هذا الزخم الهائل والتنوع الواضح في التراث الثقافي،السياحي، الحموي والطبيعي الذي تنفرد به الولاية، ولتشخيص ودراسة كل هذه المؤهلات التي تحوز عليها، قامت المديرية منذ سنة 2006 بإنجاز "منوغرافيا" للمقومات السياحية والسوسيو اقتصادية لولاية، وأتبعته بدراسة أخرى للمنتوجات التقليدية، وهي الخطوة التي من شأنها أن تمكنهم من إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية للولاية. 50 عقوبة إدارية وغلق 10 فنادق ما بين 2003 و2010 تنشط بالولاية ما يصل إلى 23 وكالة سياحة، غير أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن زيارات المعاينة والمراقبة والتفتيش تمس كل من الفنادق والوكالات السياحية، وهي رقابة تقوم بها المصالح التقنية والتي من خلالها يتم السحب النهائي لرخصة وكالة السياحة والأسفار المسماة "وكالة إمدغاسن " سنة 2005، وسحب رخصة استغلال فندق "إمدغاسن" في نفس السنة، ولقد وصلت حصيلة عمليات المعاينة والمراقبة والتفتيش لهياكل الإيواء ووكالات السياحة والأسفار بالولاية من سنة 2003 إلى سنة 2010 إلى 277 تدخلا، أما عدد العقوبات الإدارية في نفس الفترة فقد وصلت إلى 50 عقوبة فيما وصل عدد قرارات غلق الفنادق إلى 10قرارات. الثغرات القانونية بالقطاع بحاجة إلى إعادة نظر لعل من أبرز المشاكل التي تعترض الجهات المسؤولة في القطاع التي تتابع النشاطات السياحية وتعكف على مراقبتها، هو عدم أخذ المعاينات الميدانية وزيارات التفتيش لمختلف المرافق السياحية من وكالات، فنادق، مطاعم وغيرها محمل الجد، حيث تم تسجيل وللأسف الشديد عدم إدراج بين أحكام القانون الأساسي الجديد لمفتشي السياحة الصادر في المرسوم التنفيذي رقم 08/302 بتاريخ 24/09/2008 لصفة الضبطية القضائية لمفتشي السياحة، علما أنها الصفة التي كانوا يعملون بها سابقا، وذلك بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05/95 الصادر بتاريخ 10مارس 2005، مما يعني انعدام الأهلية الشرعية لهؤلاء بالمراقبة، هذا فضلا عن الاستخفاف الصادر أحيانا عن بعض أصحاب الوكالات السياحية والفنادق ذات النجمتين إلى 5نجوم بزيارات مفتشي السياحة، ومن أجل التخفيف من هذه المشاكل يتعين حسب هؤلاء تكميل وتعديل المرسوم 08/302 المحدد للقانون الأساسي لمفتشي السياحة بمضمون المرسوم 05/95 المتضمن الضبطية القضائية، أو الإشارة على الأقل في القانون الأساسي للمفتشين في مادة مستقلة باستمرار سريان هذا المرسوم الأخير 05/95، مع الحرص على توجيهها إلى السادة القضاة على المستوى الوطني، وتغيير نص الفقرة الثالثة من المادة 71 من القانون 99/01 المحدد للقواعد المتعلقة بالفندقة بحذف عبارة " أو " واستبدالها ب "و" لتحديد إمكانية إرسال المحاضر إلى الجهة القضائية والإدارية المكلفة بالسياحة، لأنه إذا تم إرسال المحضر إلى الإدارة المكلفة بالسياحة، وهو أمر حتمي تلغي إمكانية إرساله كذلك إلى القضاء، بناءً على العبارة الموجودة حاليا في نص المادة، بالإضافة إلى إلغاء الفقرة الرابعة من المادة "30" من القانون 99/06 الذي يحدد القواعد التي تحكم نشاط وكالة السياحة والأسفار التي تنص على أن "تصدر العقوبات من طرف الوزارة التي سلمت الرخصة" وضمها إلى صلاحيات المديريات اللامركزية على النحو التالي "تصدر العقوبات من السلطة المكلفة بالسياحة"، إلى جانب تغيير شكل ومضمون المادة 72 من القانون 99/01 المحدد للقواعد المتعلقة بالفندقة بحذف جملة "التي سلمت الرخصة" من الفقرة الرابعة لهذه المادة وبذلك إعطاء صلاحية إصدار العقوبات إلى المصالح اللامركزية بالنسبة للفنادق المصنفة في نجمتين فما فوق لنفس الهدف السابق. رغم العراقيل والنقائص الجهود والمخططات متواصلة سوف تتدعم الحظيرة الفندقية لولاية باتنة ب611 غرفة، وهو ما يعادل 1178 سريرا أي بنسبة زيادة تقدر ب68بالمائة، كما تم بتاريخ 23 أفريل 2006 إنشاء لجنة ولائية تقنية تتكفل بترقية ومتابعة مؤسسات مصغرة في مجال السياحة، ولقد باشرت هذه اللجنة مهامها منذ تنصيبها بإعداد النظام الداخلي والمصادقة عليه، إلى جانب القيام بالعمل التحسيسي الجواري عبر مختلف وسائل الإعلام السمعية والمكتوبة وكذا عبر مختلف الحملات التحسيسية المنظمة عبر الدوائر والبلديات واللقاءات المنظمة مع الحركة الجمعوية، مع التأكيد على الأهمية الكبيرة للقطاع وما يمكن أن يلعبه في النهوض بواقع الولاية إلى حال أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، إلا أنه وبمرور الوقت تبين أن هناك مشاكل موضوعية تعيق تنفيذ بنود هذه الاتفاقية والتي تم رفعها في عدة مرات إلى الهيئات الوصية، نشير إلى أنه يتم التداول على رئاسة هذه اللجنة لفترة زمنية تقدر بسنة بين مديرية السياحة والصندوق الوطني للتأمين على البطالة فرع ولاية باتنة. هذا كما تتكفل مديرية السياحة في إطار ترقية المنتوج السياحي الأوراسي ومساعيها الجادة إلى ترويجه، بتقديم هذه الدعائم إلى كل الوافدين إلى الولاية خاصة الوفود الرسمية التي تحضر المهرجانات والتظاهرات الثقافية الكبرى التي تقام بالولاية بصورة مستمرة سواء كانت ثقافية سياحية، رياضية وغيرها، وعلاوة على ذلك يعد المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية لولاية باتنة آفاق 2025، إطارا مرجعيا لرؤية بعيدة المدى للقطاع بالأوراس، دون أن ننسى الدور الرئيسي والفعال للمجموعات المحلية والمجالس المنتخبة في تكثيف الجهود لجلب أكبر قدر من السياح. ختاما نقول بأن قطاع السياحة بولاية باتنة يشهد تطورا وانتعاشا إلى حد يبدو مرضيا، وذلك بناءً على المجهودات الحثيثة والمبذولة وكذا البرامج الطموحة والمسطرة من طرف السلطات المحلية، قصد النهوض الفعلي بهذا القطاع الحيوي الهام، غير أن هذا مشروط بإتباع إستراتجية تنموية سياحية مستدامة ترتكز أساسا على استغلال واستثمار مختلف الثروات السياحية، الثقافية، الطبيعية والحرفية التي تزخر بها الولاية، وذلك في إطار الأهداف الكبرى التي يقررها المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية الذي سبقت الإشارة إليه.