قال الله تعالى »ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون« (الروم: 41). إذا عدنا إلى الماضي، وشاهدنا ببصائرنا وحركّنا عقولنا وسمعنا بآذان صاغية، وفتحنا صدورنا برحابة واطلعنا على عواقب أعمال الماضين حين انحرفوا عن الصراط السوي، ثم قارنّا بين من انتهجوا منهج الفساد والطمع وابتداع المنكرات وأصناف الأذى والضرر بأنفسهم وبغيرهم، وبين ما هو عليه مجتمعنا المعاصر من انحرافات عن »فطرة الله التي فطر الناس عليها« (الروم: 30) وفطرة الله هي الالتزام بدينه وهو الإسلام، وذلك لينسجم سلوكهم مع فطرتهم البشرية ولا يعصف بهم فيما يشوّه فطرتهم، ويرميهم في وهاد الزيغ والضلال والانحراف، أو يجعلهم في شعاب الفرقة والاختلاف من غير فائدة ولا مصلحة، أقول لو تأملنا بعمق لانكشف الغطاء أمامنا واتضح الواقع كما هو بسبب المعاصي والآثام، واحتجاب الخير وظهور الشر. وإذا بلغنا درجة اليقين بفضل معرفتنا لأحداث الماضي، لا شك نكون أغبياء إن واصلنا السير في طريق الضلال، ونحن معشر المسلمين لدينا هاد يهدينا، حسدنا غيرنا فيه ويريدون منا أن نتركه ونطيعهم، يقول تعالى »ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل« (المائدة: 77). هؤلاء المضلّلون مثلما فعلوا في الماضي يفعلون بنا اليوم بأسلوب معاصر، استخدمونا ضد أعدائهم حتى هزموهم لأننا أصغينا إليهم، وغفلنا عن هادينا، بسبب ما زيّنوه لنا، ولم ننتبه لقول الله تعالى »كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون« (يونس: 12)، وماذا قال عن الماضين؟: »كذلك زين لفرعون سوء عمله وصدّ عن السبيل« (غافر: 37)، ولم نجب عن هذا الاستفهام الإنكاري لعمى البصيرة »أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم« (محمد: 14). لماذا لم تتمسكوا بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم »لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسهم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا«، كذلك نهيه عليه الصلاة والسلام »لا ينبغي للمؤمن أن يُذلّ نفسه، قالوا: وكيف يذلّ نفسه؟ قال: يتعرّض من البلاء لما لا يطبقه«. وهل فهمتم فهما جيداً قول الله تعالى لتهتدوا به »ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام« (البقرة: 204). لقد طرحت هذا السؤال لأني لاحظت، كما لاحظ أغلب المفكرين والعلماء، أننا نخطئ نفس الخطأ الذي خطأه أهل الضلال والتضليل، وظهر في عهدهم الفساد وهلكوا، ألم تكن الجوسسة والوشاية سببها الطمع وعبادة المال وحب الشهوات؟! هؤلاء شعارهم الظن »وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا« (يونس: 36)، بل التجسس والظن معاً إلى جانب الغيبة، وكأني بهم غفلوا أو عميت بصائرهم عن نهي الله تعالى »يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله« (الحجرات: 12). لقد شبّه الله تعالى الغيبة بأكل لحم الإنسان الميت للتنفير، فضلا عن كونه محرّماً شرعاً. لماذا لا نعلّم أبناءنا مكارم الأخلاق سواء في المنزل أو المدرسة أو عن طريق وسائل الإعلام السمعية والبصرية ونهذّب ألعابنا الرياضية، وألفاظ أغنياتنا ونطهر أفكارهم ونصلح عقولهم من الفساد والإفساد، خاصة والقرآن الكريم أفادنا »وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير« (الشورى: 30)، فعفو الله تجاوز الحد المعقول ونحن ما زلنا لم نقلع عن الفساد والإفساد. »ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثماً مبيناً« (النساء: 112). ماذا تنتظرون يا أهل هذا العصر عندما تربون أبناءكم على عبادة المال، والحب اللانهائي في جمع المال، وبسرعة فائقة، بلا تعب ولا جهد بالرياضة الفوضوية والطرب الخليع، وتهملون العلم والجهاد في البحث العلمي لإنقاذ البشرية من الكوارث والأمراض الفتاكة ولا تنهون أبناءكم من مخاطر المخدرات على الجسم والعقل، وهي أم الخبائث؟ كان بالإمكان أن تكون الرياضة وسيلة تربية سليمة تؤدب وتصلح وكان بالإمكان أن يكون الغناء والطرب بالكلمات الطيبة المصلحة والموجهة التوجيه الخيري، والمحبة الصادقة. لماذا لا تكون في كل بيت من بيوت المسلمين وغير المسلمين بحسب لغتهم الآية القرآنية الرفيعة الأخلاق معلقة على جدار البيت لهدايتهم »وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان« (المائدة: 2) خصوصا وأن البشر كلهم ينتمون لأب واحد وأم واحدة، فلماذا التحيل والتحاسد وأفساد الأخلاق بسبب مزيد الكسب من المال الذي يشجّع ابن آدم على مزيد الإسراف، وإهمال عبادة الله؟ والغريب أن مسلمي هذا العصر قد أهملوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم »المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده«، ومازالوا يتصارعون ويتوسلون من غيرهم إصلاح ذات البين. وهي من مسؤوليتهم ومهمتهم كأني بهم قد نسوا أو تناسوا قرآن أمتهم. والله يهدي المسلمين لفهم الإسلام الصحيح.