ولد الشيخ «الشعراوي» في ال15 من شهر ربيع الثاني عام 1329ه، 1911م، في قرية «دقادوس» التابعة لمحافظة «الدقهلية» بمصر، وحفظ القرآن الكريم وهو في ال10 من عمره، وعندما بلغ ال15 كان قد أتم تجويده، وتابع دراسته الابتدائية والثانوية في المعاهد الأزهرية في محافظة «الزقازيق» وتخرج من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1359ه، 1941م، وحصل على شهادة "العالمية" مع إجازة التدريس عام 1361ه، 1943م، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة «المنصورة» عام 1410ه، 1990م، كما حصل على جائزة إمارة دبي لشخصية عام 1418ه، 1998م . أبيات من الشعر تؤدي به إلى السجن وُهب الشيخ «الشعراوي» طبيعة ثائرة لا ترضى بالضيم، ومن مواقفه المشهورة أنه عندما كان طالباً في معهد «الزقازيق» رَأَسَ اتحاد الطلاب، ولما تفجرت ثورة الأزهر عام 1934 مطالبة بإعادة الشيخ «المراغي» بعد عزله من رئاسة الأزهر، خرج الشيخ في مقدمة المطالبين بإعادة الشيخ «المراغي» إلى منصبه وألقى أبياتاً من الشعر، اُعتبرت حينئذ ماسَّة بمنصب "الملكية"، فقُبض عليه وأودع السجن. مدرّس بكلية الشريعة بمكة بعد أن أنهى «الشعراوي» دراسته الجامعية عمل مدرساً في العديد من المعاهد الدينية بمصر، ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك «عبد العزيز آل سعود» بمكة المكرمة، ولما انتهت فترة إعارته للملكة العربية السعودية عاد إلى مصر وعُين وكيلاً لمعهد «طنطا» الديني، ثم مديراً لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف، كما عُيّن مفتشاً للعلوم العربية بجامعة الأزهر، وعُين مديراً لمكتب شيخ الأزهر «حسن مأمون»، وفي عام 1394ه، 1975م. عُين مديراً عاماً لمكتب وزير شؤون الأزهر، وعُين بعد ذلك وكيلاً لوزارة شؤون الأزهر للشؤون الثقافية، وعُين وزيراً للأوقاف وشؤون الأزهر في وزارة «ممدوح سالم»، وخرج من الوزارة عام 1978م، ثم عُين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام 1980، ليتفرغ بعد ذلك لشؤون الدعوة، بعد أن رفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي عُرضت عليه. اقتراب اللغوي من التفسير.. آية من آيات الله أوقف «الشعراوي» حياته لمهمة تفسير كتاب الله، ولأنه عارف باللغة العربية، كان اقتراب اللغوي من التفسير آية من آيات الله، وأول مزية للشيخ «الشعراوي» نلمحها في منهجه التفسيري، حيث إن تفسير القرآن على لسانه يبدو جديداً فريداً، أما المزية الثانية فهي أن الشيخ رُزق موهبة نقل الأفكار بأبسط الكلمات وأرشق الأساليب، وقلما اجتمع هذا لأحد ممن توجهوا لتفسير القرآن مباشرة، وقد أحس كل من تابع تفسير الشيخ للقرآن عبر وسائل الأعلام أو في المجالس المخصصة لذلك، بأن الله يفتح عليه وهو يتحدث، ويلهمه معان وأفكاراً جديدة، فكان تفسيره جديداً، حيث يفهمه العوام ويلبي حاجات الخواص، وكانت موهبته في الشرح لآيات القرآن وبيان معانيه قادرة على نقل أعمق الأفكار بأسلوب سلس مشوق وجذاب، وقد وصف «الشعراوي» جهده الذي بذله في تفسير القرآن بأنه "فضل جود، لا بذل جهود"، ومما قاله بهذا الصدد "فهذا حصاد عمري العلمي وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله وتطامنت لاستقبال فيض الله، ولعلي أكون قد وفيت حق إيماني، وأديت واجب عرفاني، وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري مفتاح خواطر من يأتي بعدي"، والملفت للانتباه أن الشيخ «الشعراوي» لم يعتبر جهده الذي بذله في توضيح وبيان آيات القرآن الكريم تفسيراً له، بل جملة خواطر ليس إلا، يقول في بيان هذا المعنى "خواطري حول القرآن لا تعني تفسيراً للقرآن، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو كان القرآن من الممكن أن يفسر لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره"، ويستوقف المتابع لتفسير الشيخ «الشعراوي» شيء آخر، وهو تعريفه للقرآن الكريم، حيث إنه يغاير بعض الشيء التعريف المشهور للعلماء، فهو يعرف القرآن بأنه ابتداء من قوله تعالى "بسم الله الرحمن الرحيم"، إلى أن نصل إلى قوله "من الجنة والناس"، على أن نستعين بالله من الشيطان الرجيم، قبل أن نقرأ أي آية من القرآن". كتبه وتسجيلاته خلّف الشيخ «الشعراوي» العديد من المؤلفات التي تعتبر زاداً للمسلم في خضم هذه الحياة، ومن تلك المؤلفات "الإسراء والمعراج"، "الإسلام والفكر المعاصر"، "الإسلام والمرأة، عقيدة ومنهج"، "الشورى والتشريع الإسلامي"، "الطريق إلى الله"، "المرأة كما أرادها الله"، "معجزة القرآن"، "من فيض القرآن" و"المنتخب من تفسير القرآن"، وغير ذلك، كما للشيخ تسجيلات مسموعة ومرئية، يأتي في مقدمتها "خواطر الشعراوي"، وهي خواطر محورها الأساس أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، إضافة إلى تسجيلات صوتية موضوعها "قصص الأنبياء"، ومما ينبغي أن يشار إليه هنا أن التفسير المطبوع للشيخ «الشعراوي» لم يضعه هو نفسه، وإنما جمعته بعض دور النشر من تسجيلاته الصوتية، وقام بعض علماء الأزهر بمراجعته وتخريج أحاديثه. مفسّر وداعية نشط الشعراوي في مجال الدعوة إلى الله وأبلى في هذا الجانب بلاء حسناً، وشدّ الرحال داعياً إلى الله، وكان خير سفير للإسلام في كل مكان وطأته قدماه، فقصد دول بأوربا وأمريكا واليابان وتركيا وأغلب الدول الإسلامية، فدعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبلغ رسالة الإسلام خير بلاغ. وفاته بعد مسيرة كبيرة في مجال التفسير والدعوة إلى الله، فارق الشيخ «الشعراوي» الدنيا، حيث كان ذلك في ال19 من شهر ذي الحجة عام 1418ه، الموافق ليوم ال17 من شهر أفريل عام 1998م، وتركت وفاته أثراً عميقاً في نفوس المسلمين كافَّة وصدى كبيراً في أقطار الإسلام عامَّة، وخسرت الأمة بوفاته عَلَماً من أعلامها وداعية من دعاتها.