منذ صعود نجمه كوزير حرص عمار غول على الوقوف مسافة بعيدا عن حركة مجتمع السلم، وقد سعى جاهدا إلى تأكيد ولائه للرئيس بوتفليقة لانتزاع صفة رجل الدولة التي لم يعد يتردد في إطلاقها على نفسه منذ أن غادر حمس ليؤسس حزبه الجديد. حسب تصريحات أدلى بها الوزير السابق في زيارة قام بها إلى ولاية المدية للترويج لمشروعه السياسي فإن قراره بالمشاركة في الانتخابات التشريعية تحت راية تكتل الجزائر الخضراء اتخذ في اللحظات الأخيرة، وبالفعل فقد سبق لغول أن أعلن عدم ترشحه للانتخابات التشريعية بدعوى فتح المجال لمناضلين آخرين، غير أن قرار المشاركة في اللحظة الأخيرة يبدو أنه كان مرتبطا منذ البداية بمشروع تشكيل الحزب، ومن هنا فإن القرار كان قد اتخذ مسبقا. هذه القراءة التي تدعمها الوقائع تلقي بعض الضوء على الطريق الذي سيأخذه الحزب الجديد، ففي حديثه إلى بعض المتعاطفين في المدية رفض غول أن يصنف حزبه من الناحية الإيديولوجية، حيث قال ”خلال الحملة طرحت علينا مطالب تتصل بالتغيير والشغل والسكن والقضاء على الفساد والبيروقراطية، واقترحنا في هذا الإطار فضاء سياسيا، ولا يهمنا الوصف الذي يعطى له.. إسلامي أو ديمقراطي أو علماني أو وطني.. إنه حزب جزائري وكفى، نريد به أن نتواجد في كل فضاءات الدولة والمجتمع المدني والهيئات المنتخبة”،غير أنه في مقابل ذلك نفسه بالقول “إنني أحب بلدي وأعتز بإسلامي، إننا نريد أن نجمع الناس وليس التفريق الذي يؤدي إلى الهدم، إننا بحاجة إلى بناء بلدنا والأمن هو الأساس في هذا البناء”، كما أنه يلمح إلى أن أخلقة المجتمع من بين أهداف إنشاء هذا الحزب. كل ما قاله غول يؤكد أنه لا يريد أن يلغي رصيده السياسي كمناضل في حزب إسلامي، بل إن هذا الرصيد سيمثل رأس مال الحزب الجديد، ويضاف إليه الانفتاح على كل التيارات الأخرى، والتأكيد على الطابع التكنوقراطي الذي يمنح القدرة على تقديم البدائل العملية لمعالجة القضايا الملحة والاستجابة لمطالب المجتمع، وهو ما يعني في المحصلة مزجا بين التجربة الشخصية في التسيير والانتماء السابق إلى حزب إسلامي، مع التأكيد على الولاء للدولة وهو أحد أهم الجوانب التي يركز عليها الخطاب السياسي الذي بات غول يعتمده. من هذه الصورة التي يريد أن ينشرها غول يمكن أن تتضح وجهة حزبه، فالأمر يتعلق بتشكيلة سياسية تريد أن تقدم بديلا عن الأحزاب الإسلامية التي عرفتها الساحة السياسية الجزائرية منذ بداية التعددية، ورغم أن حمس شاركت في السلطة لعقدين كاملين إلا أنها بقيت تمثل قوة سياسية غير منسجمة بشكل كامل مع نسيج السلطة، وحتى عندما كان أعضاء من الحركة يشغلون مناصب حكومية لم تتردد الحركة في انتقاد السياسات الحكومية، وقد حرصت على الاستماع إلى صوت الشارع وأبقت قدما في المعارضة، وهذه التجربة في المشاركة هي التي تكون قد أقنعت غول، ومن شجعوه على تأسيس حزب جديد بضرورة اقتراح إطار مختلف، يأخذ من حمس بريق الحزب الإسلامي وبعض الأسماء المعروفة، ويقدم صيغة جديدة للمشاركة تقوم على الولاء الكامل للدولة، ولعل ثناء عمر غول على الرئيس بوتفليقة وعلى خياراته السياسية يؤكد أن الأمر يتعلق بمشروع للاستمرارية السياسية. طرح مشروع حزب جديد في هذا الظرف بالذات يثير سؤالا حول الكيفية التي ستعتمد من أجل التواجد في كل الهيئات المنتخبة كما يقول غول، وهذا يرتبط في جزء منه بالوعد الذي يقول غول منذ فترة إنه تلقاه بشغل منصب كبير في الدولة، وقد فهم البعض أن غول مرشح لشغل منصب الوزير الأول، وما يؤهله لهذا المنصب هو تجربته الحكومية، والفوز الكبير الذي حققته القائمة التي تصدرها في العاصمة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ثم إن تعيينه وزيرا أولا سيحمل رسائل سياسية كثيرة، فهو من ناحية يعطي الإسلاميين المنصب، ثم إنه يمثل انصاتا للناخبين الذين اختاروا قائمة غول بكل وضوح، فضلا عن كونه توفيقا بين مختلف التيارات مع الاستمرار في التحالف القديم الذي انسحبت منه حمس، غير أن الأهم من هذا كله هو أن حزب غول سيستفيد من المنصب الذي قد يشغله الوزير السابق للأشغال العمومية في جلب بعض الوجوه المعروفة التي قد تساهم في هيكلة سريعة على مستوى الولايات بما يسمح بدخول الانتخابات بقوة. رغم أن غول لم يتحدث إلى حد الآن عن التحالفات التي قد يعقدها مستقبلا إلا أنه توجهه إلى تبني الخطاب الجامع يوحي بأنه يرغب في تعويض حمس في التحالف الرئاسي الذي قد تعاد صياغته مستقبلا. إبراهيم عبد الله شارك: * Email * Print * Facebook * * Twitter