يُجزم أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة، المحلّل السياسي الدكتور بوحنية قوي، بأن الجزائر تتجه نحو سيناريو آمين وبعيد عن كل أشكال الانزلاقات خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولهذا السبب يبرّر حالة الفتور التي يعرفها المشهد السياسي رغم بداية العدّ التنازلي لاستحقاق 2014. ويؤكد الدكتور قوي في هذا الحديث الذي خصّ به "الأيام" بأنه يصعب التكهن بتوجهات الرئاسيات من منطلق أن القواعد الشعبية المستقلة لا يُمكن الركون إليها في تحديد الفائز من الخاسر بعكس القواعد الحزبية التي يرى بأنها ستلعب دورا حاسما بين المترشحين المحتملين. الأيام: على مقربة من الانتخابات الرئاسية لا يزال الغموض سيّد الموقف في الساحة السياسية بشأن المرشحين المحتملين لهذا الاستحقاق الذي تصفه الكثير من الأوساط ب "الهام" و"المصيري". إلى ماذا يعود هذا الفتور برأيكم؟ ** أولا يجب الإشارة إلى أن الشأن السياسي والانتخابي لا يهم المواطن العادي وكذا القواعد الحزبية المتذمرة من قياداتها، غير أن الموعد الانتخابي القادم يتميز بخصوصيات كثيرة فهو من جهة مرتبط بموعد آخر يتعلق بالتعديل الدستوري، وهذا عامل إضافي يجعل الاستحقاق المقبل استحقاقين مترادفين، كما أن الجميع يشهد حالة ترقب وتوجس بدلا من التأهب لاعتبارات كثيرة لعلّ أهمها غياب البديل الذي تجتمع حوله مختلف الأطياف السياسية سواء أقطاب المعارضة أو المحور السياسي المحسوب على السلطة. وإلى جانب ذلك يتواجد شعور مسيطر لدى السلطة على أن الأمر لا يزال سابقا لأوانه بخصوص الرئاسيات بالنظر إلى اعتبارات كثيرة. وعلى الرغم من كل ذلك فإن الآلة السياسية تتحرك عموما باتجاه رسم سيناريو آمن لمستقبل الجزائر السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية وذلك بعيدا عن كل أشكال الانزلاق الأمنية والسياسية، وهذا هو الأهمّ في مثل هذا الظرف بالذات. الأيام: لكن هناك من يربط هذا الوضع بما يشهده حزبا التحالف الرئاسي "الأفلان" و"الأرندي" من أزمة داخلية، وتذهب القراءات إلى التأكيد بأنه في حال انفراج حالة الاحتقان داخل هاتين التشكيليتين يكون ذلك إشارة على اتضاح توازنات المرحلة المقبلة. هل توافقون أصحاب هذا الطرح؟ ** لا أعتقد بذلك، فالأزمة الداخلية في الحزبين المذكورين آنفا تبدو لحدّ الآن ظاهرة لم تصل مرحلة التصدع الحزبي والانشقاق الداخلي وهو ما يؤكد أن الأزمة متحكم فيها، وفي ضوء ذلك يُمكن القول أن هذا الاتجاه لا يزال بصدد بلورة رؤيته سواء لتجاوز الحراك الحزبي الداخلي الذي بعيشه من جهة، كما يعد لبلورة تصوّر انتخابي بشكل توافقي حول معالم الانتخابات المقبلة. الأيام: الغريب في الأمر أن حتى على صعيد المعارضة ليست هناك أسماء مطروحة بقوة لدخول سباق ربيع العام المقبل باستثناء رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور. كيف ترون حظوظ "التيار الديمقراطي" في هذه الانتخابات أمام توالي نكساته في الاستحقاقات السابقة؟ ** بعض أطراف المعارضة، خصوصا الإسلامية، منحت فرصا كثيرة للعمل السياسي وتخندقت في محاور مختلفة، فأحيانا شكلت ضلعا هاما لتحالف رئاسي لكنها بعد أحداث "الربيع العربي" أخذت بتبني خطاب معارض وواضح، وهذا الطيف كان يُنتظر أن يكون مصدر إلهام لرواده في دول "الربيع العربي" لكنه وبعد الانتكاسة الانتخابية البرلمانية تحوّل إلى العكس. وبالمقابل تحوّل القطب المسمى ب "الديمقراطي" إلى تبني خطاب أكثر تصالحا مع السلطة، ووسط هذين المحورين وقعت تصدّعات سياسية لا تزال عواقبها تتبلور يوما بعد آخر رغم كل محاولات رأب الصدع وجمع الفرقاء، ولذلك فإن هذا الوضع صعّب على هؤلاء تقديم خيار لحدّ الآن، غير أن القطب المسمى ب "الوطني" يترقب بدوره لكونه يمتلك عدة عناصر تُمكنه من المناورة السياسية بعيدا عن ضغوط كثيرة. ووسط هذه الأجواء الباردة سياسيا أعلن رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، رغبته في الترشح للرئاسيات بشكل مستقل، ومع ذلك يصعب أن ينجح أي مترشح كان في الانتخابات من دون أن يحظى بدعم من قبل قواعد حزبية معينة أو اتجاه سياسي واضح لأن نتائج سبر الآراء تؤكد أن القواعد الشعبية المستقلة لا يُمكن الركون إليها في تحديد الفائز من الخاسر في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة. الأيام: التيار الإسلامي يُحاول بدوره لمّ الشتات وتوحيد الصف خلف مرشح واحد في مسعى لاستغلال عودة حركة مجتمع السلم إلى المعارضة. أتعتقدون أنه بالإمكان أن يكون لهذا التيار موطئ قدم في الرئاسيات المقبلة أمام تغيّر الخطاب؟ ** سيكون لتيار الإسلام السياسي نصيب من المشهد السياسي قطعا لكن هذا النصيب قد لا يجعله قادرا على المناورة السياسية بشكل قطعي وإستراتيجي إلا في حالة توحده حول شخصية محورية، وتحقيق هذا الهدف بحدّ ذاته يُعتبر عملية صعبة في ظل سيطرة المصالح الضيقة في العمل الحزبي على حساب مصالح المواطن والوطن وهذا واقع لدى أغلب الأحزاب وليس فقط مقتصرا على أحزاب هذا الاتجاه. الأيام: احتضنت الجزائر أمس اجتماعيا إقليميا حول مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الذي يأتي تزامنا مع استمرار التوتر والتهديدات الأمنية في هذه المنطقة. أيّ أهمية للقاء من هذا النوع في وقت فعل الخيار العسكري فعلته في مالي تزامنا مع الانفلات الأمني الحاصل في بعض دول الجوار؟ ** جميع الاجتماعات التي تنعقد في هذا الإطار تؤكد على عدة حقائق منها صوابية المقاربة الجزائرية في التصدي لظاهرة الإرهاب ومنها تجريم دفع الفدية وأهمية التعاون الإقليمي في التصدي للظاهرة وتعزيز الرؤية القائمة على خيار التنمية المحلية كأداة للسلم والأمن فالدول الإفريقية التي تعاني من مشاكل هيكلية عويصة لا يمكنها التصدي بمفردها للإرهاب دون تعاون إقلييمي جماعي يعزز قدرات جيوشها ويقوى اقتصادياتها ويرفع درجة تطورها في سلم التنمية الإنسانية العالمية، كما أن الجزائر أصبح بإمكانها أن تعزّز دورها المحوري من دول الميدان والتعاون الجواري في تعزيز دبلوماسيتها ورؤيتها للقضايا الأمنية المشتركة.