قبل أسبوع أعلنت عشرة أحزاب من المعارضة تأسيس ما سمي مجموعة وطنية، وقد صدرت وثيقة عن الأحزاب المعنية ركزت بشكل لافت على قضايا العلاقة مع فرنسا وتجريم الاستعمار، وتمثل هذه الخطوة تأكيدا لحالة من التخبط التي تطبع توجهات المعارضة التي لم تفلح في إقناع الشارع بمشروع التغيير الذي تدعو إليه. الأحزاب أصدرت ما سمته وثيقة إطار تضمنت عشرة مبادئ وقدمت توصيفا للوضع القائم في الجزائر، وقد جاءت فيها الإشارة إلى ضرورة “اتخاذ موقف واضح وصريح إزاء المخاطر التي تتعرض لها الجزائر، نتيجة الوضع السياسي الهش الذي لم يعد قادرا على حماية المكتسبات الوطنية والدفاع عن مصالح الجزائريين ولا بناء منظومة سياسية تقوم على أساس احترام القانون وضمان التعددية السياسية والاجتماعية، والسعي إلى ديمقراطية حقيقية تستجيب لإرادة الشعب”، واعتبرت أن “مرحلة جديدة من الوعي السياسي قد بدأت بوادرها تلوح في الأفق بأشكال مختلفة، مؤكدة حتمية التغيير وإصلاح مؤسسات الدولة والعودة إلى الشرعية الشعبية بشكل نهائي”. ورغم أن هذه المقدمات تستلزم تقديم بدائل سياسية لإصلاح الوضع القائم بحسب رؤية الأحزاب المعنية، فإن الذي جاء في الوثيقة كان بعيدا عن هذا الاتجاه، فقد اختار المعنيون العودة إلى المسائل التاريخية، وركزت المبادئ المعلنة على تأكيد ما هو معروف لدى جميع الجزائريين مثل “استقلال الجزائر عن فرنسا، وأنها ليست محمية لها، وأن المجموعة لا تحمل حقدا للشعب الفرنسي”، وكان المقترح العملي الوحيد الذي طرحته المجموعة هو إعادة تفعيل قانون تجريم الاستعمار، في حين أنه لم يتم تناول القضايا السياسية ذات الأولوية وبصفة خاصة الإصلاحات السياسية التي وصلت إلى المرحلة الأكثر حساسية وهي مشروع تعديل الدستور الذي من المفترض تقديمه قبل نهاية السداسي الأول من السنة الجارية. ومن الواضح أن الأحزاب المعنية وهي حركة مجتمع السلم، وحركة النهضة، وحركة الإصلاح الوطني، والجبهة الوطنية الجزائرية، وحزب الفجر الجديد، وحركة الوطنيين الأحرار، وحزب العدالة والبناء، وحزب الشباب الديمقراطي للمواطنة، والحزب الوطني التقدمي، والتجمع الوطني الجمهوري، مصرة على إحياء الجدل الذي أثارته زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر في شهر ديسمبر من السنة الماضية، وفي ذلك الحين أصدرت هذه الأحزاب بيانا جاء فيه أن ”الرئيس هولاند لم يحترم دولة ذات سيادة، وتصرف كأنه جاء لتفقد مقاطعة فرنسية، ووقع الاتفاقيات التي تخدم مصلحة الشعب الفرنسي، وغادر الجزائر على وقع صخب فولكلوري لم يعد يمثل روح العصر” وأضاف أن ”الرئيس الفرنسي تصرف في الجزائر من منطلق اعتقاده بعدم شرعية النظام الجزائري القائم على التزوير والاحتيال ومصادرة إرادة الشعب، وتبذير أموال الجزائريين في شراء صمت المواطن وذمم الدول الكبرى”، كما أن ”الرئيس الفرنسي سمح لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر بإعلانه عن تعديل دستور لم يطرح أصلا للنقاش، وتحديه المباشر للشعب الجزائري برفضه الاعتراف بالجرائم المرتكبة من طرف الاستعمار الفرنسي”. ويبدو واضحا أن الأحزاب التي تشكل اليوم المجموعة الوطنية تمثل امتدادا لتلك المحاولة التي بدأت قبل شهرين من الآن، وقد جاء هذا التحرك في سياق البحث عن طريق للعودة إلى الساحة السياسية بعد هزيمتين انتخابيتين متتاليتين في تشريعيات العاشر من ماي ومحليات التاسع والعشرين من نوفمبر من السنة الماضية، وتذكر الوثيقة بالادعاءات السابقة حول تزوير الانتخابات من خلال الإشارة إلى أن “مرحلة جديدة من الوعي السياسي قد بدأت بوادرها تلوح في الأفق بأشكال مختلفة، مؤكدة حتمية التغيير وإصلاح مؤسسات الدولة والعودة إلى الشرعية الشعبية بشكل نهائي”، فالأحزاب المعنية تصر على الطعن في نتائج الانتخابات رغم أنها فشلت في توفير أي دليل يؤكد ادعاءات التزوير، وتشير أيضا من بعيد إلى ما يجري في الجوار العربي من أحداث تأكيدا لقناعتها بأن رياح ما يسمى الربيع العربي ستهب حتما على الجزائر. القضايا السياسية الأساسية غابت عن وثيقة المجموعة ، وقد يكون السبب الأساسي الذي دفع الأحزاب المعنية إلى تحاشي الخوض في مسائل من قبيل تعديل الدستور هو عدم وجود أرضية للتوافق فيما بينها، فحركة مجتمع السلم وحليفيها في التكتل الأخضر لا تتقاسم كثيرا من المواقف مع بقية الأحزاب التي شاركت في لقاء الأسبوع الماضي، والحفاظ على تواجد أكبر عدد ممكن من الأحزاب لرسم صورة الجبهة العريضة للمعارضة، يقتضي البحث عن مبادئ مشتركة ولهذا تم اللجوء إلى قضية التاريخ والعلاقة مع فرنسا، حيث يعتقد أصحاب المبادرة أن الجدل الذي أثارته زيارة فرانسوا هولاند لا يزال قابلا للاستغلال السياسي خاصة وأن أزمة مالي والتدخل العسكري الفرنسي هناك أعادت إلى الواجهة الحديث عن الأطماع الفرنسية وتهديدها لأمن الجزائر ودورها الإقليمي ومصالحها. والحقيقة أن الأحزاب العشرة تجازف بالتركيز على قضايا التاريخ وتجريم الاستعمار في ظرف شديد الحساسية، فالرأي العام الوطني يبدو مشدودا أكثر إلى مشروع تعديل الدستور الذي يمثل تتويجا للإصلاحات السياسية التي سترسم صورة الجزائر خلال المرحلة اللاحقة، كما أن الرد على المخاطر الإقليمية التي تؤرق الجزائريين سيكون بتقوية الجبهة الداخلية من خلال إصلاح عميق للنظام السياسي، أما موضوع التاريخ وتجريم الاستعمار فإنها ليست من الأولويات في الفترة الحالية رغم أهميتها، والتركيز عليها قد يظهر هذه الأحزاب في صورة كيانات انتهازية فاقدة لأي تصور استراتيجي وعاجزة عن تقديم بدائل واقعية، وهو ما يعطي للشارع مزيدا من المبررات لتأكيد الموقف السلبي من أحزاب المعارضة التي لم تفلح في إثارة انتباه الجزائريين وإقناعهم بالانخراط في العمل السياسي رغم ضخامة التحديات التي يجري الحديث عنها بدون انقطاع.