يستمر تضارب الآراء إعلاميا بخصوص المواجهات العسكرية بين الثوار وقوات القذافي العسكرية، على اعتبار أن كل طرف يؤكد بسط سيطرته على المدن الساحلية المتنازع عليها بالقرب من العاصمة طرابلس، في إشارة إلى أن ثوار المعارضة يؤكدون أنهم باتوا يحاصرون نظام العزيزية في كل من الزاوية، مصراتة وسبراته وغيرها من المدن، في ذات الوقت الذي يشير فيه إعلام القذافي إلى أنه تمكن من التصدي للثوار· الأمر الوحيد المؤكد أن الخسائر البشرية بلغت أرقاما قياسية في فترة وجيزة لا تتعدى اليومين، فقد أكدت التقارير الصحية وشهود العيان أن المواجهات خلفت ما لا يقل عن 70 ضحية في اليوم الواحد· يحدث هذا في الوقت الذي يستمر فيه الوضع الانساني في التدهور بالنظر للأعداد الكبيرة من النازحين عبر الحدود الليبية من كل النواحي· بهذا الخصوص أكدت المنظمات الإنسانية الدولية أن تونس وحدها شهدت دخول قرابة 120 ألف نازح، لم يتمكن غالبيتهم من العودة إلى أوطانهم، الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى التدخل من أجل إجلاء الرعايا الأجانب من التراب التونسي نحو بلدانهم· وقد قامت الولاياتالمتحدة بتخصيص أربع طائرات عسكرية من أجل نقل المصريين، في حين تساهم كل من فرنسا وبريطانيا من أجل نقل رعايا آسيويين· في غضون ذلك وبعيدا عمّا يحدث على أرض الواقع من تجاوزات في حق المدنيين الليبيين العزل، دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون إلى اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء لتحديد رد فعل موحد، فيما يعتبره الخبراء تباطؤا في الوقت الذي يتجه فيه الوضع نحو التعفن أكثر· فقد أكدت المعارضة عزمها تشكيل جيش سيقوم في الأيام القليلة المقبلة باقتحام العاصمة طرابلس وكسر حاجز الخوف، في إشارة إلى أن القيادة العسكرية تعتزم نقل ساحة المعركة إلى العاصمة لحسم الصراع، فقد أكد الناطق الرسمي باسم المعارضة والمجلس الوطني أن هناك من العناصر الفاعلة داخل طرابلس أعربت عن نيتها المساهمة في إسقاط نظام القذافي ما إن وجدت من يدعمها من الخارج· هذا بالرغم من النقص الذي يعاني منه جيش المعارضة، سيما فيما يتعلق بالسلاح الجوي الذي أصبح نقطة ضعف المعارضة، مقابل ما يقوم به جيش القذافي من قصف على مناطق آهلة بالسكان ومناطق تمركز قوات المعارضة· المثير أن الأخبار الواردة من ليبيا تؤكد أن الأيام الأخيرة شهدت اللجوء لاستعمال أنواع السلاح الثقيل، بما فيها القوات البحرية التي باتت هي الأخرى تستهدف معاقل الثورة· في غضون ذلك وأمام المعارك الطاحنة التي تدور بين الطرفين، يبقى المدنيون رهائن صراع يخلف مع كل يوم يمر حصيلة أثقل من اليوم الذي يسبقه· المعارضة تلملم شتاتها وتخلق هياكل لقيادة الثورة :نحو اعتراف دولي بالمجلس ودعوة لقصف نظام العزيزية إعتبر الملاحظون الدوليون، أن الاجتماع الذي عقده المجلس الوطني الليبي، أول أمس، بمثابة أول محاولة لتنظيم صفوف المعارضة الليبية بشكل جاد، على اعتبار أن الاجتماع أسفر عن تعيين شخصيات عرف عنها معارضتها لنظام القذافي حتى قبل انطلاق ثورة 17 فيفري، على غرار عمر حريري، وهو أحد الضباط الذين شاركوا في انقلاب القذافي عام 