يطلق لفظ الجار على كل من جاور إنسانا في السكن، وتعددت الأقوال حول الجوار، ولعل الأقرب أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل في حدود الجوار، والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم، فهناك الجار المسلم ذو الرحم وهناك الجار المسلم والجار الكافر ذو الرحم والجار الكافر الذي ليس بذي رحم، وهؤلاء جميعا يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها حسب حاله ورتبته، ويظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل والمزرعة ومقعد الدراسة، ولا شك أن الجار له حقوق كثيرة حثّ الإسلام على صيانتها، من أهمها رد السلام وإجابة دعوته، وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة، كما أن من حقوق الجار كفّ الأذى عنه، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار أشد التحذير وتنوّعت أساليبه في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه"، ولما قيل له "يا رسول الله: إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها"، قال "لا خير فيها، هي في النار"، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره فقال "اطرح متاعك في الطريق"، ففعل وجعل الناس يمرّون به ويسألونه، فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار، فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه، فقال له صلى الله عليه وسلم "فقد لعنك الله قبل الناس"، وإذا كان الأمر كذلك فإن تحمّل أذى الجار من شيم الكرام، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية، قال تعالى "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ"، ويقول الله تعالى "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُور"، وقد ورد عن «الحسن» رحمه الله قوله "ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى"، وستر الجار من أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره، فينبغي أن يوطن نفسه على ستر أموره، مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله، وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية، فما بال مسلم عاقل يحصّن نفسه بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.