أيام وتنطلق بطولة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل، والتي من المفترض أن تكون ذروة الاحتفال في بلد الكرنفالات و"اللعبة الجميلة" كما وصفه لاعب الكرة الشهير بيليه. فماذا يمكن أن يطلبه المشجعون أكثر من ذلك؟ أصبحت البرازيل أخيرا تتمتع بالاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لاستضافة البطولة للمرة الأولى منذ عام 1950. وفاز منتخبها بكأس العالم أكثر من أي منتخب آخر، حيث نال اللقب خمس مرات. وبعد نصف قرن من تفوق المهارة الكروية على التنمية في البرازيل، يمكن لأكبر بلد في أميركا اللاتينية التفاخر بنجاحه داخل الملعب وخارجه. ولكن قبل أقل من أسبوع على انطلاق بطولة كأس العالم يوم 12 يونيو الحالي، لا تسود البرازيل الأجواء الاحتفالية المتوقعة. وخفتت أصداء الانتعاش الاقتصادي الذي أخرج 40 مليون شخص من دائرة الفقر خلال العقد الماضي وعزز فرص فوز البرازيل باستضافة الحدث الكروي الأهم في العالم. تقارير إخبارية عن الشرطة في البرامج الرياضية وفي ظل معدلات التضخم المتنامية وارتفاع معدلات الجريمة، تظاهر برازيليون خلال العام المنصرم احتجاجا على إنفاق 11 مليار دولار على كأس العالم، بالإضافة إلى عملية فساد مزعومة أدت إلى زيادة تكاليف بناء الملاعب وغيرها من مشاريع البنية التحتية التي لم ينفذ بعضها قط. وخصصت البرامج الرياضية، التي عادة ما تتناول خطط الفرق في اللعب والتي تكثر قبل بطولات كأس العالم، جزءا من وقتها لتقديم تقارير إخبارية بشأن الجنود وأفراد الشرطة المنتشرين في 12 مدينة برازيلية ستستضيف البطولة، حتى لا تؤثر الاحتجاجات العمالية والمظاهرات والجريمة سلبا على كأس العالم. ويبدو فتور الحماس قبل انطلاق البطولة جليا في الطرقات والميادين والمقاهي. واختفى الأصفر والأخضر، لونا علم البرازيل، وساد الهدوء العديد من الأماكن العامة رغم استعداد البلاد لاستضافة حدث رياضي اعتادت أن تحتفل به دون أن تستضيفه. وتقول ماريانا فاريا، وهي مالكة متجر لبيع لوازم الاحتفالات في وسط ريو دي جانيرو: "يشعر الناس بالاشمئزاز". وانخفضت مبيعات المتجر 40% عما وصلت إليه أثناء بطولة كأس العالم السابقة في جنوب إفريقيا. وتابعت: "لا يريد أحد إنفاق المال على أمر يرونه مرتبطا بالإهدار والفساد". ويتناقض المزاج العام السيئ في البرازيل مع البطولة التي تستمر شهرا والتي يرى فيها مشجعو كرة القدم في العالم ذروة الحماس والنشاط الرياضي. ومن الممكن أن ينتعش البرازيليون وتلتهب حماستهم إذا أبلى فريقهم بلاء حسنا في المباريات. وهذه هي المرة الأولى التي تتأهل فيها للبطولة كل المنتخبات التي سبق لها الفوز باللقب. وستشارك في البطولة كل الأسماء اللامعة في كرة القدم تقريبا مثل نيمار، أمل البرازيل الشاب، والأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي يعتبر أفضل لاعبي عصره، ومنافسه البرتغالي كريستيانو رونالدو. توقعات عام 2007.. وخيبة 2014 ويختلف المزاج السيئ عن معظم التوقعات التي سادت منذ فوز البرازيل، عام 2007، بشرف استضافة مونديال 2014. وعبر المنظمون آنذاك عن آمال في أن تكون الأجواء السائدة في البرازيل تظهر استعداد دولة نامية ومنتخبها الوطني لتعويض خسارة تاريخية أمام أوروجواي في المراحل النهائية لكأس العالم عام 1950 في استاد "ماراكانا" بريو دي جانيرو، وهو نفس الاستاد الذي سيستضيف المباراة النهائية للبطولة هذا العام. وحثت رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، البرازيليين على تنحية إحباطاتهم جانبا والترحيب بأكثر من 800 ألف زائر أجنبي سيأتون إلى البرازيل. وكانت البرازيل قد شهدت مظاهرات حاشدة عرقلت بطولة كأس القارات التي استضافتها البلاد في يونيو من العام الماضي، بالإضافة إلى موجة من الاحتجاجات المستمرة في العديد من المدن. وأمرت روسيف بإضافة 57 ألف جندي إلى قوات الشرطة ليقوموا بمهام تتراوح بين تأمين المناطق المحيطة بالملاعب إلى مرافقة حافلات الفرق. وقالت روسيف، في كلمة بمطار ريو الدولي الأسبوع الماضي رغم استمرار أعمال الإصلاحات فيه: "إننا شعب سيستقبل السائح بالحب وليس بالعنف". كأس العالم رمز للفجوة بين الوعود والإنجازات ومن جهته، ذكر مركز بيو للأبحاث، ومقره واشنطن، الأسبوع الماضي أن 72% من البرازيليين عبروا في مسح أجري مؤخرا عن شعور عام بالاستياء، فيما كانت نسبتهم العام الماضي 55%. وقال 61% من المشاركين في الاستطلاع إنهم يعارضون استضافة كأس العالم. وبالنسبة لكثير من البرازيليين، يرمز كأس العالم إلى الفجوة بين ما يعد به زعماء البرازيل وما يحققونه على الأرض، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالمدارس والمستشفيات الجيدة أو وفرة من الثروات النفطية البحرية التي اكتشفت في الوقت الذي فازت فيه البلاد بحق تنظيم البطولة لكنها لم تثمر شيئا بسبب التكاليف الباهظة والبيروقراطية. واتسمت استعدادات كأس العالم في البرازيل بالبطء، حيث ما زال تركيب المقاعد في الاستاد الذي سيشهد افتتاح البطولة مستمرا. ودفع ذلك الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلى القول إن البرازيل بحاجة إلى "دفعة". ورغم هذا، سعى بعض أبناء الطبقة الراقية في البرازيل إلى تشجيع الناس. وفي هذا السياق، علق ابيليو دينيز، وهو صاحب سلسلة محلات شهيرة لافتة كتب عليها "يجب علينا الاستفادة من الاهتمام العالمي لإظهار عظمة البرازيل والفرص فيها وليس مشاكلنا".