ورد في الحكمة "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط". والناس جميعا في حاجة، بعضهم إلى البعض، مهما تفاوتت مراتبهم أو اختلفت وظائفهم أو تنوعت طبقاتهم. ، ولا يستطيع أي مجتمع مهما بلغ في التقدم من منازل وصعد في سلم النهوض من مراتب، أن يستغني عن بعض العمال البسطاء الذين يقضون لإخوانهم حوائجهم ويجدون في خدمتهم، ويسهرون من أجل راحتهم، قال تعالى: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون" (32) الزخرف. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم ومن بين كل البشر، يبرز معدن المسلم الأصيل، ساعيا في خدمة إخوانه، مجتهدا في قضاء حوائجهم، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وما وجد الى ذلك طريقا، رائده في ذلك قدوته صلى الله عليه وسلم الذي كان أخف الناس لمساعدة المحتاجين، وأبش الناس في وجوه السائلين. كانت الجارية (أي الفتاة الصغيرة التي لم تبلغ الحلم) تأخذ بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم فتنطلق حيث شاءت، ولا يسألها عن شيء حتى يقضي لها حاجتها! لله درك يا رسول الله، أنت أعلى الخلق مكانة وأشرف الناس رتبة وأرفعهم مقاما، ومع ذلك تأخذ الجارية بيدك وتنطلق حيث شاءت في سكك المدينة، فلا تسألها مجرد سؤال أين تريدين؟ أي خلق هذا؟ أي تواضع؟! أية رحمة؟! أية رأفة؟! وهكذا ينبغي أن يكون شأن المسلم الحق. إنه ليس منكفئا على ذاته، لا ينظر إلا في مرآته، بل يسع قلبه الناس جميعا، خاصة إخوانه المسلمين، وكم تكون سعادته غامرة حين يقضي حاجة أخيه، إنه يتذكر ساعتها أن الله عز وجل في حاجته، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما). فأي تكريم للمسلم وأية عناية هذه؟ أن يكون الله جل وعلا بذاته العلية في حاجتة، يقضيها وييسرها، ويعطف قلوب الخلق عليه، فيبادرون إلى خدمته، ويخفون إلى نجدته ويتنافسون من أجل راحته!