أثار الإعلان عن تأسيس حزب سلفي تحت اسم جبهة الصحوة الحرة ردود فعل حادة من قبل بعض رموز السلفية أنفسهم، وقبل هذا كان وزير الشؤون الدينية قد هاجم هذه الفئة بسبب عدم احترامها للمرجعية الدينية الوطنية، ويخفي هذا السجال خلافات عميقة على المستوى الفكري بدأت تأخذ شكل صراع سياسي . حمداش زيراوي الذي أعلن عن تأسيس الحزب السلفي وينتظر الاعتماد كان قريبا من قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، وهو ما يعني أن صاحب الفكرة صاحب خلفية سياسية حتى وإن كان قد اشتغل بالعمل الدعوي خلال السنوات الماضية، ولعله من ضمن أولئك الذين توجهوا إلى المساجد لنشر أفكارهم بعد تفجر الأزمة الأمنية في البلاد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعودته اليوم إلى الساحة السياسية من خلال تأسيس حزب قد تكون إعلانا بنهاية تلك الهدنة التي فرضتها الظروف. لا ينكر قسم من قادة الإنقاذ المنحلة، وخاصة علي بن حاج، انتماءاتهم السلفية من الناحية الفكرية، ومنذ البداية كانوا على خلاف مع السلفيين الذين يرفضون التحزب ويعتبرونه بدعة منكرة، وقد زادت الخلافات عمقا بين الطرفين عندما طرحت مسألة الخروج عن الحاكم، وعلى إثر ذلك ظهرت ما تسمى السلفية الجهادية والتي تقوم على تكفير الحكام واستعمال العنف من أجل إسقاطهم فضلا عن تكفير أغلبية المجتمع، وقد كانت الجماعات المسلحة التي تبنت العمل الإرهابي في الجزائر خلال سنوات الأزمة تعلن صراحة توجهاتها السلفية وكان تبريرها لأفعالها يقوم على نفس المنهج الذي تعتمده السلفية الموصوفة بالعلمية، رغم الخلافات في تأويل بعض النصوص واستنباط الأحكام منها. منذ فترة بدأت التحذيرات من انتشار الفكر السلفي في المساجد، وقد وصل الأمر بوزير الشؤون الدينية إلى حد القول بأن المساجد في الجزائر باتت تحت سيطرة السلفيين الذين يخالفون التيار ولا يحترمون المرجعية الدينية الوطنية، وتحصي الوزارة نحو 40 مسألة يخالف فيها هؤلاء الأئمة المرجعية، وقد وردت إشارات إلى صدام محتمل بين الوزارة وهؤلاء في أكثر من مناسبة لعل أهمها حادثة رفض بعض الأئمة الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني في بداية عقد مؤتمر في دار الإمام بالعاصمة. ويتهم السلفيون الوزير بالانحياز للصوفية التي يعتبرونها من الفرق المبتدعة، وهذا الخلاف الفكري بين الفريقين قديم ومعروف، غير أن الجدل لا يدور في الأطر المعروفة للنقاش الفكري بل يأخذ صورة معركة تضع انسجام المجتمع أمام تحديات حقيقية حيث تحولت المساجد إلى ساحات للمواجهة التي تأخذ في كثير من الأحيان شكل ملاسنات حادة تنتهي بتقسيم رواد دور العبادة وتكرس حالة الضياع المنهجي التي تزيد من التبعية للخارج من خلال اللجوء إلى آراء شيوخ من بلدان أخرى، واللافت هنا أن زيراوي لم يتردد في القول بأنه حصل على تزكية من شيوخ في السعودية وسوريا لتأسيس حزبه السلفي في الجزائر. السؤال الأساسي الذي يطرح اليوم هو كيف سيكون رد وزارة الداخلية على طلب الاعتماد الذي قدمه زيراوي؟، فالقراءة السياسية الأولية تشير بأن حزب الصحوة الحرة قد يكون الإطار الذي يجمع جزء من بقايا الإنقاذ المنحلة، بالنظر إلى خلفيات المؤسس، وقد يعبر عن تحول في أساليب عمل قسم من أتباع الحزب المنحل الذين اقتنعوا بأن التغيير عن طريق العنف لم يعد ممكنا، وأن الحراك السياسي الذي يشهده الجوار الإقليمي يمثل فرصة لتجاوز العزلة التي فرضتها الأزمة على هذا التيار الذي خاض تجربة فاشلة في التغيير العنيف، وإذا نظرت وزارة الداخلية إلى الحزب الوليد من هذه الزاوية فإنها سترفض الترخيص له، وهناك بعض الأرواق التي قد تكون في صالح الحكومة، وأهمها على الإطلاق الخلاف بين السلفيين أنفسهم، فقد أنكر علي فركوس، وهو من رموز التيار السلفي في الجزائر، خيار التحزب، ونفس الموقف اتخذه عبد المالك رمضاني، وهذه المواقف تضعف زيراوي وتحرمه من دعم قواعد عريضة من السلفيين وتسهل على الحكومة اتخاذ قرار بمنع الحزب من النشاط بحجة أنه يمثل عودة للحزب المنحل، كما أن هذا الخلاف بين السلفيين أنفسهم قد يؤدي إلى الفصل بين التوجهات الفكرية للسفليين، وهي توجهات تثير مخاوف الجهات الرسمية بسبب عدم احترام المرجعية الدينية الوطنية، وبين ميولهم السياسية، ومعلوم أن فكرة تحريم الخروج على الحكام تمثل ورقة رابحة جرى الاعتماد عليها في أوقات سابقة لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تعلن انتماءها إلى السلفية. العامل الذي شجع زيرواي على تأسيس حزب سلفي جديد هو ما تشهده بعض الدول العربية، تونس ومصر خاصة، من صعود لهذا التيار حيث حصل التحالف بين الأحزاب الإسلامية الكبرى، النهضة في تونس والإخوان في مصر، وبين التيار السلفي الذي أصبح جزء فاعلا في الحياة السياسية، وفي الحالة الجزائرية بدأ بعض قادة الأحزاب الإسلامية يجسون النبض ويترقبون ما ستفضي إليه هذه العملية، فقد قال رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني أن من حق السلفيين أن يكون لهم حزب إن هم احترموا القانون، وذهب إلى أنه من الأفضل منحهم الاعتماد ليمارسوا السياسة بشفافية بدل العمل السري، في حين ذهب حليفه في التكتل الأخضر الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني حملاوي عكوشي إلى القول بأنه لن يتردد في التحالف مع الحزب الجديد في حال حصوله على الاعتماد. هذا يفتح الباب أمام خيار آخر، وهو أن تعتمد وزارة الداخلية الحزب الجديد وهو ما قد يمكن من استقطاب العناصر التي تتجه إلى العمل السياسي في إطار احترام القانون، وقد أكدت تجارب سابقة أن إخراج تيارات سياسية من السرية يعيدها إلى حجمها الحقيقي وينزع عنها تلك الهالة التي ترافق العمل السري والتي تؤدي إلى المبالغة في تقدير قدرات هذه التيارات، وقد يكون احتواء التيار السلفي سياسيا أمرا مهما لتجاوز المخاطر التي تمثلها الانقسامات الفكرية على وحدة وانسجام المرجعية الدينية الوطنية.