ظهور “الفاروق عمر ” في مسلسل ليس هو الأول ولن يكون الأخير.. فعلى الرغم من معارضة رجال الدين لظهور الأنبياء والرسل والصحابة في الدراما إلا أن هذا لم يمنع القنوات الفضائية من عرض تلك الأعمال.. بجانب تحقيقها لنسب مشاهدة عالية.. محققا بذلك منهجا ثقافا فكريا دراميا خاصا إن صح القول.. طفرةعمر.. ننقاشها في هذا الملف على أكثر من وجه.. كيف يمكن للأزهر أن يمنع تلك الأعمال في ظل موافقة بعض رجال الدين عليها.. أم سيستمر الوضع ونري بقية الصحابة في أعمال درامية أخرى في ظل عدم السيطرة على القنوات الفضائية؟! بعد مسلسل ( الفاروق عمر ) .. هل يتوقف ظهور الصحابة في الدراما؟! الأنبياء يظهرون في إيران والصحابة في الدول العربية.. هذا هو ما حدث، فقد استطاعت إيران أن تتحدى وتذيع مسلسل يوسف الصديق على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل رجال الدين السني، كما قدمت مسلسل علي بن أبي طالب في العام الماضي، ومنع من العرض في السعودية، كما قدمت فيلم إبراهيم الخليل، وهناك محاولات عديدة لمنع فيلم عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، حيث استنكر الأزهر إعلان مخرج إيراني عن تجسيد شخصية الرسول الكريم في فيلم سينمائي جري تصويره داخل طهران، أما عن الصحابة الذين ظهروا في المسلسلات العربية فكان هناك مسلسل خالد بن الوليد، والحسن والحسين، ومعاوية، وقد ظهرت شخصيات أخري من قبل في عدد من الأعمال مثل حمزة بن أبي طالب وعمرو بن العاص، وبجانب ذلك يستعد المخرج العالمي دارين أرنوفسكي لتصوير فيلم يروي حياة النبي نوح عليه السلام. ويقول الشيخ علي عبد الباقي -أمين عام مجمع البحوث الإسلاميَّة- تعليقا على ذلك إن الأزهر يرفض بشكل تام عرض مسلسل “الفاروق عمر”، استنادًا إلى فتوى مجمع البحوث الإسلامية التي تحرم ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الدراميَّة وقد خاطب الأزهر جميع الجهات المسئولة، لمنع عرض المسلسل في مصر عن طريق عرضه على أي قناة فضائية مصرية، حيث إن المجمع سيكون حازما في مثل هذه القضية. ويقول د. محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية : المسلسل لم يعرض على المجمع لكي نقول فيه الرأي، ولكننا مازلنا متمسكين بقرارات سابقة للمجمع حول هذه القضية، وهي أنه لا يجوز تجسيد وتمثيل الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة وآل بيت النبوة، فإذا كان مسلسل “الفاروق عمر” به تجسيد واضح لأي شخصية من شخصيات العشرة المبشرين بالجنة فنحن نرفض ذلك، فالرسل والأنبياء فئة منتقاة من البشر وليسوا كسائر البشر، فالله تعالى قال: “إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين” فإذا كان هؤلاء مصطفين من سائر البشر فهل يصح لنا أن نمثل شخصياتهم؟ فالمكانة العالية لهؤلاء توجب علينا أن نحتفظ بها في عقولنا وقلوبنا بصورة لا يشاركهم فيها أحد، وقريب من المعنى السابق الشخصيات التي نجلّها ونقدرها من سائر صحابة رسول الله ونضعهم في مكانة سامية خاصة العشرة المبشرين بالجنة وآل البيت. كما انضم مفتي عام المملكة العربية السعودية إلي الأزهر الشريف في رفض تمثيل الأنبياء والخلفاء الراشدين , وعدم إجازة مسلسل الفاروق عمر بن الخطاب ووصف الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية, أصحاب فكرة المسلسل ومن شاركوا فيه ومن تبنوها بالمخطئين, مضيفا أن تحويل سيرة الخلفاء والصحابة إلي عمل تمثيلي يعرضها للقيل والقال, والتجريح والنقد, وهذا خطأ وجريمة، وحذر مفتي السعودية أصحاب الفضائيات من إنفاق أموالهم في الباطل وطالبهم بتقوى الله. - والمعركة الدينية مع مثل هذه الأعمال لم تكن في السنوات الأخيرة فقط.. فقد كانت هناك محاولات عديدة لظهور الأنبياء والرسل والصحابة في العديد من الأعمال، وفي كل مرة كانت هناك فتاوى تحرم ذلك، مثل فتوى لجنة الفتوى بالأزهر في شهر يونيو 1968م، ومجلس مجمع البحوث الإسلامية في فبراير 1972، والمؤتمر الثامن للمجمع في أكتوبر 1977 م، ومجلس المجمع في أبريل 1978 م، ودار الإفتاء في أغسطس 1980م جميعهم أجمعوا على أن تمثيل الأنبياء والرسل أو تصويرهم أو التعْبِير عنهم بأية وسيلة من الوسائل حرام. وهناك أعمال عديدة دخلت في هذه المعركة وانهزمت.. ومنها رفض يوسف وهبي لتجسيد شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام بعد الهجوم عليه، فقد كتب في مذكراته التي نشرت سنة 1976 عن هذه الحكاية قائلا:” زارني بمسرح رمسيس الأستاذ الأديب التركي وداد عرفي وقدم لي شخصا يدعى الدكتور كروس، وعلمت في اللقاء أن د. كروس يمثل مؤسسة سينمائية ألمانية مشهورة وقد نال موافقة رئيس الجمهورية التركية على إنتاج فيلم إسلامي ضخم كدعاية مشرفة للدين الإسلامي الحنيف وعظمته وسمو تعاليمه تشارك في نفقاته الحكومة التركية باسم “محمد رسول الله” وقد أعد السيناريو، وصرحت بتصويره لجنة من كبار علماء الإسلام في اسطنبول، ويظهر في الفيلم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتصور مناظره الخارجية في صحراء السعودية، واقترح أن أرسم شخصية النبي، ولكن الداخلية استدعته وحدث تهديد من الملك فؤاد، وفي النهاية الشركة أنتجت الفيلم وأن ممثلا يهوديا هو الذي جسد فيه دور النبي محمد عليه الصلاة والسلام!! أما عن فيلم الرسالة للمخرج الراحل مصطفي العقاد فقد واجه عقبات كثيرة قبل الحصول على موافقة الأزهر على تنفيذه، من بينها عدم تجسيد شخصية الرسول وخلفائه الراشدين، وهذا أمر صعب في إنتاج فيلم عالمي، لأن الجمهور الغربي معتاد على وجود شخصية محوريّة، إلا أنها غابت في الفيلم بنسختيه العربية من بطولة عبد الله غيث في دور حمزة عم الرسول والإنجليزية من بطولة أنتوني كوين في الدور نفسه، كما لاقت نسخة الفيلم الإنجليزية مشاكل كثيرة أبرزها رأي العلماء في عدم جواز تجسيد غير المسلمين لأدوار الصحابة حمزة وبلال وعمار بن ياسر، وتم منع عرض الفيلم في التليفزيون المصري منذ إنتاجه سنة 1976 ولم يعرض سوى منذ وقت قريب. وبجانب ذلك رفض الأزهر رفضا قاطعا ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة في أعمال فنية، مثلما حدث في مسرحية “الحسين ثائراً” من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي والتي تحايل مخرجها آنذاك كرم مطاوع على قرار المنع بزعمه أنه يقوم ببروفة