من اللطائف والفوائد القرآنية ما جاء في قوله تعالى "وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم" وقوله سبحانه "وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم"، وقوله عز وجل "وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم"، فقد جاء الفعل الذي قام به «آل فرعون» في الآية الأولى بصيغة التذبيح "يذبحون أبناءكم"، من غير عطف بالواو، وجاء الفعل في الآية الثانية بصيغة التقتيل "يقتلون أبناءكم"، من غير عطف بالواو أيضاً، بينما جاء الفعل في الآية الثالثة بصيغة التذبيح أيضاً "ويذبحون أبناءكم"، لكنه معطوف بالواو، وقد ذكر المفسرون بعض اللطائف بين هذه الآيات الثلاث. لطائف وحكم - جاءت الآية في سورة البقرة من غير واو، لأن الكلام جاء في موضع التفسير، لا في موضع العطف، فكأن الله سبحانه بعد أن ذكر فعال «آل فرعون» بأنهم يسومون بني إسرائيل سوء العذاب، فسر هذا العذاب بأنه تذبيح للأبناء وتقتيل لهم، فكان المقامُ مقامَ تفسير وتوضيح، والجملة التفسيرية لا يحسن ذكر الواو معها، فأنت تقول "أتاني القوم زيد وعمرو"، لأنك أردت أن تفسر القوم بهما، ومن هذا القبيل قوله تعالى "ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب"، ف"الآثام" لما صار مفسراً بمضاعفة العذاب حذف عنه الواو، والقاعدة في ذلك - كما قال «ابن جني»- أنه متى كانت الجملة تفسيراً، لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها، لأن تفسير الشيء لاحق به، ومتمم له، وجارٍ مَجرى بعض أجزائه، كالصلة من الموصول والصفة من الموصوف، وبالمقابل لما كان المقام في آية سورة إبراهيم مقامَ تعداد لأنواع المحن التي تعرض لها بنو إسرائيل، اقتضى الحال العطف بالواو، فبعد أن ذكَّر موسى قومه بما كان من فعال آل فرعون ببني إسرائيل، فصَّل لهم القول في أنواع تلك الفعال، فوصفها بأنها تذبيح للأبناء، فكانت الواو هنا عاطفة للفعل، وكان مضمون جملة "ويذبحون" مقصوداً بها تعداد أنواع العذاب وبيانه، كأنه صنف آخر غير سوء العذاب، اهتماماً بشأنه، فعطفه من باب عطف الخاص على العام، كقولك "جاء الطلاب وزيد"، ف"زيد" من جملة الطلاب، لكنه أُفرد بالذكر تنويهاً بشأنه وبمكانته بين الطلاب، فكان قوله تعالى "ويذبحون" نوع آخر من العذاب، لا أنه تفسير لما قبله، فتحصَّل من ذكر الواو وحذفها في هذه المواضع أنها حيث حُذفت جعل الفعل تفسيراً لقوله "يسومونكم"، وحيث أُثبتت دلّ على المغايرة وأن سوم سوء العذاب كان بالتذبيح وبغيره. - ما قيل عن خلوّ آية سورة البقرة عن العطف ب"الواو"، يقال أيضاً عن آية سورة الأعراف "يقتلون أبناءكم"، غير أن الفعل في هذه الآية "يقتلون"، ورد مغايراً للفعل في آية سورة البقرة "يذبحون"، ليوافق قوله سبحانه "يقتلون أبناءكم" ما جاء قبلُ في السورة نفسها، وهو قوله سبحانه "قال سنقتل أبناءهم". - ورد الفعل في سورة الأعراف بلفظ مطلق "يقتلون"، وهو يحتمل التذبيح وغيره من أنواع القتل، بينما ورد الفعل في الآيتين الأخريين بلفظ مقيد "التذبيح"، تفسيراً وتوضيحاً لفعل "السوم": "يسومونكم"، وذلك تنويعاً وتفنناً في الإخبار عن الحدث، وخلاصة القول أن القرآن حكى ما كان من فعال «آل فرعون» ببني إسرائيل، فذكر العذاب الأعمّ وذكر الأخصّ للاهتمام به، وجاء المراد واضحاً في المواضع الثلاثة، وإنما حكاه القرآن في كل موضع بطريقة مغايرة عن الأخرى تفنناً في إعادة القصّة بحصول اختلاف في صورة النظم مع الحفاظ على المعنى المحكي وهو ذكر سوء العذاب مجملاً، وذكر أفظع أنواعه مبينا، فاستوفت المواضع الثلاثة جوانب الحدث على أحسن وجه وأتم بيان.