العولمة والتغير التربوي والمنظمات الإقليمية ينظر كل من «كارنوي» و«روتكن» في مقالتهما الافتتاحية، "ماذا تعني العولمة بالنسبة للتغير التربوي دراسة مقارنة"، إلى العولمة من معايير المعرفة والمعلومات والبناء الاقتصادي ونظرية النظم العالمية والمفاهيم الإيديولوجية في التعليم، ويشدد الكاتبان على أنه لتقييم علاقة العولمة الحقيقية بالتغير التربوي ينبغي أن نعرف كيف تؤثر العولمة ومسوغاتها الأيديولوجية على وضع التدريس بشكل عام، من النماذج الانتقالية إلى السياسات القومية والتطبيقات المحلية، التمويل وسوق العمل وجودة أنظمة التعليم الوطني وتقنية المعلومات وشبكات المعلومات المعولمة هي من بين المجالات التي تتجلى فيها هذه العلاقة، ويشرح «كارنوي» بأنه لاعتبارات مالية تكون معظم الحكومات مضطرة إلى تقليص حجم الإنفاق العام على التعليم، وإيجاد موارد بديلة لتمويل الأنظمة التعليمية، ولاعتبارات العمل فإن الحكومات تحت ضغط أشد من أجل جلب رأس المال الخارجي وتقديم العمال المهرة، ما يعني مزيداً من الضغط لرفع مستوى المعدل التعليمي في سوق العمل الذي يؤدي بدوره إلى زيادة معدل الإنتاج في سوق العمل، ولاعتبارات تعليمية فإن جودة التعليم الوطني تخضع لمقارنة حثيثة مع جودة التعليم العالمي، ونتيجة لذلك فإننا نلاحظ أن التركيز يكون في مناهج الرياضيات والعلوم وفي المعايير والفحص وفي مطابقة المعايير من خلال تغيير في أنظمة التطبيق، ويشير إلى أن تقنية المعلومات تنضوي تدريجياً في أنظمة التعليم لسببين: - الأول: لتخفيض نفقة التعليم. - الثاني: للوصول إلى مستوى جودة تعليم أعلى بمساعدة الحاسوب والإنترنت. ويوضح أن شبكات المعلومات العالمية تعني تبادل ثقافات العالم مع محاذير أن كثيراً من الفئات تشعر أنها مهمشة بسب قيم سوق الثقافة الجديدة، وأن مثل هذه الفئات ستناضل ضد اقتصاد العولمة بالتشديد على قيم ثقافية عالمية بطبيعتها، فعلي سبيل المثال نجد أن كلاً من الأصولية الدينية وأنصار البيئة الما بعد تحديثيين، وأنصار حقوق المرأة على اختلافهم يقفون ضد السوق، ويخلص كل من «كارنوي» و«روتن» إلى أنه وعلى الرغم من أن التغيرات التعليمية على ضوء العولمة ذات محددات تعريفية مشتركة، فإنها تحوي اختلافات مهولة من منطقة إلى أخرى، ومما يستحضر في هذا المجال ما قاله «ديل» و«روبرتسن» في مقالتهما "التأثيرات المختلفة للمنظمات الإقليمية في ظل عولمة التعليم"، إذ يناقش الكاتبان أن المنظمات الإقليمية تحديداً معاهدة دول شمال أمريكا للتجارة الحرة والاتحاد الأوروبي والتعاون الاقتصادي الآسيوي، بالقدر الذي تمثله كدفة توجيه لرأس المال العالمي وقوى العولمة، فإنها تخدم في مجال البنى التحتية الاجتماعية، وتشكل الرأسمال الإنساني، وإن كان بشكل مباشر أو غير مباشر فإنها توثر في تشكيل السياسات التعليمية. فمن خلال دراستهما لمعاهدة دول شمال أمريكا للتجارة الحرة وتأثيرها على التعليم، يلاحظان أن إستراتيجيتها تستخدم التجارة الحرة لتوسيع نطاقها لتشمل احتياطي الموارد التي كانت تحت سيطرة