جنرال”، ودعا المثقّفين لمشاهدتها، وأدى دور الحسين النجم عبد الله غيث الذي تمنّى أن تُعرض المسرحية حتى لو اضطره الأمر إلى اعتزال التمثيل بعد أداء هذا الدور، وهذا ما يتمناه نور الشريف أيضاً، إذ يسعى جاهداً إلى إعادة تقديم المسرحية نفسها لكن محاولاته باءت بالفشل بعد إصرار الأزهر على عدم موافقته نهائيا على تجسيد شخصية الحسين. كما أن المخرج الأردني محمد عزيزية، سبق وأن أعد مسلسلا عن حياة سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- وذلك بعد عرض مسلسل «خالد بن الوليد» الذي أخرجه قبل أربع سنوات، ولعب بطولته باسم ياخور، ولاقى نجاحًا كبيرا، ولكن تعثر مشروع مسلسل سيدنا أبو بكر لأسباب اقتصادية. ولكن من الواضح أن الممنوع مرغوب، فعلى الرغم من اعتراض رجال الدين على مثل هذه الأعمال إلا أنها تلقى نسبة مشاهدة عالية.. وهذا ما يؤكده الناقد الفني طارق الشناوي والذي يقول: على الرغم من اعتراض علماء الدين على مسلسل الفاروق عمر إلا أن كل المسلمين كانوا ينتظرون هذا العمل، وبالتأكيد مادمنا شاهدنا عمر بن الخطاب، فإننا سوف نرى باقي الخلفاء الراشدين والصحابة والمبشرين بالجنة، ومثل هذه الأعمال الدرامية إذا قدمت بإحساس فني عالي المستوى وبصدق تاريخي سوف تقدم الكثير للعالم عن حقيقة الإسلام الذي صار – مع الأسف- هدفًا للهجوم في العديد من أجهزة الإعلام، مثل هذه الأعمال الدرامية من الممكن أن تصبح سلاحًا في أيدينا وقوة إيجابية تسهم في تقديم صورة صحيحة عن الإسلام، ولا أعرف ما جدوى التحريم مادام لا يوجد في العمل ما يسيء لاسيما أن السيطرة على مسألة العرض لم تعد مجدية في ظل السموات المفتوحة. مسلسل “عمر بن الخطاب “.. جدل الشخصية بعد العرض وركزت الحلقة الأولى من المسلسل على بعض مزايا الفاروق قبل الإسلام كالحكمة والعدل والقوة، وبدأت بآخر حجة قام بها عمر رضي الله عنه، وهو يدعو الله لكي يقبض روحه ويريحه بعدما ما اتسعت الدولة الإسلامية وزادت رعيتها، بعدها تم الرجوع بالزمن إلى الخلف لكي نسير مع الفاروق مرحلة مرحلة، لنعرف كيف دخل ثاني الخلفاء الراشدين الإسلام وتغيرت حياته وكيف صنع الحضارة. وتجسيد شخصية الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه -رغم أن الجهات المنتجة تكتمت عن طبيعته حتى قبل عرض الحلقة الأولى -أثارت جدلاً كبيراً وغضباً داخل المؤسسات الدينية، فقد عارض الأزهر فكرة العمل، وحذر مفتي السعودية القنوات الفضائية من بثه، مشيرا إلى أن عرض العمل سيؤدي إلى تقليل هيبة ومكانة الصحابة لدى المشاهدين. لكن مخرج العمل السوري حاتم علي قال إن هناك لجنة من كبار العلماء وافقت على عرض المسلسل. وتتكون لجنة العلماء المشرفة على مراجعة النص التاريخي للمسلسل من عدد من شيوخ الدين المعروفين، هم يوسف القرضاوي وعبد الوهاب الطريري، وعلي الصلابي، وسعد مطر العتيبي، وسلمان العودة، وأكرم ضياء العمري كما جاء في مقدمة المسلسل. وإذا كان الجدل حول مسألة عرض المسلسل من عدمه قد حسم ببدء عرضه عبر عدة قنوات عربية وأجنبية، وترجمة العمل -الأضخم في تاريخ الدراما العربية- إلى التركية والفارسية والإندونيسية، فإن