ربما لم يكن صدفة اختيار حركة الإصلاح الوطني ومحمد السعيد لافتتاح المشاورات الموسعة التي يجريها عبد القادر بن صالح والمستشاران محمد تواتي وعلي بوغازي مع الأحزاب والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني حول الإصلاحات، ففي الاختيار رسالة سياسية واضحة تعني المشتغلين بالسياسة والمجتمع بصفة عامة. إلى حد الآن جاء رفض المشاركة في المشاورات السياسية من حزبين هما جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والمفارقة هنا هي أن الحزبان غريمان تقليديان يتصارعان في منطقة القبائل حيث العدد الأكبر من أنصارهما، ويتقاذفان التهم بإضعاف المعارضة وضرب مصداقيتها، وحتى إذا جمعهما رفض المشاركة في المشاورات حول الإصلاحات، فإن أسبابهما وبدائلهما متناقضة. اللجنة المكلفة بالإشراف على المشاورات اختارت أن تكون البداية بحزب معارض ممثل في البرلمان هو حركة الإصلاح الوطني، وشخصية وطنية معارضة، وبالنسبة للإصلاح فإنها رغم الخلافات التي عصفت بها بقيت حزبا يمثل التيار الإسلامي المعارض من داخل المؤسسات، وقد ظلت الحركة متمسكة بالدعوة إلى إعادة النظر في الدستور وإلى إجراء إصلاحات سياسية واسعة وهي تقف على مسافة من التحالف الرئاسي الذي يمثل التكتل الحزبي الداعم للسلطة. محمد السعيد له تاريخ طويل في المواجهة السياسية مع السلطة، فقد كان مهندس الحملة الرئاسية لأحمد طالب الإبراهيمي في سنة 1999، وكان هو العقل المدبر في عملية تأسيس حركة الوفاء والعدل حيث خاض معركة ضارية من أجل اعتمادها غير أن وزير الداخلية السابق نور الدين زرهوني أكد أنه لن يكون الشخص الذي سيوقع عودة الحزب المنحل إلى الساحة السياسية وعلى إثر هذا الرد أعلن الإبراهيمي اعتزال العمل السياسي وقال " سأدخل إلى بيتي بعد أن اغتالت السلطة حركة الوفاء والعدل"، وقد أعابت السلطات على الحركة أنها تضم في صفوفها المناضلين السابقين في الحزب المنحل، وقد بقي محمد السعيد طيلة تلك السنوات محسوبا على التيار الإسلامي وأنه يسعى إلى جمع قواعد الفيس من أجل تشكيل حزب سياسي. العودة كانت من خلال الرئاسيات التي جرت سنة 2009 حيث بادر محمد السعيد إلى الإعلان عن تأسيس حركة الحرية والعدالة، وكان قرار التنافس على منصب الرئاسة مقدمة للسعي إلى جس نبض الشارع وجمع الأنصار والمتعاطفين الذين سيكونون قاعدة الحزب الوليد، غير أن الاعتماد لم يأت، وقد تكون مسألة الاعتماد هذه التي بقيت موضع تجاذب بين السلطة والمعارضة طيلة أكثر من عشر سنوات هي التي دفعت باستدعاء محمد السعيد إلى هذه المشاورات، فرغم رفض منحه الاعتماد تم إشراكه في المشاورات بصفته شخصية وطنية وهذه رسالة واضحة تفيد بأن لدى السلطة إرادة حقيقية في توسيع قاعدة المشاورات، خاصة وأن تصريحات سابقة لوزير الداخلية دحو ولد قابلية تم تفسيرها على أنها إقصاء للأحزاب والشخصيات، وهو الأمر الذي عاد إليه الرئيس بوتفليقة بالتفصيل في تدخله أمام مجلس الوزراء الذي انعقد تحت رئاسته في الثاني من شهر ماي الجاري. أكثر من هذا جاء البيان الصادر أول أمس عن اللجنة المكلفة بالإشراف على المشاورات أن " ما سيصدر عن الأغلبية من آراء ومقترحات، ستجد تعبيرها في التعديلات الدستورية والتشريعية الرامية إلى تعميق المسار الديمقراطي ما لم تتعارض مع ثوابت المجتمع الجزائري والعناصر المكونة للهوية الوطنية". مشاركة شخصيات وطنية وأحزاب معارضة يساهم في اتساع قاعدة المشاورات وتنوع الأطراف المشاركة وهذا أهم هدف تسعى إليه السلطة من أجل تعزيز مصداقية الإصلاحات، ويتقاطع هذا الهدف مع ميل المجتمع إلى التغيير الهادئ خاصة بعد أن بدأت التجارب التي عرفتها تونس ومصر تكشف عن نتائج غير مطمئنة في ظل الانقسام الداخلي الحاد بين القوى السياسية والأطراف الفاعلة في المجتمع، وضعف التنسيق بين أحزاب المعارضة وعدم وضوح مطالبها وهو أمر جربناه ولا يزال ظاهرا على الساحة السياسية حول قضايا تبدو أقل تعقيدا من قضية تحديد مستقبل البلاد ورسم معالم النظام الذي يجب أن يسود فيها.