القطاع العام عبر تكتيكات بناء معاهدات تجارية ملزمة مرتبطة بإجراءات مثل "إجراءات حل النزاع"، ويلاحظان بشكل أساسي أن مستوى هذا التأثير على السياسات التعليمية القومية على الدول الأعضاء يتجاوز الاستقلالية ليمس السيادة، فمعاهدة دول شمال أمريكا للتجارة الحرة تحدد للدول الأعضاء المجالات التي يمكنها أن تقرر السياسات فيها دون أن تأتي على ذكر الكيفية التي سيتم فيها استخدام ما تبقى من السيادة. ويشرحان أنه على الرغم من أن معاهدة دول شمال أمريكا لا تتطرق بشكل مباشر للتعليم، فإن للدول استقلالية محدودة في إدارة المدارس، وهي معرضة لفقدان السيطرة في حالة عدم تطبيق قواعد هذه المعاهدة، ويقدمان برهاناً على ذلك بالأزمات التي تواجهها دول شمال أمريكا في مجال التعليم العالي "تعتبر الجامعات مواقع قوة في مجالات البحث والتطوير في المنطقة، وهي بدورها قادرة على الإسهام في التطور الاقتصادي على الصعيد العالمي، لذا فهي مواقع استثمار في مجالي البحث والتطوير، وجميع أعضاء معاهدة دول شمال أمريكا وبخاصة المكسيك، بسبب اختلاف مستويات مصادرها وتنوعها، فإنها معرضة لاحتمال مواجهة أزمة إدارة جامعتها في الوقت الذي تم فيه فتحها أمام الاستثمارات الخاصة، في الوقت نفسه تصبح هذه الجامعات عاجزة عن إدارة نشاطاتها الخاصة"، ويستطردان بأن مثل هذا الخلط في الصلاحيات ضمن القطاع الجامعي، وبخاصة عندما يرتبط ذلك بموضوعة الملكية الفكرية، فإنها سوف تقلل من استقلالية الجامعات، وتجعلها مجالاً للمنافسات التجارية بدلاً من منارات استنارة، أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فيقول «ديل وروبرتسون» "إن إستراتيجية الاتحاد الأوروبي تقوم على تشجيع تمويل البرامج الصغيرة والتعاون العابر للقوميات بين الجامعات لكي تبلغ هدفها"، "وهو البعد الأوروبي ... بناء فهم مشترك وعابر للقوميات لأن تكون أوروبياً"، ويلاحظ الكاتبان أن هذه الإستراتيجية متبعة من قبل الاتحاد الأوروبي لتحويل المنطقة إلى مجتمع واقتصاد قائمين على المعرفة، عبر تبني سياسات أفضل في حقول متعددة، من بينها تكنولوجيا المعلومات والبحث والتطوير، ويقترح «ديل وروبرتسون» بأنه على الرغم من أن تأثير الاتحاد الأوروبي على السلطة القومية في القطاع التعليمي محدود جداً، فإنه قد يمس استقلالية الأعضاء في مجال سياسة التعليم، أما في حالة التعاون الاقتصادي الآسيوي، فيشير الكاتبان إلى أن دول هذا التعاون ترى أن التعليم يساهم وبشكل كبير في النجاح الاقتصادي في المنطقة، وبشكل خاص في ما يعرف "بالنمور الأسيوية" هونغ كونغ، سنغافورة، كوريا الجنوبية وتايوان، فتدعي هذه الدول أن هذه الرؤيا مركزية لتحويل أنظمة تعليمها لتساهم في تشكل "المجتمعات التعليمية" عن طريق التشارك في الأفكار والخبرات والتطبيقات الأمثل في مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات، وتعزيز جودة تطوير المعلم، ورعاية الممارسات الإدارية العقلانية بين صانعي السياسة وتشجيع ثقافة التفاعل النشط بين المعلم والطالب لخلق تفاهم في