طبيعة الجدل انتقلت إلى الشخصيات التي أدت أدوار الخلفاء، وخاصة الممثل سامر إسماعيل. استمرار الجدل المخرج حاتم علي استعان بالممثل السوري الشاب لتأدية شخصية ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الذي تخرج حديثاً في المعهد العالي للفنون المسرحية بسوريا، ولم يسبق له الظهور في أي عمل درامي أو مسرحي في حياته. وبذلك تجاوز المخرج الانتقادات التي وجهت لأعمال سابقة تتعلق بتاريخ وسلوك الممثلين الذين أدوا أدوار شخصيات تاريخية. وكان مخرج مسلسل “الحسن والحسين ومعاوية” قد استعان بدوره بممثلين أردنيين شابين تجنبا لتلك الانتقادات، وهو ما فعله حاتم علي الذي أسند أيضا أدوار الخلفاء الراشدين إلى ممثلين جدد بينهم التونسي غانم الزرلي في دور علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والممثل السوري سامر عمران في دور عثمان بن عفان رضي الله عنه، في حين يلعب الممثل الشهير غسان مسعود دور الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه. لجنة العلماء المشرفة على العمل اشترطت أن يجسد شخصية الفاروق ممثل غير معروف وليس له تاريخ في الدراما، وأن يوقع الممثل الشاب على إقرار بعدم أداء أي دور في أي عمل درامي أو مسرحي لعدة سنوات تبدأ من يوم الاتفاق على العمل. وعلى خلاف ما تناقلته شبكة الإنترنت ضمن الجدل والانتقادات الدائرة حول العمل بأن سامر إسماعيل الذي يؤدي دور ثاني الخلفاء الراشدين مسيحي، أكد المخرج حاتم علي أن إسماعيل “مسلم “. وكانت انتقادات كبيرة قد وجهت لمسلسل ‘خالد بن الوليد' الذي قام ببطولته الفنان باسم ياخور على هذا الأساس. ويرى علي أن تحريم تجسيد الخلفاء يرتكز بالأساس إلى أسباب نفسية وليست شرعية، ويرى السيناريست المصري بشير الديك أن التناول الدرامي لسيرة عمر بن الخطاب شيء إيجابي لإظهار الحكمة والعدل التي انتشرت في عهده. وشدد يسري الجندي على ضرورة تغيير تلك النظرة التي ينظر بها إلى هذه المسلسلات، مشيراً إلى أنه قبل نصف قرن كنا نصنع أعمالا دينية رائعة مثل “فجر الإسلام” و”بلال بن رباح” وغيرهما، واستطاعت أن تظهر الوجه الحقيقي للإسلام الوسطي المستنير الذي أسس حضارات الأندلس وغيرها من الحضارات، ولم يكن هناك من يزايد على هذه المواد السينمائية باسم الدين.. مثقفون يناقشون تجسيد الشخصيات الدينية في الدراما البعض يرى فيها فرقة وإثارة فتن وآخرون عدوها ضرورة بين رافض مستهجن،ومدافع متحمس لها، مازالت دراما رمضان تكرر ذات التساؤلات، عن جدوى توظيف سير الشخصيات التاريخية الاسلامية كموضوعات أثيرة لها، تعرض في هذا الشهر الفضيل، ولأن تاريخنا تنتابه التفسيرات ورؤى الطوائف والمذاهب، ولان هذه الاحداث تلقي بظلالها بقوة وتحرك مشاعر المشاهدين كلا حسب زاوية نظره اليها، فقد اثار ت مسلسلات مثل “عمروبن العاص” و “الحسن والحسين”، “والمختار” و”ابو حنيفة”، وآخرها مسلسل “عمر بن الخطاب” جدلا واشكالات لا حد له، وصلت الى حد إصدار فتاوى أو تهديدات بحق منتجيها في حالة عرضها، وعلى الرغم من ان بعض هذه الامور تثار من اجل التسويق، الا ان الامر ياخذ احيانا صراعا ليس على مستوى المشاهدة الجماهيرية