اضطر عبد العزيز بلخادم الأمين العام للأفلان إلى تقديم توضيحات بخصوص علاقته بالرئيس بوتفليقة من أجل الرد على خصومه الذين يسعون إلى تجميع قواهم استعدادا لهجوم مضاد بعد أن شعروا بأن التشكيلة الحكومية كانت بمثابة قرار من الرئيس بسحب الثقة من بلخادم الذي فقد منصبه كوزير دولة ولم يحصل حزبه على منصب الوزير الأول. بلخادم كان واضحا عندما تناول هذا الموضوع في أشغال الجامعة الصيفية لحزب جبهة التحرير الوطني، فقد رد على خصومه الذين ” قالوا عني إنني انتهيت في عين الرئيس”، ونفى أن يكون التعديل الحكومي الأخير مؤشرا على فتور في العلاقة بينه وبين الرئيس، وذهب إلى أن “تعيين الحكومة هي صلاحية يختص بها رئيس الجمهورية وحده وفقا للدستور”، وكذب الأخبار التي راجت عن إخباره أعضاء المكتب السياسي بأن الأفلان سيحصل على 22 حقيبة وزارية، وقال إنه لم يتحدث أبدا في هذا الموضوع، ونفى أن يكون رفع إلى بوتفليقة قائمة من أسماء يرشحها لمناصب وزارية، رغم إقراره بان فعل ذلك في التعديلات الحكومية السابقة بطلب من الرئيس بوتفليقة، وذكر أن رئيس الجمهورية هو رئيس الأفلان “وبالتالي فعندما يقرر فإنه يفعل ذلك بقبعتين”، مجددا موقف الحزب الداعم لخيارات الرئيس لأن “الدستور لا يُلزم الرئيس بتعيين الوزير الأوّل من حزب الأغلبية”. وذهب بلخادم إلى حد التركيز على الطابع الشخصي للعلاقة التي تربطه ببوتفليقة عندما قال “الرئيس يُدرك قبل غيره نتيجة العلاقة بيننا. قلتُ له إنني سأساعدك حتى من بيتي لأنني أؤمن بأن الرئيس بوتفليقة هو من حقق وفاقا حوله”، وأضاف “أنا أساعده من أي موقع سواء كنت مناضلا أو أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني. هذه قناعة راسخة عندي”. هذا الرد جاء في وقت تصاعدت فيه حملة المناوئين للأمين العام من أجل الإطاحة به خاصة وأن كثيرا من السياسيين والإعلاميين اعتبروا أن التشكيلة الحكومية المعلن عنها أبانت عن فقدان بوتفليقة الثقة في بلخادم الذي بات مفتقرا لدعم الرئيس الذي طالما قدم له الحماية في مواجهة خصومه الذين فشلوا في إسقاطه منذ سنتين ونصف هي عمر الأزمة الداخلية للحزب، وقد كان فوز الأفلان بالانتخابات التشريعية قد أضعف التقويميين، غير أن عدم تعيين وزير أول من الحزب خلفا لأويحيى، واستبعاد بلخادم من التشكيلة الحكومية أنعش آمال هؤلاء في رفع الرئيس غطاءه عن الأمين والعام وأنصاره وهو ما سيعجل بالإطاحة بهم. والحقيقة أن مساعي فرقاء الأفلان للاستعانة بالرئيس بوتفليقة من أجل ترجيح كفتهم ليس أمرا جديدا ، فمنذ سنة 2004 على الأقل ربط الأفلان مصيره بالرئيس بوتفليقة، حيث جاءت الحركة التصحيحية التي أطاحت بعلي بن فليس على خلفية صراع سياسي حول ترشيح الأمين العام آنذاك أو تزكية بوتفليقة لعهدة ثانية، وكان انقلاب بن فليس على بوتفليقة، وهو الذي قلده أرفع المناصب السياسية وجعل منه أقرب مساعد له، بداية لانشقاق عميق جعل الحزب ينقسم إلى شطرين، وقد قاد بلخادم الحركة التصحيحية مدعوما بأعضاء قياديين لهم نفوذهم داخل الحزب ويعززون قوتهم بمراكزهم في الحكومة والمناصب السامية التي يشغلونها، وانتهى الأمر بسحق الأمين العام السابق وأنصاره الذين عاد كثير منهم إلى بيت الطاعة بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 2004 والتي مني فيها بن فليس بهزيمة نكراء. مآل الانتخابات الرئاسية سنة 2004 عزز موقع الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم الذي جعل تقوية العلاقة مع الرئيس القاعدة الأساسية التي تقوم عليها استراتيجية الحزب، ومن هنا جاءت فكرة ترشيح بوتفليقة لرئاسة الحزب، ورغم أن الرئيس لم يقبل المنصب رسميا فإنه لم يعترض على الرئاسة الشرفية التي تمنحه سلطة أخلاقية على الحزب دون أن تضعه في حالة من التناقض مع دوره كرئيس لكل الجزائريين انتخب بصفته مرشحا مستقلا، وقد اعتبر بلخادم أن الحفاظ على علاقة متميزة مع الرئيس يخدم الأفلان على مستويين، الأول هو ضمان الاستقرار الداخلي للحزب، حيث أن التجربة التاريخية أثبتت أن عمليات الإطاحة بالقيادة كانت تنجح كلما كان هناك دعم من جانب السلطة لها، وهذا ما حدث على الأٌقل مع عبد الحميد مهري ومع بن فليس بعد ذلك، بل إن عملية إزاحة بوعلام بن حمودة من القيادة نجحت بفضل قوة بن فليس التي كان يستمدها أساسا من دعم الرئيس الذي عينه كرئيس للحكومة آنذاك، وحتى إن كان مجيء بن فليس قد تم تقديمه على أنه انتقال سلس للقيادة فإن ما جرى حقيقة كان انقلابا أبيض تم تنفيذه بعيدا عن الضجيج الإعلامي بفضل تفهم بن حمودة وحرصه على الانسحاب في صمت، وقد حدث لبن فليس ما حدث لبن حمودة ومهري من قبله عندما انقسم الأفلان على نفسه بسبب خلاف حول الولاء للرئيس بوتفليقة. القراءة التي قدمها بلخادم للتشكيلة الحكومية تبدو منطقية، فإذا كان بلخادم قد خسر ثقة بوتفليقة فإن الهادي الخالدي الوزير السابق للتكوين المهني، وهو أول من قاد الحركة التقويمية، خسر هو الآخر منصبه الوزاري، في حين بقي مناوئ آخر لبلخادم إلى جانب مناصرين له في الحكومة، وهذه الإشارات تؤكد أن الرئيس بوتفليقة لم يأخذ في الحسبان الصراعات الداخلية في الحزب في تشكيل الحكومة، فالأمر لا يتعلق بتوجيه رسائل بقدر ما يتعلق بالبحث عن فريق قادر على تمرير مشروع الإصلاحات وهو ما يقد يفسر عدم استشارة الأحزاب في هذه العملية على غير العادة. إبراهيم عبد الله شارك: * Email * Print * Facebook * * Twitter