المجتمع الآسيوي، ويلاحظ الكاتبان أن الإستراتيجية المتبعة من قبل دول الاتحاد الآسيوي تعتمد على فلسفة "إعدادات أحادية الجانب"، وعلى "خطط العمل الفردية"، فمثلاً يضع أغلبية الأعضاء ثقلاً مهماً لدور التعليم ولتشكل رأس المال الإنساني في التطور الاقتصادي، ويتبنونه كمحور لسياستهم الكلية إلا أن كلاً منهم يصل إلى هدفه بطريقته الخاصة، ويخلص «ديل» و«روبرتسون» إلى القول إنه يجب أن ينظر للتعليم في محتواه وسياسته الإدارية من اعتبارات إقليمية المنشأ، ومن الكيفية التي تعدل هذه المناطق سياساتها التعليمية تماشياً مع عملية العولمة، ويضيفان أن أجندة التعليم ذات المنشأ العالمي تتسع بشكل مطِّرد، في حين أن الالتقاء والتوافق بين الممارسات أو السياسات القومية لم يحظَ بالاتساع ذاته. جدائل من الخيوط تتداخل في نسيج واحد، هذه المقالات الثلاثة تعطي وجهات نظر متمايزة، ولكنها مترابطة عن تعقيدات العولمة وبخاصة في سياق التعليم، وكذلك تتداخل أفكار «مونكمان» و«بيرد» و«كاروني» و«روبرتسون» حول محددات كالتمويل والتجارة والاتصال وتكنولوجيا المعلومات وسوق العمل وجودة النظم التعليمية الوطنية وشبكات المعلومات المعولمة، فكلتا المقالتين كذلك تدركان أثر تكنولوجيا المعلومات كآلية ذات أثر ليس على الكيفية التي يتم فيها الآن إيصال التعليم عبر شبكات عالمية فحسب، بل وبشكل أكثر أهمية على قدرتها في زعزعة نماذج السلطة القديمة وهرمياتها بين المعلمين والطلاب، ويشير كل من «ديل» و«روبرتسون» في تحليلهما لتأثيرات العولمة على الاتحاد الأوروبي إلى أن تكنولوجيا المعلومات هي الإستراتيجية الوحيدة التي يأمل الاتحاد الأوروبي من خلالها في تحويل الإقليم إلى مجتمع واقتصاد مبنيين على المعرفة، كذلك إن المقالات الثلاثة تشترك في الاعتقاد الذي عبر عنه «كارنوي» و«روتن» بوضوح "التغيرات التعليمية في ضوء العولمة ذات محددات جوهرية مشتركة، إلا أنها تحوي اختلافات مهولة من منطقة إلى أخرى"، وهذا مفصل في تحليل «ديل» و«روبرتسون» لمعاهدة دول شمال أمريكا والاتحاد الأوروبي والتعاون الآسيوي كمؤثرات على العولمة من ناحية وكموضع تأثر بالعولمة من ناحية أخرى، أما «مونكمان» و«بيرد فيقتبسان دوان» "درجة الدمج بين مجتمع/الدولة والنظام التعليمي تختلف من دولة إلى أخرى من حين لآخر". وجميعهم أجمعوا على أن المقالات تتابع عن كثب التعقيدات بين العولمة والتعليم إلى درجة أنه أصبح من الواضح أن أكثر طرق العولمة تجلياً في التعليم هي عبر تكنولوجيا المعلومات، وأيضاً الطريقة الفاضحة التي تتم فيها السيطرة على أجندة السياسة التعليمية بين الأمم والدول. ولعل أهم انشعابات هذه السيطرة هي المشاركة التي يريد «مونكمان» و«بيرد» منا أن ننظر إليها بحذر، فإذا ما كان هنالك مجال من مجالات البحث في التعليم المقارن يستحق السبر، فيجب أن تكون سياسة المشاركة بشكل يجيب عن: من هم اللاعبون؟ وما هي الأدوار التي يؤدونها؟ وبالتالي إذا ما أصبح اللاعبون كافة شركاء، فمن سيكون القيّم النهائي على حد تعبير البنك الدولي.