توالت التحذيرات التي تطلقها وزارة الشؤون الدينية من المد السلفي في الجزائر، وخلال الأيام الأخيرة كرر المفتش العام بوزارة الشؤون الدينية محمد عيسى تدخلاته حول المخاطر التي تمثلها بعض الطوائف التي تسعى إلى نشر أفكارها في الجزائر، ويوجد التيار السلفي ضمن هذه الجماعات المثيرة لقلق السلطات . التناول الرسمي للقضية يركز بصفة خاصة على الجانب المذهبي، فخلال السنوات الأخيرة انتبهت وزارة الشؤون الدينية إلى أن الأئمة الذين يعتبرون موظفين ويتلقون رواتبهم من الدولة أصبحوا خاضعين لتأثير أفكار لا تنسجم مع المذهب المالكي الذي يمثل المرجعية الفقهية في الجزائر، وقد كان رفض أئمة الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني في ملتقى عقد في دار الإمام بالعاصمة وحضره وزير الشؤون الدينية رسالة إنذار أخذتها الوزارة والهيئات الرسمية على محمل الجد. الاهتمام بهذه المسألة بدأ عندما ظهر خطاب مسجدي جديد لا يلتزم بالخط الذي ترسمه وزارة الشؤون الدينية، ولا يعتمد المرجعية المذهبية التي ظلت مسيطرة في الجزائر منذ قرون طويلة، وقد تبين أن معظم مساجد الجزائر أصبحت خاضعة لنفوذ السلفيين الذين يصفون أنفسهم بأنهم من دعاة العودة إلى هدي السلف الذي يمثله الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، ويقول هؤلاء إنهم لا يعترفون بالمذاهب، فالأصل هو العودة إلى السنة وليس إلى المذاهب، وقد ارتبط هذا التيار بشكل مباشر بالحركة الوهابية التي أسست الدولة السعودية. السلفيون استفادوا خلال تسعينيات القرن الماضي من تساهل السلطات التي انشغلت بمكافحة الإرهاب، وفي تلك الأثناء تم تشجيع التيار الذي يقول بعد جواز ممارسة السياسة أو الخروج عن الحاكم، وقد بدا التيار السلفي وكأنه حاجز أمام الإسلام السياسي والنشاط الإرهابي، ومثلت الفتاوى التي كانت تصدر عن بعض مشايخ السلفية في السعودية، والتي تحرم الخروج عن الحاكم، وتستنكر اللجوء إلى العنف، وبعض منها يتطرق صراحة إلى الوضع في الجزائر، ورقة رابحة أرادت السلطات أن تستعملها في معركتها في مواجهة الجماعات الإرهابية التي أرادت أن تبرر أفعالها دينيا وتعطيها صبغة إسلامية. نهاية الأزمة الأمنية في الجزائر أثار الانتباه إلى تصاعد التيار السلفي، لكن الأخطر من ذلك أن هذا التيار بدأ يأخذ توجهات متطرفة، فقد تحول الفكر المتشدد إلى منهج مقلق يقوم على التكفير ويعتمد العنف، وأكثر من هذا بدأ التيار السلفي يقدم نفسه كحركة عالمية تأخذ صفة الشبكة الإرهابية على الأرض كما هو حال تنظيم القاعدة، وقد جاءت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر لتحل محل الجماعات الإرهابية الأخرى التي تم القضاء عليها وتفكيكها خلال تسعينيات القرن الماضي، وهذه الجماعة سعت للارتباط بتنظيم القاعدة للاستفادة من سمعته التي ارتبطت بمواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب عموما، غير أن الأهم هو أن التوجهات الفكرية واحدة، وسيتبين فيما بعد أن جبهة الإنقاذ المحظورة كانت حركة سلفية من الناحية الفكرية جنحت إلى العمل السياسي أولا وانزلقت نحو العنف لاحقا، ويمثل نائب رئيس هذا الحزب علي بن حاج أحد رموز السلفية في الجزائر، والتي أصبحت توصف الآن بالسلفية الجهادية. الاعتراضات التي بدأت تسجلها السلطات في الجزائر ترتبط أساسا بكون التيار السلفي أصبح يستهدف بشكل مباشر المرجعية المذهبية في الجزائر، فقد شهدت المساجد في مختلف أنحاء البلاد مواجهات مع عناصر سلفية تريد أن تفرض تصوراتها وآرائها على سائر الجزائريين، كما تعرضت الزوايا، وهي مؤسسات أصيلة تدافع عن المرجعية المذهبية للجزائر، إلى حملات متكررة من قبل السلفيين الذين يضعون الطرق الصوفية ضمن مظاهر الابتداع الذي لا يخلو من الشرك الذي ينقض عقيدة التوحيد التي هي جوهر الإسلام. الجانب السياسي هو الآخر أصبح مثيرا للقلق، فالسلفيون الذين كانوا يعتزلون السياسة قرروا أخيرا أن يخرجوا من عزلتهم، ففي تونس ومصر تحولوا إلى فاعل مهم على الساحة السياسية، غير أن الأخطر في القضية هو جنوحهم إلى استعمال العنف وسعيهم إلى تقويض الديمقراطيات الوليدة في هذه البلدان، وقد اضطرت حركة النهضة التي تتولى السلطة في تونس إلى اتخاذ موقف صارم من جماعة أنصار الشريعة ومنعتهم من عقد مؤتمرهم بسبب رفضهم الامتثال للقانون وعدم التزامهم بالإجراءات المعمول بها في تأسيس الأحزاب السياسية، وفي مصر أيضا يمثل السلفيون قوة ضاغطة على الساحة السياسية رغم تحالفهم الظرفي مع حركة الإخوان المسلمين الحاكمة، ويتوقع كثير من المتابعين للوضع أن يتجه السلفيون إلى مواجهة مع بقية التيارات السياسية في مصر وتونس لأن تشددهم لن يترك مجالا كبيرا لتحقيق التوافق مع مختلف التيارات التي تنشط على الساحة السياسية. هذه التجارب قد تشجع البعض على السعي إلى استنساخها في الجزائر، وهو ما تريد السلطات استباقه، ولا يزال مشروع الحزب السلفي الذي أسسه عبد الفتاح زيراوي حمداش تحت اسم الصحوة الحرة، يثير الشكوك حول نوايا هذا التيار، وقد رفضت ولاية الجزائر منحه ترخيصا لعقد جمعية تأسيسية للحزب، غير أن الأمر يتجاوز هذه المحاولة باعتبار أن الصحوة الحرة لا تمثل كل السلفيين الذين يتوزعون على مدارس مختلفة، ولهم مواقف متباينة من العمل السياسي، لكنهم يتقاربون من الناحية الفكرية ويتوجهون إلى ضرب المرجعية المذهبية مع ما يمثله هذا التوجه من مخاطر على انسجام المجتمع في المستقبل. ولا تضع السلطة نصب عينيها التيار السلفي وحده، فهناك مراقبة عن كثب لانتشار تيارات أخرى مثل الشيعة الذين يستفيدون من الأوضاع السياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط للتمدد في بلاد بقيت بعيدة عن الصراعات الطائفية منذ العهد الإسلامي الأول، وقد أشار المفتش العام لوزارة الشؤون الدينية إلى طوائف بالاسم عندما قال "إن ظهور التيار السلفي والوهابي والشيعي والأحمدي أو التكفيري في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، هو اجتياح أجنبي" واعتبر التيار الأحمدي "طائفة لها علاقة بالقوات الأجنبية مثل الصهيونية الدولية".