وضعت السلطات آليات كثيرة لضمان نزاهة الاستحقاق الرئاسي المقبل، ترتكز أساس على جملة من التدابير العملية التي تثبت حسن النية وتؤكد على وجود إرادة حقيقة لتفادي التلاعب بأصوات المواطنين، فإجهاض خطط القوى المقاطعة التي تراهن على نسبة امتناع قياسية وغير مسبوقة يمر حتما عبر إقناع الناخبين بجدوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع، فالقضية لا ترتبط فقط بتجنب ظاهرة العزوف الانتخابي وإنما تقديم رد صريح للمجموعة الدولية على صدقية النتائج التي ستتمخض عنها الرئاسيات المقبلة، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في زيارته الأخيرة لولاية وهران. معركة الرئاسيات في الجزائر بين القوى المشاركة في المنافسة، وقوى المعارضة المقاطعة والرافضة لخيار دخول المعترك الانتخابي لا تدور على ساحة البرامج ومقارعة الأفكار أو حتى التجاذب السياسي وأيديولوجي، بل تدور أكثر على ميدان أخر هو ميدان نسبة المشاركة، ذلك أن المقاطعة تحولت إلى إستراتجية بحد ذاتها بالنسبة لبعض الأحزاب وعدد من الشخصيات التي تسمي نفسها بالثقيلة،فهؤلاء يبنون كل حساباتهم على تحقيق نسبة امتناع عن التصويت عالية جدا كما حصل في التشريعيات وربما أكثر، ويسعون إلى حصد ما يعتقدون أنها مكاسب سياسية تدرها عليهم المقاطعة داخليا أو حتى خارجيا. لقد استغل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الزيارة التي قام بها إلى عاصمة الغرب الجزائريوهران لتوجيه رسالة هدفها قطع الطريق أمام القوى سياسية التي تسعى إلى دفع أكبر عدد من المواطنين إلى رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة في التاسع من أفريل القادم، فدعا بوتفليقة المواطنين للذهاب بقوة إلى مكاتب التصويت أثناء الانتخابات الرئاسية. وبدت رسالة بوتفليقة واضحة اتجاه القوى السياسية التي تريد بلوغ نسبة امتناع عالية للطعن في شرعية النتائج المنتظرة من الرئاسيات خاصة على المستوى الخارجي، وأوضح رئيس الجمهورية " أنا مهتم كثيرا بالانتخابات يجب أن تجيبوا المجموعة الدولية بجواب صريح عبر اختيار من تريدون بكل حرية، لكن يجب أن تصوتوا"، وواصل قائلا "صوتوا معنا وساعدونا وإذا لم تساعدونا بأصواتكم فصوتوا ضدنا، المهم صوتوا.." والملاحظ في البداية أن المشاركة المكثفة في عملية الاقتراع هي التي تهم في المقام الأول السلطات، بل وكل الراغبين في خوض المنافسة على كرسي الرئاسة، فأكبر رهانات السلطة وكل المشاركين في العملية الانتخابية هي كسر سيناريو المقاطعة وإفشال المسعى الهادف إلى إقناع المواطنين بعدم الذهاب إلى مكاتب التصويت، فحصول نسبة مقاطعة عالية وربما غير مسبوقة سوف تكون له أثار جد سلبية إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، فعلى المستوى الداخلي تضعف المقاطعة شرعية العملية الانتخابية برمتها وتمس بمصداقيتها وبمصداقية النتائج التي سوف تتمخض عليها، وفضلا عن ذلك، ودائما على المستوى الداخلي فإن تدني نسبة المشاركة وحصول عزوف انتخابي كالذي حصل في التشريعيات الأخيرة أو أسوأ سوف يضعف كل القوى السياسية والحزبية التي رمت بكل ثقلها في العملية الانتخابية ويعطي للمقاطعين قوى ولو وهمية وغير حقيقية يمكن أن تتحجج بها وتقتات عليها خلال السنوات المقبلة التي تفصلنا عن أي استحقاق انتخابي أخر. وأما على المستوى الخارجي فإنه لا يخفى على أي أحد بأن تسجيل نسبة امتناع انتخابي عالية أو قياسية سوف يشوه صورة الانتخابات ويمس بمصداقية نتائجها على الصعيد الخارجي،وهذا في ظل عالم أصبح يعطي أهمية متعاظمة للممارسة الديمقراطية ويعتمد عليها كأساس في التعاملات السياسية أو حتى الاقتصادية والأمنية، ونتذكر جيدا التصريح الذي أدلى به أمين عام الأرندي والوزير الأول