سيحتفظ قطاع واسع من الجزائريين بذكرى انتخاب برلمانهم لعام 2012 لسنوات طويلة، ليس إعجابا بمستوى التنافس بين الأحزاب والمترشحين ولا بقوة الخطاب الدعائي، بل بكثرة الأحزاب التي شاركت فيه (44 حزبا)، أغلبيتها لا أحد يحفظ أسماءها، وبقلة قيمة البرامج وانعدامها بالنسبة للكثير، وبطغيان ''الشكارة'' على الترشيحات، وبخوف غير عادي للسلطة من عزوف انتخابي إلى درجة شبّهت فيها موعد 10 ماي 2012 بثورة أول نوفمبر واستقلال تقرير المصير، لتشجيع الذهاب إلى مراكز الانتخاب! محيط خارجي متردٍ وجبهة اجتماعية متوترة نهاية الحملة تخلط أوراق السلطة والأحزاب لم تنته الحملة الانتخابية لتشريعيات ماي 2012، إلا كما بدأت، فاترة كفتور طعم نصبته أغلبية أحزاب تفطنت متأخرة أنه ''فاسد ومنفر للصيد''، غير قابل للاستهلاك المتجدد. لم يتبق من حملة تشريعيات هذا العام إلا يوم واحد، سيعتصر فيه قادة الأحزاب ما في جعبتهم لإقناع الناخبين بخياراتهم، ثم بحثهم عن التوجه إلى صناديق اقتراع تخشاها أغلبية شعبية، ''مكهربة'' تكهرب الواقع الاجتماعي، البعيد بمسافة طويلة عن محطة الركوب إلى مراكز الانتخاب، قاسها مسؤولو أحزاب بمرارة وهم يخاطبون من حضر تجمعاتهم. ظهر مخطئا، من قال إن فتور الحملة الانتخابية في أيامها الأولى يعود إلى عدم اندماج الناخبين في الأجواء الانتخابية، لأن رهانه على التجاوب الصريح والكثيف مع المشهد التشريعي بعد الأسبوع الأول وإلى نهاية الحملة، بدا خاسرا، أيضا، لأن الأحصنة التي امتطت الأحزاب صهوتها، كانت ''معاقة'' وخلت من ''دواء'' بوصفة ''اجتماعية'' كفيلة بإعادة ثقة المواطن في ممثليه قبل إعادة ثقته في الصندوق، طالما أنه عندما تسأل قطاعا واسعا من المواطنين حيال أسباب عزوفهم عن الانتخاب، يتحدثون عن ''فساد وتنمية غائبة ومعريفة وبطالة وفقر وغيرها''، ولا يتحدثون عن ''نزاهة أو تزوير'' كثنائية لم تعد تشكل متغيرا جوهريا في قياس حجم المشاركة الانتخابية، وبقدر ما صار المناخ الاجتماعي المتغير الرئيسي، وقد يفهم سبب ذلك، عندما نتذكر أننا في بلد احتياطي صرفه بلغ 189 مليار دولار، ويرتقب أن يرتفع في غضون السنة الجارية إلى أكثر من 200 مليار، لكن الواقع الاجتماعي لم يتغير. ما سجل خلال الحملة الانتخابية أن أحزابا بدت مجهدة وهي تبحث عن ''جديد'' يمكن أن يلفت انتباه الناس، ودخلت منذ أسبوعها الثالث مرحلة فراغ، بعدما خوت معداتها، وصارت ككتيبة جنود زجت بنفسها في معركة وهي جائعة، فاختلطت أوراقها، كاختلاط مفاهيمها ومفاهيم السلطة حيال وضع خارجي متردٍ، لا تعرف إن كان لصالحها، تستعين به في خانة الملفات الخارجية، أو أنه ينعكس عليها سلبا من حيث المشاركة الانتخابية، فظهر مشكل مالي والدبلوماسيين الجزائريين المختطفين، ومشكل الأسلحة مع ليبيا وغيرهما، وعجزت عن إيجاد بدائل لمشاكل متكررة يعرفها كل الناس. السؤال المطروح والستار يسدل على الحملة الانتخابية: هل أدت الأحزاب السياسية ما عليها؟ والجواب عن السؤال سيكون خلال إعلان وزير الداخلية دحو ولد قابلية عن نتائج اقتراع ''الإصلاحات السياسية'' يوم 11 ماي، حيث ستكرم الأحزاب أو تهان، بينما العديد من قادتها يتمنون أن يكون رأي ولد قابلية ليس كرأي سابقه يزيد زرهوني الذي حمّل التشكيلات السياسية جزءا من المسؤولية عن العزوف الانتخابي، خلال تشريعيات 2007، وقال بصريح العبارة إن ''ضعف المشاركة الانتخابية من ضعف الأحزاب''. الجزائر: محمد شراق المنعرج الأخير قبل انتهاء الحملة الدعائية للانتخابات خطابات الأحزاب بين التغيير والخوف من العزوف بدأت المعركة الانتخابية في الجزائر تدخل ساعة الحسم، قبل انتهاء آجال الحملة الانتخابية، واشتد الصراع بين الأحزاب السياسية في سباق الفوز بأصوات الناخبين، وسط تخوف ملحوظ من العزوف الانتخابي واستمرار حالة التشكيك من قبل أحزاب المعارضة في ضمانات شفافية انتخابات العاشر ماي الجاري. خلال 16 يوما من الحملة الانتخابية تراوح خطاب الأحزاب بين انتقادات صارخة من قبل أحزاب المعارضة لخيارات السلطة والحكومة، والحمل على إنجازاتها وعدّ الإحباطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أصابت المجتمع الجزائري. وفي المقابل طرح جملة من الوعود بالتغيير وإصلاح الأوضاع الاجتماعية وتحسين وضع الحريات السياسية والمدنية وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وبين خطاب انتهجته الأحزاب التي شاركت في السلطة أو كانت مقربة منها، والتي استغرقت في الدفاع عن إنجازات الحكومة والرئيس بوتفليقة منذ 1999، واستظهرت مساهمتها في التحقيق التدريجي لكثير من الإنجازات، من خلال مقارنة واقعية بين حالة الجزائر عام 1999 ووضعيتها الحالية، خاصة على صعيد تجاوز الأزمة الأمنية. وفي الاتجاهين باتت نقطة التقاطع الوحيدة بين هذين الخطابين اللذين غلبا على الحملة الانتخابية، تلك المتعلقة بالتحذير من التغيير القادم من الخارج، وضرورة الحفاظ على استقرار الجزائر وإبعادها عن تأثيرات ما يعرف ب ''الربيع العربي'' ورفض أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر، وكذا ضرورة المشاركة الشعبية في الانتخابات لإبعاد أي شكوك دولية في الظروف الحالية. وفي السياق أبرزت الحملة الانتخابية ثلاثة خطابات ذات أبعاد إيديولوجية، حيث انتهجت الأحزاب الموسومة بالديمقراطية، كالتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية وحزب العمال، خطابا تصعيديا ضد أحزاب التيار الإسلامي، واتهمتها بالتمويل من الخارج وحذرت مما وصفته ب ''الظلامية والأصولية وعودة أصحاب اللحية والفندورة''، وهي مصطلحات لها صلة بتداعيات أزمة التسعينات، لكن الأحزاب الإسلامية الستة المشكّلة للتيار الإسلامي في الساحة، وفي مقدمتها أحزاب تكتل الجزائر الخضراء، سعت إلى الرد على هذه الاتهامات عبر استعراض مساهمتها الفعالة في المصالحة الوطنية، فيما تمسكت الأحزاب ذات التوجه الوطني، كجبهة التحرير الوطني والجبهة الوطنية الجزائرية، بخطاب وطني يرتكز على القيم التاريخية والثورية والدعوة