لم تفلح المعارضة الليبية في الحصول على الاعتراف الدولي رغم سيطرتها على طرابلس، وقد جاء الرفض الصريح للاتحاد الإفريقي للاعتراف ليترك الملف الليبي مفتوحا في ظل تأكيد قوى دولية كبرى على الغموض الذي يلف الوضع هناك، وفي ظل مخاوف جدية من أكثر من طرف من إمكانية إخفاق المعارضة المسلحة في تشكيل حكومة تمثل جميع الليبيين. أعلن الاتحاد الإفريقي أول أمس صراحة رفضه الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي ، معتبرا أن الأخير "لا يمثل الشعب الليبي لأن المعارك متواصلة في البلاد" ، رغم إعلان 20 دولة إفريقية اعترافها بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي، ودعا الاتحاد الإفريقي إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل الجميع من دون أن يعترف صراحة بالمجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل المعارضة كممثل شرعي وحيد للبلاد. وقال رمضان لعمامرة مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي إن مجلس السلم والأمن في الاتحاد "يدعو إلى تشكيل حكومة تشمل الجميع وتأسيس إطار دستوري وتشريعي للانتقال الديمقراطي في ليبيا وأيضا للدعم من أجل تنظيم انتخابات وإجراء مصالحة وطنية"، ويمثل عدم الاعتراف إخفاقا دبلوماسيا كبيرا للمجلس الانتقالي الذي يوجد في حالة اختبار من قبل المجموعة الدولية ككل رغم علاقاته الوثيقة بدول غربية وبعض الدول العربية. الصيغة التي جاء بها قرار الاتحاد الإفريقي تشير بوضوح إلى وجود سلطتين في ليبيا رغم سيطرة المعارضة على طرابلس، وهو الوضع الذي تقره أغلبية دول العالم، فحتى الولاياتالمتحدة وبقية دول الحلف الأطلسي تعتبر أن نظام القذافي لم ينته بعد رغم أنه يترنح، كما أن استمرار القتال يضع ليبيا في حالة نزاع مستمر لا تسمح بالاعتراف بأي سلطة فيها، ويزيد استمرار القتال في طرابلس وبقية المدن الليبية الأخرى، فضلا عن بقاء مدن أخرى بأكملها تحت سيطرة القذافي والموالين له، مثل مدينة سرت، في تأكيد حالة الانقسام السائدة في ليبيا والتي لا تنفيها سيطرة المعارضة على أنحاء واسعة من البلاد وفي مقدمتها العاصمة طرابلس. موقف روسيا لا يبدو بعيدا عن موقف الاتحاد الإفريقي، فموسكو التي رفضت في جويلية الماضي الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ك"سلطة وحيدة" في البلاد، عادت على لسان الرئيس ديمتري مدفيديف لتؤكد استعدادها لإقامة علاقات مع المعارضة الليبية إذا توصلت إلى توحيد البلد الذي لا تزال فيه "سلطتان"، وقال مدفيديف إن معمر القذافي وأنصاره لا يزالون يتمتعون ببعض النفوذ والقوة العسكرية على الرغم مما حققته المعارضة من نجاحات إثر السيطرة على طرابلس والمقر العام للقذافي. المجلس الانتقالي يبدو حريصا على الحصول على الاعتراف أولا رغم أنه لم يبسط سيطرته بشكل نهائي على البلاد، ولعله يسعى إلى تحويل الشرعية إلى غطاء يستطيع من خلاله تسوية الخلافات الداخلية التي يعاني منها، كما أن الاعتراف مدخل مهم للحصول على الأموال، وخاصة الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، وقد يكون مهما هنا الوقوف عند تفصيل مهم وهو أن الأممالمتحدة لم تتوصل إلى اتفاق بشأن رفع التجميد عن الأرصدة الليبية واكتفت بالسماح للانتقالي بالتصرف في مليار ونصف مليار دولار فقط في حين أن الأرصدة الليبية المجمدة في الولاياتالمتحدة وحدها فاقت 38 مليار دولار، ويعكس عدم رفع التجميد عن الأرصدة عدم الاعتراف بالمجلس الانتقالي والتعامل معه كطرف واحد ضمن أطراف أخرى في ليبيا، زيادة على كونه ليس هيئة منتخبة تحظى بالشرعية الشعبية. اعتراف الجوار أولا، والمحيط الإقليمي ثانيا يعتبر أمرا ضروريا للحصول على الاعتراف الدولي، ولعل الإخفاق فيه هو الذي جعل رد فعل المجلس متشنجا خاصة فيما يتعلق بالجزائر، فمباشرة بعد رفض الاتحاد الإفريقي الاعتراف، سارعت المعارضة الليبية إلى الادعاء بأن سيارات رباعية الدفع عبرت الحدود الليبية باتجاه الجزائر، وادعت المعارضة أن القذافي وأفراد عائلته ومسوؤلين كبارا في نظامه كانوا في تلك السيارات التي تولت مجموعات من التوارق تأمينها عند الحدود، وتتناقض هذه الرواية مع ما كانت تردده قوات المعارضة من أن القذافي لا يزال في طرابلس، خاصة وأن ابنه سيف الإسلام التقى مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية داخل طرابلس بعد سيطرة المعارضة عليها، ويوما واحدا قبل سقوط باب العزيزية مقر القذافي، كما أن الاستخبارات الغربية أشارت إلى أن القذافي لم يغادر البلاد، ورجحت الرئاسة الفرنسية أن يكون موجودا بمدينة سرت، كما أن المعارضة نفسها أكدت بأنه لن يستطيع الخروج من البلاد بعد السيطرة على كل الطرق. هذا الإصرار على اتهام الجزائر هو رد فعل منتظر من المجلس الانتقالي الذي يواجه امتحانا عسيرا في مرحلة ما بعد القذافي، وهو محاولة لصرف النظر عن الضغوط التي يتعرض إليها من الخارج بسبب بروز دور أساسي للإسلاميين في الحرب على القذافي، وهذا عامل يهدد المجلس بالتفكك إن لم يسرع بإيجاد صيغة لاحتواء مختلف الفصائل من خلال اقتسام السلطة ولو بشكل مؤقت، كما أن الحصول على الأموال المجمدة يمكن أن يساعد المعارضة في تثبيت سلطتها وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وهذا ما يبدو بعيد المنال الآن بسبب استمرار القتال.