1969 إلى جانب القذافي، قبل أن ينقلب هذا الأخير على كل من قاد الانقلاب ضد الملك، حيث تم إيداع الضابط عمر حريري السجن· وقد جاء تعيين عمر حريري رئيسا للشؤون العسكرية لمعرفته لخلفية التفكير العسكري للقذافي، إلى جانب معرفته بحقيقة الجيش· من جانب آخر، تم تكليف رئيس الشؤون العسكرية بمهمة تشكيل والإشراف على جيش قادر على أن يقاوم جيش القذافي، في إشارة إلى احتمالية وضع خطة من أجل الهجوم على العاصمة طرابلس· بخصوص هذه العاصمة، أكد المجلس الوطني على أن يستعد نقل مقره إلى طرابلس في محاولة منه إلى التأكيد على أن الثورة لا تطمح للانفصال وإنما تطالب بكل الأراضي الليبية موحدة على أن تبقى العاصمة طرابلس· ولأن المجلس يسعى للحصول على اعتراف دولي بكونه الوحيد الممثل الشرعي للشعب الليبي، فقد جاء تعيين علي العيساوي، سفير ليبيا في الهند الذي استقال الشهر الماضي رئيسا للشؤون الخارجية، حيث كُلف بمهمة الاتصال مع الخارجيات الغربية والعربية، في محاولة للحصول على دعم ملموس للثورة· بهذا الخصوص، أكد مصطفى عبد الجليل، وزير العدل الليبي السابق المستقيل ورئيس المجلس أن المجلس يجدد دعوته للمجتمع الدولي لمد يد العون للشعب الليبي، مشيرا إلى أنه لا يمانع مطالبة القوى الكبرى باللجوء إلى الطيران العسكري من أجل قصف نظام العزيزية، غير أنه شدد على أن المجلس يرفض أي تدخل عسكري على الأرض، مؤكدا أن المعارضة الليبية تملك من الإمكانيات ما يسمح لها بالسيطرة برا· جاءت هذه التأكيدات في الوقت الذي يجدد فيه أعضاء المجلس على أنهم لا يمثلون حكومة مؤقتة وإنما مجلس تسيير للأزمة التي تمر بها البلاد، متعهدين بتطبيق نظام ديمقراطي يشارك فيه كل الليبيين بمختلف أطيافهم فور انتهاء هذه الأزمة بإسقاط القذافي والموالين له· من جهة أخرى، تم تعيين محمود جبريل الذي شارك في مشروع للمثقفين لإنشاء دولة ديمقراطية رئيسا للجنة الأزمة، في محاولة لإشراك كل الشخصيات التي عرف عنها معارضة نظام القذافي بأي شكل من الأشكال، وقد وردت بعض الأسماء المعارضة من قبيل المحامي فتحي تربل، الذي عرف عنه دفاعه وتمثيله عائلات ضحايا سجن أبو سليم الذين لقوا حتفهم في ظروف غامضة سنة .1996 هذا إلى جانب احمد الزبير الذي أمضى تحت حكم القذافي 28 عاما في السجن، بالإضافة إلى سلوى أدريلي، في تأكيد من المجلس على أنه لا يغفل التمثيل النسوي، وبالتالي إبعاد شبهة الدولة الإسلامية التي يلوح بها القذافي لتخويف الغرب من المعارضة· يأتي تشكيل هذا المجلس الوطني كأبرز تطور ميداني تسعى من خلاله المعارضة ترتيب صفوفها وتحديد المهام بين العسكري والسياسي، في محاولة للتأكيد للعالم على أن ما يحدث ليس مجرد احتجاجات أو أعمال متفرقة يقوم بها شباب غير مدرك لحجم الأحداث، وإنما ثورة لها كوادرها التي تؤطرها وتقودها بعد طول غياب للعمل السياسي المعارض في ليبيا· وفي أول ردود أفعال دولية رحبت كل من فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية بالقرارات المتخذة من طرف المجلس عقب أولى اجتماعاته، في إشارة إلى أن هذه الدول باتت تفكر في الاعتراف بالمجلس، وبالتالي التعامل معه على أنه الممثل الوحيد والشرعي للشعب الليبي·