يبدو أن نظام العقيد الليبي معمر القذافي بدأ يتهاوى بعد 47 يوما من المواجهات الدامية بين قواته والمعارضة المسلحة في ظل تخلي حلفائه عنه الواحد تلو الآخر واستمرار ضغط أبنائه عليه لتسليم السلطة لأحدهم إرساء لمرحلة انتقالية لاحتواء الأزمة المتفاقمة في البلاد.ويوحي إرسال نظام الزعيم الليبي مبعوثا عنه إلى اليونان ثم إلى تركيا ثم إلى مالطا أنه يبحث فعلا عن مخرج للأزمة، خاصة وأن الوضع على الأرض لا يزال على حاله منذ اندلاع المواجهات بين الفرقاء الليبيين قرابة الشهرين. وحل أمس موفد الزعم الليبي عبد العاطي العبيدي الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية بالعاصمة التركية أنقرة في أول زيارة لمسؤول ليبي رفيع المستوى منذ اندلاع الأزمة في مهمة أكدت بشأنها مصادر رسمية تركية أن هدفها طلب الدعم التركي لوقف إطلاق النار مع المعارضة المسلحة. وقالت هذه المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها ان ''هناك مطالب من قبل طرفي النزاع الليبي وجهت إلى تركيا التي يبقى شغلها الأول هو وقف الاقتتال''. وتزامنت زيارة الموفد الليبي إلى تركيا مع زيارة مماثلة لمبعوث عن المعارضة المسلحة للبحث في نفس الموضوع المتعلق بإمكانية وقف إطلاق النار. كما تزامنت هذه الزيارة مع تلك التي أجراها الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن الذي تباحث مع المسؤولين الأتراك حول مهمة الحلف في ليبيا والتي تشارك فيها تركيا بقوة بحرية معتبرة. وكان الموفد الليبي حل أولا في أثينا في إطار جولة تشمل أيضا مالطا بغرض البحث مع مسؤولي هذه البلدان إيجاد تسوية دبلوماسية للوضع المتفاقم في بلاده. ورغم أن وزير الخارجية اليوناني دمتريس دروتساس اعتبر انه لم يحن الأوان بعد لتقديم تفاصيل الحلول المقترحة فإنه وصف زيارة مبعوث القذافي ب''الخطوة الهامة'' باتجاه حل دبلوماسي للنزاع. وبينما أشار رئيس الدبلوماسية اليوناني أن هناك اتصالات بين النظام الليبي وعدة دول افريقية لتسوية الأزمة سلميا، قال إن ''هناك أملا حتى وان كان صغيرا في إمكانية التوجه نحو حل سياسي أو دبلوماسي كما نرغب في ذلك جميعا وخاصة نحن في اليونان''. وأثار أهمية الحاجة إلى مرحلة انتقالية من اجل ضمان الأمن والاستقرار في ليبيا، إضافة إلى التحضير لتغييرات ضرورية لم يكشف عن تفاصيلها. ويزداد التأكيد من أن نظام الزعيم الليبي بدأ يتهاوى وسط اتساع دائرة الاعتراف الدولي بالمجلس الانتقالي الوطني الذي شكلته المعارضة، وكان آخرها ايطاليا التي طالما عرف رئيس حكومتها سلفيو برلسكوني بعلاقته الوطيدة بالزعيم القذافي. هذه الأخيرة التي أزالت الغموض عن موقفها الذي اتسم بالتذبذب منذ اندلاع الأزمة في ليبيا بعدما قررت أمس الاعتراف رسميا بالمعارضة كمتحدث شرعي ووحيد. وبالتوازي مع هذه المساعي أعلن المجلس الانتقالي الوطني رفضه فكرة لمرحلة انتقالية يقودها سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي. وذكر شمس الدين عبد المولى المتحدث باسم المجلس أن هذه الفكرة ''يرفضها المجلس الوطني الانتقالي بشكل تام'' وقال''على القذافى وأبنائه أن يرحلوا قبل أي مفاوضات دبلوماسية''. وكانت صحيفة ''نيويورك تايمز'' الأمريكية أفادت مساء أول أمس أن اثنين على الأقل من أبناء القذافي هما سيف الإسلام والساعدي يعرضان عملية انتقال إلى ديمقراطية دستورية تتضمن رحيل والدهما عن السلطة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول ليبي على اطلاع بالاقتراح انه في حال تبني هذا الطرح فسوف يتولى سيف الإسلام القذافي إدارة المرحلة الانتقالية. ويأتي هذا الحراك سياسي بالتوازي مع استمرار السخونة على الأرض حيث هاجمت قوات الموالية للعقيد القذافي منشآت نفطية بمدينة طبرق فيما تواصلت المعارك الطاحنة بين هذه القوات والمتمردين بمحيط مدينة البريقة. في مسعى من كل طرف لفرض سيطرته على الميناء النفطي للمدينة الواقعة 800 كلم شرق العاصمة طرابلس. وكانت قوات المعارضة التي كان عدد من عناصرها على متن راجمات الصواريخ والعربات نجحت بالتقدم صباح أمس إلى الحدود الشرقية لمدينة البريقة قبل أن تتراجع مجددا على وقع عمليات القصف المدفعي التي شنته القوات النظامية. ولم يختلف الوضع كثيرا في مصراتة احد أهم معاقل المعارضة المسلحة في غرب البلاد حيث واصلت القوات النظامية محاصرتها ومهاجمتها وسط ظروف مأساوية في ظل انعدام الماء والكهرباء واكتظاظ المستشفيات بالجرحى وخاصة جثث القتلى بما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة في هذه المدينة. يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه مسؤول عسكري بريطاني أن قوات بلاده تخطط للعمليات العسكرية فوق ليبيا وبأنها ستستمر لستة أشهر.