أحمد أويحيى للصحافة لما قال بأن هدف المقاطعين هو تشويه صورة البلد على الصعيد الخارجي. والملاحظ أن مواجهة سيناريو المقاطعة والتصدي إلى الخطاب التشكيك الذي تروج له القوى السياسية والحزبية الرافضة لخيار المشاركة في الانتخابات الرئاسية لا يتم سواء عند الأحزاب المعنية بالاستحقاق الرئاسي أو عند الرئيس بوتفليقة والسلطة عامة عبر الخطاب المضاد أو الدعاية المضادة فقط، ولكن يتم أيضا عبر القرارات السياسية التي تعري حجج المقاطعين وتفضح مبرراتهم، بل وتكشف أحيانا حتى على نواياهم الحقيقية التي لا تمت بأي صلة للخطاب الذي يعتمدونه للتباكي على مصير الانتخابات أو للاتهام السلطة بالاستبداد والتزوير وعدم احترام قواعد الشفافية والممارسة الديمقراطية. لقد أظهر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ البداية إرادة واستعدد تام لتنظيم انتخابات تستجيب لمقاييس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، انتخابات شفافة ونزيهة لا مكان فيه للتدليس أو العبث بأصوات الناخبين، ودعا الإدارة إلى الالتزام بالحياد التام وإدارة العملية الانتخابية وفق قواعد مضبوطة بعيدا عن تأثيرات السياسة، ولم يتوان بوتفليقة من جهة أخرى عن الاستجابة إلى جميع الشروط التي طرحتها بعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي اتخذ من دعوة الملاحظين الدوليين للإشراف على مراقبة الرئاسيات في الجزائر عنوانا لحملة "الاستجداء" التي قادته إلى أمريكا وكندا وعدد من الدول الأوربية. لقد أمر بوتفليقة الحكومة التقدم بطلب إيفاد ملاحظين دوليين لدى أربع منظمات دولية وإقليمية تتمتع الجزائر بالعضوية فيها وهي (الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية)، بل إن السلطة وحسب ما جاء على لسان الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، وأمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم لا تمانع من حضور ملاحظين من الاتحاد الأوربي إذا رغب في ذلك، وجاء ضمن هذا الإطار، وفي التعليمة الرئاسية الصادرة في السابع من أفريل الجاري أن دعوة المراقبين الدوليين هو من منطلق الحرص "على عدم ادخار أي جهد لاستجماع جميع الشروط الكفيلة بإشاعة جو هادئ، موات لإجراء الاستشارة الانتخابية المقبلة في كنف الشفافية والإنصاف والنزاهة.."، وما يقال عن الملاحظين الدوليين يقال أيضا عن إنشاء اللجنة الوطنية السياسية المستقلة لمراقبة الرئاسيات، فهذه اللجنة كانت من بين المطالب التي تدفع بها بعض التيارات السياسية كشرط لضمان نزاهة الانتخابات، فاستجاب بوتفليقة لمطلبها وعين على رأسها شخصية مستقلة معروفة بكفاءتها ويتعلق الأمر بمحمد تقية وزير العدل الأسبق. وبالعودة إلى التعليمة التي أصدرها الرئيس بوتفليقة بشكل متزامن مع ارتفاع الأصوات المشككة في نزاهة الرئاسيات المقبلة نلاحظ أن هناك إرادة حقيقية لا غبار عليها لتوفير كل ما يتوجب توفيره من أجل ضمان شفافية العملية الانتخابية، وحوت التعليمة المذكورة على 19 بندا ركزت أغلبها على مسائل تقنية دقيقة قد يهملها حتى أولائك الذين يتخفون وراء "بعبع" التزوير. وجاء في التعليمة الرئاسية "أن مسؤولية تنظيم الانتخابات منوطة بالإدارة التي يقع على عاتق أعضائها الامتثال الدقيق لواجب الحياد حيال كافة المترشحين.." ومنع استعمال وسائل الدولة في العملية الانتخابية فضلا عن تجريم عدم تسليم محاضر الفرز للمراقبين ممثلي المرشحين في يوم الاقتراع. وبدا جليا أن هاجس التزوير الذي يروج له الممتنعون عن المشاركة في الاستحقاق الرئاسي إنما هو سلاح فقط يستعملونه لاستمالة المواطنين نحو خيار المقاطعة، فهذه القوى التي تتباكى دون حجة أو دليل على نزاهة الرئاسيات تخفي ضعفها وعدم قدرتها على المنافسة.