للحفاظ على المكاسب المحققة، وارتكزت على مسائل السيادة والاستقلال والتحذير من الخارج. وبين الخطابات الثلاثة برز خطاب سياسي راديكالي يدعو إلى التغيير السلمي وإحداث القطيعة مع الوضع السابق في الجزائر بكل رموزه وكياناته، انتهجته جبهة القوى الاشتراكية وبعض الأحزاب السياسية المعتمدة حديثا، والتي أنفقت كل جهدها السياسي في انتقاد السلطة والأحزاب المقربة منها، ودعت الناخبين إلى معاقبتها انتخابيا لإحداث التغيير الهادئ والشامل في الجزائر. الجزائر: عثمان لحياني نقاش أستاذ التعليم العالي محمد لخضر معفال ''خطاب الحملة أشبه بمسرحية هزلية'' في رأيك لماذا تحولت الحملة الانتخابية إلى مدعاة لسخرية كثير من الجزائريين؟ - الحملة الانتخابية مهزلة تعكس حصيلة التصرفات اللامسؤولة من طرف كل من منظومة الحكم وكذلك الأحزاب السياسية، بعد العديد من الانتخابات المزوّرة التي يتشارك في مسؤولية تزويرها كل من الحاكم والإطار حكوميا كان أو حزبيّا، سياسيا أو نقابيا، ما جعل كل عملية اقتراع وكأنّها مسرحيّة هزلية قبل أن تتحوّل إلى تراجيديا دمويّة عندما تدخلت قوى أجنبية مطالبة أصحاب القرار الدولي والشركات المتعدّدة الجنسيات بنظام دولي مستقر لا يتقبّل الاضطرابات في الأسواق والمستعمرات الجديدة. فيأس الشعوب من هذه الأنظمة، جعل بعضها يدخل في حراك قوي وعنيد تصاحبه ممارسات ثقافية من طراز جديد يمزج السخرية والغضب، الانتفاضة والشغب، الشتم والسب، وهذا ما نراه اليوم يتوغل في الساحة السياسية والانتخابيّة. تتابع الخطاب المروّج من قبل الأحزاب المتنافسة للتشريعيات، لماذا يوصف بالعاطفي والفلسفي والبعيد عن البراغماتية؟ - يبدو لي أنه من الأفضل أن نصنّف هذا الخطاب تصنيفا توظيفيا حسب معايير منطقيّة ترتكز على نوعيات هذا الخطاب المتفرّق المشارب، فخطاب الجبهات العتيدة صنفان (الأفالان والأفافاس): الأول هو ذلك الخطاب المروّج من الطرف الرسمي ويعبّر عن الأزمة الحادة داخل صفوف الأفالان، والذي مازال يتميّز بالخطاب التهديدي تجاه المناضلين الثائرين ضدّ الأمين العام الذي سبق له أن دبّر المؤامرة التي فجّرت الحزب، وقادت به إلى الوضع المحرج الراهن. أما خطاب الأفافاس وهو يشارك هذه المرة بعد انقطاع مستمرّ وعنيد معروف، فهو يتميّز بتهديداته تجاه النّظام ودولته وكأنه مجرّد مراقب ويتصرّف كحارس مرمى في ملعب كرة القدم، عوض أن يقدّم برنامجا سياسيا جديدا. هل صحيح أن الجزائر أمام سجال إسلاميين وليبراليين، ولماذا اتخذت الحملة منحى إيديولوجيا؟ - هنا لا بدّ أن نمعن النظر في تاريخ تكوين الأحزاب الوطنية، ونطرح السؤال دون أي تحفظ: كيف ومتى تكوّنت الحركات الليبرالية والإسلامية في الجزائر المستقلّة؟ وهل سبق لها أن تكتّلت وتحالفت؟ ما يحدث اليوم هو تحالف فيما بين إدارة الدولة المعروفة بالرشوة والفساد والنهب والسرقة، والتي تتبنى الليبرالية البيروقراطية، والأحزاب الإسلامية التي ''تبوق'' بفضائل الليبرالية الجديدة وممارساتها ''البزارية''، وهذه قاعدة التحالف الواقع حاليا في بلادنا والذي أطلق عليه الشعب عبارة ''التعالف الرئاسي''. وهكذا أصبح هذا السيناريو الجزائري مهزلة بهلوانية، يشدّ فيها كل من اللاعبين لحية حليفه. حاوره: عاطف قدادرة الصحفي والجامعي خبير الاتصال لحسن جاب الله ''ناخبون يعتقدون أن الانتخابات مسابقة لتوظيف البرلمانيين'' تابعت مجريات الحملة الانتخابية وتفاعل الشارع معها، كيف تقيمها؟ - في أسبوعها الأول، كانت الحملة محتشمة وباردة، وهذا يدل على نقص تجربة الأحزاب وخصوصا الجديدة في استعمال التقنيات الجديدة للاتصال والتواصل مع الناخبين، ثم ارتفع الإيقاع في الأيام الأخيرة. بمقابل ذلك، سجلنا ضعف استعمال الوسائط التكنولوجية والعودة إلى ممارسات قديمة، أي مخاطبة الناخبين في المقاهي ودفع ثمن المشروبات وإقامة تجمعات في الساحات العامة. وعلى العموم، فإن برودة الحملة يعود سببها أساسا إلى نقص تجربة الأحزاب الجديدة وغياب تأطير سياسي للشباب. السلطة التي تخلت عن الشباب لعشرينيات من الزمن ولم تمكنه من الاحتكاك وتسليم المشعل، تتحمل ذلك. من مظاهر البرودة عدم تفاعل الشارع مع الحملة الانتخابية، إلى ماذا يعزى ذلك؟ - المواطنون، بصفة عامة، غير مهتمين بالتشريعيات، وزاد ضعف الحملة الدعائية عبر وسائل الإعلام الطين بلة، وقد لاحظت شخصيا أن بعض الملصقات تخوّف الناس، تصوروا نظرة المواطنين لذلك المرشح الذي يرتدي نظارات، إنه يذكرهم بأفلام تجسد رجالات المافيا، هذا ينفر الناس. ثم إن هناك اعتقادا لفئة من الناخبين بأن الانتخابات هي مسابقة توظيف لشغل مناصب برلمانية أو للهاربين من العدالة الباحثين عن الحصانة. هناك أيضا قناعة رسختها المعارضة بأن اللعبة حسمت مسبقا، أو أن التزوير سيكون لا محالة. هذا عامل إضافي، نحن الآن ندفع فاتورة الماضي، فالانتخابات السابقة عرفت تلاعبا بالنتائج والناس يتوجّسون تكرار المشهد مجددا، ويجب ألا ننسى أيضا أن المواطنين عاكفون على مسائلهم الدنيوية والمعيشية ومواجهة مصاعب الحياة، والسياسة بالنسبة لغالبيتهم نوع من الكماليات. هناك قوى سياسية تحمّل الصحافة جانبا من المسؤولية عن برودة الأجواء الانتخابية، هل أنت من هذا الرأي؟ - الصحافة لا تتحمل أي مسؤولية، هي لو رأت الشارع تفاعل لتفاعلت بدورها، الصحفي ينقل الوقائع، وتوجيه التهمة إلى الإعلاميين تغطية للشمس بالغربال وتبرير للفشل الذي تواجهه الأحزاب السياسية ميدانيا. هل ستجد برودة الحملة ترجمتها بمشاركة ضعيفة في الانتخابات؟ - في الظاهر يمكن توقع ذلك، لكن لا يمكن الجزم بالأمر بصفة نهائية. قد يحدث تطور في الأيام المقبلة أو يوم الانتخابات قد يدفع المواطنين للتصويت بشكل أعلى من المتوقع. ينتظر أن يلقي رئيس الجمهورية بثقله في الانتخابات من خلال خطاب، هل يساهم تدخله في رفع نسبة المشاركة؟ - من الممكن أن يساهم تدخل الرئيس في رفع نسبة المشاركة ولكن لا يعرف إلا أي مدى، لأن المواطن لم يعد ينظر بإيجابية للانتخابات وللسياسة للأسف. الجزائر: ف. جمال