قراءة القرآن الكريم من أعظم الأعمال، فيها راحة للنفس وظفر بثواب من الله عظيم، ولمّا كان القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى المتعبّد بتلاوته، المُعجز بلفظه ومعناه، كان أجر الوقوف عليه بالتلاوة والتدبّر ذا فضل عظيم في الدنيا، وفي الآخر يأتي هذا القرآن شفيعا في قارئه، فلا يدعه حتى يُخرجه مما هو فيه من ضيق الحساب بسبب ذنوب الدنيا، وقد وردت أحاديث كثيرة تحثّ على قراءة القرآن وتبيّن فضل فاعل ذلك وما ينتظره عند الله من جزاء، كما وردت أحاديث تزجر المرتدّ عن التدبّر والقراءة، فعن «أبي أمامة» رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"، رواه «مسلم»، وعن «أبي موسى الأشعري» رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيّب وطعمها طيّب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مرّ"، متفق عليه، وعن «ابن عباس» رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب"، رواه «الترمذي»، وقال صلى الله عليه وسلم "من استمع إلى آية من كتاب الله، كُتبت له حسنة مُضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة"، رواه «أحمد»، وقال صلى الله عليه وسلم "عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء"، رواه «ابن عباس». هكذا يُتلى ويُتدبّر يقول العلماء إن معنى تعلّم القرآن هو العلم بقراءاته ولو بقراءة واحدة والعلم بناسخه ومنسوخه ومُحكمه ومتشابهه ومقيّده ومُطلقه وعامّه وخاصّه والعمل به وجعله نبراسًا وهاديًا للحق وإمامًا للمسلمين جميعا، ولا يُقصد من قراءته مجرّد التصوف فيه بالتذلّل والخروج عن عادات الناس في المخالطة ومُغادرة المجالس، لأن الفضل في هذه الحالة أقلّ بكثير للفاعل من فضل أنه يجعل منه دستورا يعمل به بجوارحه، تماما كما تعمل سريرته في خُلوته به بالخشوع، ولا يكتمل ذلك إلا بمعرفة ضوابط قراءته كما وصفها السابقون وأحسن شرحها اللاحقون، كما لا يتم ذلك الاكتمال إلا بمعرفة علمية بأحواله والتفقّه فيه على قدر المستطاع، لأن النية عند الله أبلغ من أن يُحيط بها عمل. الحرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها يروي «عبد الله بن مسعود» رضي الله عنه في ثواب قارئ القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"، رواه «الترمذي»، فهذا الحديث الشريف يبيّن فضل وعظمة هذا القرآن العظيم ويبيّن أيضاً الجزاء الأوفى والأجر العظيم الذي يناله قارئ القرآن الكريم، فبمجرد القراءة يأخذ الإنسان هذا الأجر، فما بالنا بمن قرأ وأحسن وجوّد وعمل بما فيه، فإن الله تعالى يُعظم له الأجر كما قال تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها". مُعلّمه تستغفر له الحيتان في البحر عن «إبراهيم النخعي» قال "مُعلّم الصبيان تستغفر له الملائكة في السماوات والدواب في الأرض والطيور في الهواء والحيتان في البحار"، ولننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ل«معاذ» رضي الله عنه "يا معاذ، إن أردت عيش السعداء وميتة الشهداء والنجاة يوم الحشر والأمن من الخوف والنور يوم الظلمات والظل يوم الحرور والري يوم العطش والوزن يوم الخسفة والهدى يوم الضلال، فادرس القرآن فإنه ذكر الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان"، أخرجه «الديلمي»، وقال صلى الله عليه وسلم ل«أبي هريرة» رضي الله عنه "يا أبا هريرة، تعلّم القرآن وعلّمه الناس ولا تزال كذلك حتى يأتيك الموت، فإنه إن أتاك الموت وأنت كذلك حجّت الملائكة إلى قبرك كما تحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام"، أخرجه «الترمذي» و«النسائي» و«ابن ماجة».