وحسب، بل بين الشعوب والحكومات، والفيصل في ذلك هوالجهات الداعمة و شركات الاعلان، التي تستثمر اموالا مهولة لايقدر عليها الانتاج التقليدي، لاسيما ان ذروة المشاهدة تصل الى مدياتها القصوى خلال الشهر الكريم، حتى ان ثانية البث الاعلاني قد تصل الى الاف الدولارات، وهذه الشركات ذات الراسمال المعولم، وجدت في انتاج هذه المواضيع تحقيق ارباح مجزية، فضلا عن غايات أخرى وراءها دول ومؤسسات.. التصالح مع التاريخ لفك الالتباس الذي شكلته روايات السلف المختلفة، والتي حولت سيرة السلف الصالح من الصحابة والأئمة الأطهار إلى محض وسائل لإثارة الفتن والخلافات، هناك من يرى أن تناول هذه الموضوعات طبيعي، لأن المشاهد يرى الأحداث التاريخية ضمن نسيجها المجتمعي وليست مجردة، فهم بشر من لحم ودم، يعملون ويأكلون ويشربون، يغضبون ويفرحون، وكيف يتعاملون مع دينهم في الحياة اليومية، وهذا يساعد على فهم حقيقي لجوهر الاسلام، الذي هو دين الفطرة والتوحيد، والذي جاء ليرتقي بحياة الانسان نحو الافضل، فهو وسيلة وليس غاية، مازلت اذكر اني لم اكن اعرف الكثير عن الامام الفقيه ابي حنيفة، الا النزر القليل مما سمعته وما قراته، لكني بعد مشاهدة مسلسل “ابو حنيفة النعمان” والذي جسده باقتدار النجم المصري محمود ياسين ، حصل تغير كبير في فهمي لهذه الشخصية الفذة المؤثرة في حقبتها الزمنية، وعجبت كيف ان هذا التاريخ المشرق لهذه الشخصية الاسلامية المعتدلة في الحياة والصلبة حد البسالة، لايعرفه الكثير، والامرينطبق على شخصيات كثيرة اخرى، نحن شعوب مسكونين بالتاريخ الذي لم نتصالح معه بعد، كلا يفسره وفق قناعته، فبدلا من ان يكون عامل وحدة وسمو، باعتبار ان اكتمال مجد الامة وسؤددها في عظمة رسالة الرسول الاكرم والائمة والصحابة الاطهار، لم يتحقق الا في تاريخها التليد، إلا ان المقلق في الامر ان دولا ومؤسسات ذات اهداف طائفية، وتملك وسائل مادية بلا حدود دخلت على الخط، لتساهم في تعميق الهوة بين ابناء الامة الواحدة، وهنا مكمن الخطورة، لذا ارى ان على الحريصين على الوحدة الاسلامية من رجال دين ومثقفين متنورين، ان ينتبهوا الى هذه القنابل الموقوتة). دراما بلا معايير يرى الكاتب والشاعر الأردني أبوليلى الربيعي ان المسلسلات الدرامية الدينية، تحولت في السنوات القليلة الماضية الى ظاهرة، تأخذ شخصية تاريخية دينية وتبني عليها سيناريو لأبراز دورها التاريخي والديني، بحيث تخضع هذه الشخصية لوجهة نظر مذهبية، حسب مذهب الكاتب والمخرج وجهة الأنتاج، وهذه لاتخضع لمعايير الدراما المعروفه فنياً، وأنما لمعايير مذهبية لأبراز كل طائفة الى رموزها الدينية، التي هي على يقين بأنهم يمثلون الدين الحق، بالمقابل أظهار الطرف الأخر بأنه الجانب السلبي من الدين، وهكذا مسلسلات لاتأخذ في حساباتها الربح والخساره في الانتاج، بقدر تهيأتها اكبر قدر ممكن من شاشات العرض الفضائي، لنشر ما تريد أن تبينه الى الجمهور الواسع. هوس درامي طائفي منذ أكثر من عقد يواجهنا هوس الوقوف بروح طائفية إمام شخصيات بعينها ويتنافس المتنافسون في التعظيم والتخسيس، ولا يقف هذا الاصطراع عند الكتب والمجلات التي لها نوع من المتلقين إلى ان تكون محورا للكثير من الأعمال الدرامية، هذا بالضبط مايعتقده الكاتب والباحث الاكاديمي الدكتور زامل صالح، ويضيف متابعا: ( ان هذا الاصطراع هذا بلا شك خطر جدا لان فضاء عرض الدراما وخاصة في التلفزيون فهي تدخل كل بيت، وصارت لكل عائلة باقة من الفضائيات يحرص على متابعتها، ثم هذا النزوع الجمعي لفكرة الإلغاء التي ترى نفسها كل شيء وغيرها لا شيء. الإبداع له سمة إنسانية بدليل انك تستمتع وتتعاطف مع فلم أو دراما لم تعشها وفي ارض لم ترها، وأجمل الأعمال الدرامية التي حملت حسا إنسانيا متصالحا مع المشتركات الإنسانية، والمسلسلات التي تتنافس بلا براءة عند موضوعات محددة نراها تحضر بقوة. واوضح صالح قائلا: (ان اغلب الشخصيات المتنازع حولها جرى تناولها في أزمنة متباعدة من قبل شخصيات لا تمت لمذهب هذه الشخصيات أو لدينها، فأعظم شروح نهج البلاغة ألفه شافعي معتزلي رقمه وعين له على الخليفة السني وأخرى على الوزير البويهي الشيعي هو ابن أبي الحديد، وأفضل حديث عن الإمام علي لم يكتبه مسلم ولكنه مسيحي هو جورج جرداق، ومسرحية في غاية الإنسانية والفن والموضوعية يكتبها علماني وليس إسلاميا هي (مسرحية الحسين ثائرا ومسرحية الحسين شهيدا) هو المصري عبد الرحمن الشرقاوي الذي سيكتب (علي إمام المتقين) فضلا عن العلماني نوري جعفر وعزيز السيد جاسم فكلا منهما كتب كتابا في غاية الموضوعية الأول كتب(علي ومناوؤه) والثاني كتب(الإمام علي وسلطة الحق) في لحظة رد فعل لكنها لم تجانب الصواب بل لوضع الحق في نصابه، وليس فيها التعدي على آخرين، وهو الخطاب المفترض ان يحضر فيه المتفارقون فضلا عن العلمانيين واللبراليين مثل طه حسين والعقاد وعشرات غيرهم ممن كتبوا عن عمر وعلي وعثمان وأبي بكر. الذي أريد ان اخلص إليه ان الدراما لتكن ما تكون، ولتعرض ما تعرض لكنها ما دامت خطابا ليس في غرضه ان يكون متوجها بتناغم مع فئة معينة، فيجب ان يطمح ان يكون تواصله مع اكبر أو اعرض جمهور، لذا يجب ان يكون خطابا مهذبا وليس استعدائيا، ولننظر لعلي ولعمر ولأبي بكر ولعثمان وللحسن والحسين والصادق وزيد ولحمزة وخالد بن الوليد من جهة معرفية ومن قيمة إنسانية نهذبها في أنفسنا لا نستعدي بها على بعضنا ويقدم متعة المعرفة. الدراما تعيد إنتاج الماضي يقول مصدق يوسف : (أنا مع إعادة قراءة الماضي برؤيا معاصرة بمعنى إزاحة رداء القداسة عن التراث المليء باللبس الآتي بدرره من إكساء الشخصيات والحوادث التاريخية لبوسا يبتعد عن الواقعة التاريخية وشخصياتها ويجعلها تحلق بعيدا عن ارض الواقع بأجنحة من الخرافة والأسطورة مما لا يخدم الفهم الصحيح لتلك الوقائع والشخصيات. فرحت كثيرا بالعمل التلفزيوني الذي يجسد شخصية الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب) والذي تظهر فيه شخصية عمر خلافا للسائد من عدم تجسيد الصحابة والائمة على الشاشة، وهذا برأيي يشكل انعطافة مهمة في إمكانية الاشتغال، وعن طريق الدراما للخوض بالمشكل التاريخي ومحاولة قراءته بمعطيات جديدة تجعل من الواقعة التاريخية وشخصياتها قابلة للرؤيا النقدية التي نحن بأمس الحاجة لها الآن). التاريخ تكتبه القنوات التلفزيونية قدمت السينما والتفلزيون في العالم، مئات التجارب في إنتاج الأفلام أوالأعمال الدرامية، التي تعتمد على أحداث تاريخية او اشخاص تاريخيين، تفاوتت فرص نجاحها اداء او معالجة، هذا يعتقده صباح حاتم من المهتمين بالجانب الثقافي والمعرفي العراقي، ويضيف (على العموم تعد هذه الاعمال بصيغة او اخرى هي معالجات فنية لاحداث تاريخية، ومن هنا ياتي فهمها اساسا، فهي لا يمكن اعتبارها اعمالا وثائقية بهذه الصفة، ولا يمكن اعتبارها اعمالا فنية صرفة، كونها تعتمد الحادثة المؤرخة، اذ ان اغلب الاعمال التي تناولت احداثا تاريخية لاقت نجاحا، هي تلك التي اعتمدت المعالجة الفنية للحدث التاريخي، ولم تلتزم بالحدث وتسلسله الاني). ويرى حاتم ان انتاج مسلسلات تاريخية عن احداث في التاريخ الاسلامي، لاسيما الاحداث التي تكون (احداثا اشكالية) بمعنى تنوع الاراء وعدم اتفاقها لدى المؤرخين العرب، هو نوع من انتاج الايديولوجيا او حتى فرضها ,لان التاريخ العربي الذي كتب في فترة متاخرة في فترة التدوين، ما زال لغاية اليوم لم يتفق على الاحداث الكبيرة تفصيلا او جزءا، ويؤكد على ان تقديمها بهذا الشكل، هو نوع من انتاج الهيمنة المرئية على المعرفة التاريخية، ا و بالاحرى انتاج السلطة الايديولوجية للتاريخ بشكله الشعبي وتغييب التاريخ بشكله المعرفي، وهنا تكمن خطورة، ان يصبح التاريخ عصا الايديولوجية الجديدة للسلطة بعد ان عرفت السلطة اهمية المرئي ودوره، ان هذه الاعمال هي بداية خطيرة لمرحلة قد تسمى مستقبلا (التاريخ تكتبه القنوات التلفزيونية). إعادة كتابة التاريخ نحن نعيش عصر الصورة، التي بدأ تاثيرها حاسما في التعامل مع متغيرات عصرنا، بهذه الكلمات يلخص الشيخ صادق الحصناوي رؤيته لتجسد الشخصيات الدينية في الدراما، ويضيف متابعا : حتى لوكان ذلك وهما، فكم من الثورات والاحداث التي عصفت بتاريخ الشعوب، صنعت واتخذت زخمها على شاشات التلفزيون، لذا علينا ان نلتفت الى ما يقدم لاسيما المسلسلات التي تجسد وتوظف حياة و شخصيات الانبياء والائمة والصحابة الاطهار، والتي يحرص الناس على مشاهدتها في الشهر الفضيل، ولاشك هنالك منهج فكري وراء انتاج هذه المسلسلات والبرامج، وهذا المنهج ربما يهدف الى إثارة الفرقة والفتن بين ابناء الامة، واحيانا يعزف على اثارة النعرات الطائفية، وربما يحرف ويلوي عنق الحقائق التاريخية المتفق عليها، لتمرير مايريد، لكن هذا لايعني ان هنالك كتابا ومنتجين يتعاطون مع المعلومة التاريخية بشكل موضوعي، معيدا تراث السلف الصالح بشكل محبب من خلال الفن الدرامي، لتطلع عليه الاجيال الجديدة ويرى الحصناوي : أنه مع توظيف وتناول سير حياة الشخصيات الدينية، شرط ان تكون موضوعية ومعتمدة على مصادر متفق عليها، ولكنه يرفض ان تستغل الميديا هذه المواضيع الحسساسة، وتترك المشاهد غير المحص نهبا لاهواء ونزعات وراءها مقاصد ومصالح، فالفن من خلال الصورة التي بدات هي من توجه الراي العام وتحشده بالوجهة التي تريد، وكم مررنا نحن في العراق ابان العهد المباد بمثل هذه التجارب ، حيث اعيدت كتابة التاريخ من جديد وفق طريقة تعسفية، ومن هنا الفت الانتباه الى مخاطر بعض القنوات وشركات الانتاج التي تعيد ترتيب التاريخ بطريقة مشوهة لتثير الفتن والاضطرابات. المسلسلات التي تتخذ من السيرة العطرة للانبياء والصحابة الاطهار بشكل خاص وتاريخنا الاسلامي بشكل عام موضوعات لها تقرب بين ابناء الامة على اختلاف طوائفهم او مشاربهم، بحسب رأي عبد الكريم شاكر محمود (خادم الحضرة القادرية)ويضيف اقول تقارب ابناء الامة لان تاريخنا حافل بمكارم الاخلاق وحياة ائمتنا الاطهار والصحابة الاجلاء، حافلة بقيم الدين الحنيف، فهي امثولة لكل من يطلع عليها ، وهي أيضا ومن خلال الانتشار الواسع للقنوات الفضائية ، يمكن ان يراها اكبر عدد من البشر، والخوف كل الخوف، اذ حرفت وجهة النظر باتجاه مآرب تريد بالامة الفرقة والتشتت، لكن ذلك لن يحصل لان الناس وعت ما ينفعها وما يضرها، واليوم وبعد ان تبدلت اساليب النشر والدعوة ، صار من الضروري الالتفات الى هذه الوسيلة من خلال القنوات للتعريف بجوهر ديننا الحنيف عن طريق المسلسلات والبرامج. الكراهة وليس التحريم إن شخصيات الائمة الاطهار والصحابة الابراروصبرهم الذي تحملوه وايمانهم المشع الذي غير مجتمعات كانت تئن تحت نير الظلم والاستعباد لايمكن ان يعاد تجسيده،الا اللهم بجزئيات من ملامح تلك الشخصيات،فضلا عن ان من يجسد تلك الادوار،ربما يترك انطباعا ذهنيا عن ادوار سابقة ظلت عالقة في ذهنية المشاهد،لاسيما الشخصيات النسوية،ربما هذا جانب من التصور، وثمة جانب اخر علينا ان نوليه اهمية فائقة، وهو اننا نعيش في عصر الصورة، والصورة هنا غير محايدة،وهي تحمل هيمنتها وسطوتها على المشاهد،هذه الصورة معولمة،وخارج السيطرة فنحن لانستطيع ان نضع رقيبا على المشاهد الذي يقع تحت تاثير المئات من القنوات التي تعرض كل شيء،لذا فان انتاج مسلسلات تتمثل السير العطرة للسلف الصالح سيكون تاثيرها كبيرا على المشاهدين لاسيما الاجيال الجديدة التي اغتربت عن جوهر دينها، سيساهم في تفهم تاريخنا الاسلامي بطريقة شيقة ومهضومة من قبل كل المستويات، لذا انا مع كل مسلسل او فيلم اوبرنامج يعمل على توحيد الصف،يجمع ولايفرق ولايتبع مآ رب واغراض لدول ومؤسسات،تريد لهذه الامة التفتت والضعف. مسلسلات تلوي عنق التاريخ لايرى الموسيقي قيس حاضر، ضيرا في توظيف الشخصيات الدينية في الدراما،لان تاريخنا مليئ بالحكايات والاحداث والشخصيات التي تستهوي كتاب المسلسلات، لكن المشكل من وجهة نظره،يكمن في طريقة عرضها واسلوب معالجتها، لاسيما ان العالم الاسلامي عموما والعربي خصوصا،يعيش على كف عفريت،بعد الربيع العربي ودمقرطة المنطقة، واتساع الهوة بين الاثنيات والطوائف،ماجعل هذا النوع من المسلسلات يلوي عنق التاريخ ليقدم رؤية للتراث تخدم مصالحه،فليس غريبا ان نرى مسلسلا ينتج هنا واخر ينتج هناك وبالضد منه، أنها حمى التنافس،انا اقترح ان تكون هيئة عليا تنضم فيها لجان من العلماء والمفكرين المتخصصين،تكون مشرفة على اجازة هكذا نصوص،وهذا يعني ترصين النص اصلا وتحصينه من الاخطاء التاريخية والتعصب الذي ربما يهدد وحدة الامة ويزيد في انشقاقاتها. إعداد : حسام الدين مرابطي شارك: * Email * Print * Facebook * * Twitter